خلال أولى مقابلاته بعد فوزه بالرئاسة الأميركية؛ لمّح دونالد ترامب إلى أنّه سيحوّل دفّة السياسة الأميركية إزاء سورية من دعم المعارضة المعتدلة؛ إلى التعاون مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، انطلاقاً من قناعته بأن "سورية تحارب داعش، وعلينا أن نتخلص من التنظيم". أمّا بالنّسبة لمقاتلي المعارضة المدعومين من الولايات المتحدة، خلال السنوات الثلاث الماضية، فـ"ليس ثمّة فكرة بالنسبة لنا من يكون هؤلاء الناس"، يقول ترامب.
لكن في نسختها الصادرة، أول من أمس الجمعة، تقدّم صحيفة "دايلي بيست" البريطانيّة، طرحاً مخالفاً، عبر مقال للمحقّق الصحافي روي غاتمان، الذي عمل، خلال سنوات الحرب السورية، على توثيق شهادات ضباط وسياسيين منشقّين بعضهم كان يشغل مواقع حسّاسة، وكان على رأس أجندته، في أدقّ مراحل الأزمة، معاينة الرواية من قلب نظام الأسد.
يطرح غوتمان رؤيته تلك في سلسلة من ثلاثة أجزاء، نال من خلالها جائزة "بوليتزر" للتحقيقات الصحافية، ويخلص فيها إلى أن الأسد لجأ، أوّلاً، إلى دعاية الإرهاب لكسب الموقف الغربي، ثم حين لم ينجح في ذلك؛ عمد إلى إطلاق سراح السجناء الإسلاميين الذين قاتلوا في العراق، ثمّ افتعل تفجيرات ضدّ مواقعه الأمنيّة والحكومية المحصّنة.
السلسلة التي يقدّمها غوتمان تتضمّن توثيقاً جدّيّاً لمساهمات "الديكتاتور السوري" في قصّة "الإرهاب والرعب" الدامية في تلك البلاد، وفق تعبير الصحيفة. والأهمّ، أنّها تكشف معرفة الرئيس الأميركي الجديد القاصرة حول دور الأسد في صعود ما يسمّى بـ"الدولة الإسلامية".
البدايات
يروي الصحافي أنه حين اندلعت الثورة السورية في مارس/آذار 2011؛ كان الجنرال عوض العلي، مسؤول قسم التحقيقات الجنائية في العاصمة السورية دمشق. بعد عام من ذلك، أصبح ذلك المسؤول أحد الرجال الذين يثيرون الشكوك بين أركان النظام.
سلسلة التفجيرات الانتحارية التي استهدفت منشآت أمنية كبيرة في دمشق وحلب بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2011. العلي، خوفاً من أن يكون المستهدف في الانفجار التالي، أخذ احتياطات أمنية متواضعة، وأغلق الشارع القريب من مكتبه.
استنتج العلي لاحقاً أن التهديد الحقيقي لم يكن من "الإرهابيين"، الذين زعم النظام وقوفهم وراء التفجيرات الانتحاريّة، بل من النظام نفسه.
أولى بوادر الشكّ تسرّبت إلى ذهن مسؤول التحقيقات السوري حين وقف الجنرال سليم العلي، أحد كبار المساعدين العسكريين لرئيس النظام بشار الأسد، بالقرب من مكتب الأوّل، لـ"تفحّص ترتيباته الأمنيّة". سليم العلي، الذي يشغل منصب مساعد الأسد الخاص لشؤون دمشق، ولا تربطه أيّة صلة بعوض العلي (مسؤول التحقيقات) لم يكن في المكان لتقديم احتياطات أمنيّة أفضل، بل على العكس تماماً.
يوم الجمعة، 16 مارس/آذار، هاتف سليم العلي عوض العلي من القصر الجمهوري، حيث يقيم الأسد، وأبلغه بأن "الشارع الذي أغلقته سيعاد فتحه. هذا أمر من الرئيس بشار الأسد".
لكن عوض العلي أبقى المتاريس في الموقع، وبعد يوم واحد، هاجم انتحاريّون بسيّاراتهم المفخخة موقعين أمنيين آخرين في دمشق، وثالثا في التضامن، بعيداً عن أي مبنى أمني. استنتج العلي أنّه كان الهدف المرجوّ.
العلي ذاته أبلغ صحيفة "دايلي بيست"، في مقابلة حصريّة، أنّه "لو أزال المتاريس لكان ميّتاً هو وزملاؤه". عام 2012، انشق عوض العلي عن النظام، وعمل وزيراً للداخلية ووزيراً للدفاع بالوكالة لدى المعارضة السورية.
أميركا تجاهلت المنشقّين
نجاة العلي، بشقّ الأنفس، وفقاً للصحافي، أقنعته بأنّ نظام الأسد افتعل سلسلة التفجيرات "الانتحارية"، قبل ثلاثة أشهر من بدئها فعليّاً، لدعم روايته حول "التهديدات الإرهابية التي تواجه الدولة".
هذه القصّة تُضاف إلى الأحجية التي يواجهها قادة الغرب إزاء تهديدات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي أعلن مسؤوليته عن إسقاط طائرة الركاب الروسية في أكتوبر/تشرين الأول 2015، مروراً بمقتل 130 شخصاً بباريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وليس انتهاءً عند اعتداءات بروكسل وإسطنبول وبغداد وبنغلادش وسواها، وفق ما يرى غاتمان.
ويتساءل الكاتب "هل يجب أن تتعاون القوى الغربية مع النظام السوري وروسيا في محاربة جماعة جهاديّة مقرّها سورية؟". ويرى أنّ سلسلة التفجيرات الوهمية داخل سورية منذ عام 2011، والتي تمّ تجميعها من خلال مقابلات مع شخصيّات منشقّة رفيعة المستوى، ورجالات أمن آخرين، توحي بأن السؤال الحقيقي ينبغي أن يكون "هل يقاتل النظام المتطرّفين الدينيين أم يعيد إنتاجهم؟".
غير أنّ المخابرات المركزيّة الأميركية "سي آي ايه" لا تشارك العلي تلك الرواية، كما يلاحظ الكاتب، وهي تتمسّك بموقفها القائل إن تنظيم "القاعدة" هو من كان وراء تلك التفجيرات. علماً أنّ رواية العلي تحظى بتأييد واسع النطاق في أوساط المنشقّين عن نظام الأسد.
أحد أسباب ذلك، وفق رأي الكاتب، هو أن الاستخبارات الأميركية لم يسبق لها أن استجوبته. ففي الأشهر الثمانية عشر الأولى بعد انشقاقه؛ استدعته الولايات المتّحدة لمرّة واحدة فقط، وكان ذلك لمناقشة مسألة إعداد قوة شرطية في مرحلة ما بعد الأسد. لم يسألوه البتّة بخصوص ما يعرفه عن نظام الأسد، وقد أظهر تحقيق غاتمان، الذي أجراه على مدار عامين، أن الولايات المتّحدة تجاهلت المنشقّين من أمثال العلي.
تفجيرات بإشعار مسبق
ووفقاً للعلي؛ فإن التفجيرات تمّت مزامنتها لتترافق مع وصول البعثات الدبلوماسية أو الصحافية أو الشخصيات البارزة. وفي كلّ مرّة كان النظام يدّعي مسؤولية "الإرهابيين". اللافت أكثر من ذلك، بحسب الصحافي ذاته، هو أنّ أيّاً من هذه القضايا لم يتم إسنادها إلى العلي، الذي يقع التحقيق بمثل هذه الأمور في صلب مهامّه. العلي كان يُحجب أيضاً عن مسرح الجريمة في كلّ مرّة، وفقاً لشهادته التي أدلى بها لمعدّ التحقيق في مقهى بمدينة إسطنبول التركية.
أحد أسباب ذلك، كما يقول مسؤولون سابقون في النظام، ومراقبون كانوا على رأس عملهم، لكاتب التحقيق، هو أنّ التفجيرات غالباً ما تأتي مع سابق إنذار، بدءاً بأول انفجار في 23 ديسمبر/كانون الأول 2011.
أحد القادة الأمنيين، واسمه "أبو سيّاف"، كما طلب أن يعرّف عن نفسه، وفقاً لغاتمان، كان واحداً من الذين واكبوا التفجير الأول خلال فترة خدمته في النّظام، وقد التقاه معدّ التقرير في دير الزور في يوليو/تمّوز 2013. يقول أبو سياف "كنت بالقطاع الأمني في جيش النظام، ويوم الخميس من أسبوع التفجير الأول، تلقّيت تقريراً. ما زلت أذكر رقمه حتى اليوم، لقد كان 3018. وكُتب فيه؛ إرهابي سينفّذ انفجاراً ضدّ النظام الجمعة أو السبت".
يضيف "أبو سياف" أنّ الرسالة وصلت من وكالة المخابرات العامة، وهي جزء رئيسي من شبكة الأسد، والتي كانت، للمفارقة، هدفاً لواحد من تلك التفجيرات.
وقع التفجير في اليوم التالي، وضرب اثنين من المباني الأمنية شديدة التحصين في حيّ كفر سوسة: مبنى إدارة أمن الدولة، الذي كان يضمّ جهاز المخابرات العامة؛ ومجمع الأمن العسكري. وزارة الداخلية ذكرت، حينها، أن 44 شخصاً قتلوا وجرح 166 آخرون، فيما يقول العلي، الذي أرسل محققيه إلى المكان، إنّه كان ثمّة انفجار واحد فقط.
يضيف العلي، في شهادته على ذلك الحادث، أن مسؤول مكتب التحقيقات في الإدارة العامة لجهاز أمن الدولة، الجنرال أحمد ديب، منعه من الاقتراب من مكان الحادث أو إجراء مقابلات مع الشهود، قائلاً: "هذه القضية لنا. يُرجى تركها"، ورفض الإجابة عن أي سؤال.
ومع ذلك، فقد علم الضبّاط العاملون تحت إمرة العلي أن شاحنة "البيك اب" التي استخدمت في التفجير بيعت من قبل أحد أفراد جهاز الأمن لشخص مجهول قبل أيام من الهجوم، وأنها دخلت المبنى من خلال ممرّ تحت الأرض يتمّ استخدامه من قبل الموظّفين الأقل رتبة.
أحد الأدلة الإضافية التي استشهد بها العلي، وذكرها الصحافي، كان مقطع فيديو على موقع "يوتيوب"، يظهر فيه جندي سابق في النظام، يعرّف عن نفسه باسم الملازم عبد القادر الخطيب، وهو يدّعي أن أمن الدولة صادر سبعة جثث لجلبها إلى مسرح الانفجار الأول.
في مقطع الفيديو ذاته، يعرض الخطيب وثيقة تقول إنه قد تمّت مصادرة الجثث من مستشفى تشرين العسكري في دمشق يوم الانفجار. العلي، الذي لم يتفقّد الوثيقة، قال إنّه يعتقد أن الفيديو حقيقي، وأن جهود تحديد موقع الخطيب لم تكلل بالنجاح.
أحد الأدلة الأخرى التي يسوقها مؤيّدو المعارضة لتدعيم حجّة فبركة التفجيرات من قبل النظام؛ هي السرعة في بثّ تقرير على التلفزيون الرسمي يحمّل "القاعدة" مسؤولية الهجوم. التقرير الأول تمّ إعداده وبثّه في غضون دقائق. ولاحقاً، في اليوم ذاته، قدّم التلفزيون الحكومي برنامجاً خاصّاً لمدة 45 دقيقة، تضمّن أكثر من 40 مقابلة مع شهود مزعومين، أو مواطنين "غاضبين".
الإرهابيّون في بيوتهم
الانفجار الثاني الذي ضرب دمشق في يناير/كانون الثاني 2012، وقع عشيّة اجتماع لجامعة الدول العربية، وقد تحوّل الأمر إلى "مزحة" بين ضبّاط الشرطة، كما يقول العلي، مستطرداً: "لا بدّ من حدوث تفجيرات مع أي زيارة لأي مسؤول عربي أو أجنبي أو حتى لبعثات إعلامية".
وذكرت الحكومة أن 25 شخصاً على الأقل قتلوا، وأصيب 46 آخرون، بهجوم انتحاري على حافلة للشرطة في حي الميدان، وهي منطقة محاطة بحواجز النظام. مراسل التلفزيون السوري كان في الموقع، وبثّ تقارير تظهر جثثاً تتمّ إزالتها، غير أنّ الشرطة في هذه الحالة أيضاً لم يكن متاحاً أمامها التحقيق، وفقاً للعلي.
التفجير الانتحاري التالي وقع بسيارة ملغومة في مدينة حلب، في 10 فبراير/شباط، داخل مجمع مخابرات الجيش، المحميّ بعدّة حواجز أمنية، وقد أدّى إلى مقتل 28 شخصاً وإصابة 235 آخرين، وفقاً للحكومة السورية.
لكن الأرقام الفعليّة كانت أقل، كما يقول معدّ التحقيق، مستنداً إلى عبد الله الحكواتي، الناشط الذي ساهم في تنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة في حلب. الحكواتي قال إن مسؤولاً استخباراتيّاً في النظام أبلغه بأن التفجير تمّ إعداده بشكل مسبق، وقدّم اسم الضّابط، لكن لم يتسنّ لكاتب التحقيق الوصول إليه للتثبّت من الأمر.
"الإرهابيّون كانوا في بيوتهم"، يقول خالد شهاب الدين، الذي كان يعمل قاضياً لدى النظام في حلب، ويشغل الآن منصب المتحدّث باسم إحدى جماعات المعارضة المعتدلة. شهاب الدين أفاد بأن ضباطاً في المخابرات أبلغوه بأنهم أعدّوا متفجرات في فرع المخابرات العسكرية. "هؤلاء الجنود المساكين لم يكونوا يعرفون ماذا يفعلون"، يقول شهاب الدين.
أميركا تصدّق الرواية
بعد تلك التفجيرات، كانت الولايات المتحدة قد استقرّت على استنتاجاتها، فالتفجير الأول - أو التفجيرات بالأحرى- وقع قرب السفارة الأميركية في دمشق، والسفير روبرت فورد أرسل أحد عناصر الأمن لديه لتحديد هوية المسؤول. وخلص إلى أن "الطريقة التي نُفّذت بها العملية تشبه إلى حدّ بعيد أسلوب القاعدة في العراق". لكنّه لم يستطع تحديد من المسؤول. كان ذلك أوّل اتّهام أميركي رسمي لتنظيم "القاعدة" بالمشاركة في الثورة ضد الأسد.
لكن من وجهة نظر مؤيّدي المعارضة؛ فإن "جبهة النصرة" لم تعلن عن وجودها حتّى 23 يناير/كانون الثاني 2012، أي بعد شهر كامل من وقوع التفجيرات الأولى، وقد مرّ شهرٌ آخر أيضاً قبل أن تعلن "النصرة"، التابعة لـ"القاعدة"، مسؤوليتها عن التفجيرات في دمشق وحلب.
وفي الفترة التي أعلنت فيها "النصرة"، أخيراً، مسؤوليتها عن الانفجارات العشرة، في شهر فبراير/شباط، قال العلي إنّه لم يعثر على أيّ دليل حول وجود دور لـ"النصرة". يتّفق معه مسؤول أمنيّ آخر في ذلك، قائلاً إنّه لم يسمع بـ"النصرة" قبل ذلك التاريخ، وإنّه متأكّد من عدم جاهزيّتها لمثل هذا النوع من العمليات في ذلك الوقت.
"خليّة الأزمة" وبصمة إيران
ولربّما يكون التفجير الأكثر إثارة للجدل، وفقاً لغاتمان، من بين كلّ تلك التفجيرات، هو الذي وقع في مبنى الأمن القومي، بتاريخ 18 يوليو/تموز من ذلك العام، واستهدف شخصيّات من الحاشية المقرّبة للأسد. ومن بين القتلى أعضاء رفيعو المستوى في خليّة إدارة الأزمة، مثل وزير الدفاع، الجنرال داود راجحة ونائبه آصف شوكت (صهر الأسد)، بالإضافة إلى مساعد نائب الرئيس للشؤون العسكرية، رئيس خلية إدارة الأزمة حسن توركماني.
تبنّى فصيل "لواء الإسلام" المعارض الهجوم في حينه، كما ادّعى "الجيش الحرّ" دوراً في ذلك، قبل أن يتراجع في وقت لاحق. غير أنّ محمّد خلوف، الذي كان لواءً في الجيش السوري، قال إنّه يعتقد أن إيران كانت المسؤولة، بناءً على المعلومات المتوفّرة لديه في ذلك الوقت حول الهجوم.
يقول خلوف، الذي كان من بين الموجودين في المنطقة لإخلاء الجرحى، بحسب ما نقل الصحافي عنه، إن المجموعة المستهدفة كانت تعقد اجتماعاتها، عادةً، في مكتب توركماني، لكن في ذلك الأربعاء، أُبلغ أعضاؤها أن جهاز التكييف لا يعمل. وعلى إثر ذلك، ذهبوا إلى مكتب رئيس مكتب الأمن القومي هشام اختيار، وبدؤوا الاجتماع، ولحظتها وضع وزير الداخلية، محمد الشعار، حقيبة بالقرب من الحائط، وحين ذهب ليغسل يديه، انفجرت الحقيبة.
يعبّر خلوف عن قناعته بأن المستشارين الإيرانيين حثوا الأسد على التخلّص من بعض مساعديه الذين كانوا مسؤولين عن العلاقات الدولية؛ راجحة، المسيحي الذي يملك خطوط اتّصال مع الغرب، وشوكت، الذي تربطه علاقات مع فرنسا، وتوركماني، الذي لديه صلات مع تركيا. أبلغ الإيرانيّون أنّهم كانوا يحيكون انقلاباً ضدّه، يقول خلوف، وبعد الانفجار، "لم يعد ثمّة من يثق فيه النظام باستثناء إيران".
أوامر بالذهاب إلى الجنّة
لكن من بين كلّ تلك التفجيرات التي وقعت خلال فترة خدمته، ظلّت مؤامرة الاغتيال الوحيدة التي تمكّن العلي من جمع وتنظيم الأدلة بخصوصها هي تلك الموجّهة ضدّه.
في تلك الليلة من مارس/آذار، متى تجاهل الأوامر بإزالة الحواجز من أمام مقرّ قيادته؛ رقد العلي في مكتبه، وكان لا يزال نائماً حينما انفجرت قنابل الانتحاريين الثلاث.
في وقت لاحق من صباح ذلك اليوم، حين ذهب إلى مقر الأمن الجنائي للتحقيق في الانفجار هناك، اقترب إليه واحد من مساعديه، وهو من القرداحة، مسقط رأس أسرة الأسد، وهمس في أذنه. كانت عائلة الشاب قلقة بعد قراءة بيان على شبكة الإنترنت يتضمّن إعلاناً عن تدمير مقرّ قيادة العلي (رغم أنّ التفجير لم يقع هناك)، قبل أن يتمّ حذف البيان لاحقاً.
في مقرّ الأمن الجنائي، كان يجلس الجنرال سليم العلي، الذي أمره بفتح الشارع. وحين رآه عوض العلي، سأله ساخراً: "هل ما زلنا بحاجة إلى فتح الشارع؟".
يستنتج العلي، أخيراً، أن الانتحاري الثالث، وهو فلسطيني كان يقبع في سجن صيدنايا قبل أن يفرج النظام عنه أخيراً، توقّف عند أحد الحواجز بالقرب من مبنى الأمن الجنائي، وفجّر نفسه، بدلاً من ذلك، في حي التضامن.
يجمل العلي حديثه بالقول: "أعتقد أنّه تلقّى أوامر بالذهاب إلى الجنة من خلال تفجير نفسه"، مردفاً: "من أعطى الأوامر؟ لا أعلم. أعتقد أنّه شيخ أو مرشد ديني على علاقة بالمخابرات".