كواليس حوار جدة: هل تتخلى أبوظبي عن نفوذها بعدن للرياض؟

10 أكتوبر 2019
حولت الممارسات الإماراتية جنوب اليمن لقنبلة موقوتة(نبيل حسن/فرانس برس)
+ الخط -

حالة من الترقب تسود في اليمن في أعقاب التسريبات الأولية بشأن مضامين مسودة اتفاق تسعى السعودية للتوصل إليه بين الحكومة الشرعية وما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات، ويفضي إلى السماح للرياض بدور ريادي في عدن، على حساب أبوظبي، في ظلّ شكوك يمنية إزاء إمكانية قبول الأخيرة بالتخلي عن نفوذها في العاصمة المؤقتة، في إطار تسوية تنهي الأزمة التي بدأت منذ شهور. ويأتي ذلك في مقابل معلومات متناقضة، تتحدّث عنها مصادر من الرئاسة اليمنية والحكومة، وتنفي فيها ما يتردد عن حوار بين الحكومة و"الانتقالي" في مدينة جدة السعودية والذي كان قد انطلق أخيراً، مؤكدةّ أن الحوار غير مباشر بينها وبين الإمارات فقط وعن طريق السعودية، على اعتبار أنّ الشرعية تريد حلّ المشكلة مع أبوظبي قبل أي شيء آخر، في وقت تتحسب لأكثر السيناريوهات سوءاً، وهو ما دفع الحكومة إلى بدء ممارسة مهامها من محافظة شبوة، جنوب شرقي اليمن، كمقر جديد لها، فيما انتقل عدد كبير من أركانها إلى مسقط في سلطنة عمان، بما يوحي بأنّ عودتها إلى عدن غير ممكنة في المدى المنظور.

وتترافق التسريبات بشأن حدوث تقدم في الحراك السياسي الذي تقوده السعودية مع تطورات جديدة على الأرض، بما في ذلك ما نقلته وكالة رويترز أمس، الأربعاء، عن مسؤولين وشهود لجهة قولهم إن الإمارات سحبت بعضاً من قواتها في مدينة عدن، إذ أفاد مسؤولان بأن رتلاً إماراتياً صعد إلى ظهر سفينة عسكرية في ميناء البريقة النفطي قرب مصفاة عدن. كما قال أربعة موظفين في المصفاة إنهم شاهدوا رتلاً كبيراً من المركبات العسكرية وثلاث حافلات تحمل نحو 200 جندي وهي تتجه نحو الميناء.

لكن ذلك لم يلغ المخاوف من وجود مناورة إماراتية جديدة، لا سيما أن الإمارات التي سبق أن تحدثت قبل أشهر عن أنها بدأت عملية "إعادة انتشار" من خلال تقليص وجودها العسكري في اليمن، سرعان ما اتضح أن ذلك لم يكن أكثر من محاولة استباقية للتنصّل من الانقلاب الذي دعمته لإسقاط الحكومة في العاصمة المؤقتة، في أغسطس/ آب الماضي، واستخدمت طائراتها الحربية لقصف قوات الجيش اليمني، لمنعها من التقدم إلى المدينة أواخر الشهر نفسه.

وعلى الرغم من أن المقترح السعودي للتسوية محاط بتكتم على المستوى الرسمي، لكن مصادر قريبة من الحكومة أكدت لـ"العربي الجديد"، صحة ما تردد في بعض التسريبات، عن شمول المقترحات منح دور للرياض في عدن على حساب أبوظبي، لكنها أشارت إلى عدم وجود أي اتفاق بشأن المقترحات حتى اليوم، وأنها لا تزال قيد النقاش بين الجانب السعودي ومختلف الأطراف المعنية.

وبحسب ما تم تسريبه أيضاً، تقتضي مضامين مقترحات الرياض حلول قوات سعودية في عدن، تشرف على جملة ترتيبات عسكرية وأمنية، من شأنها أن تسمح للحكومة بالعودة إلى المدينة ونزع فتيل التوتر، الذي يتصل أساساً بوجود تشكيلات موالية لأبوظبي خارجة عن المؤسسات اليمنية الرسمية، في مقابل إشراك ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" في الحكومة، وسط أنباء عن مطالبة الأخير بحقائب سيادية من شأن القبول بمنحها لمكون لا يعترف بالوحدة اليمنية أن يخلق أزمة في أوساط الشرعية.

وسرّبت معلومات عن مجموعة أخرى من المقترحات تتضمن خروج الإمارات ووكلائها من عدن على أن تحلّ مكانها ألوية العمالقة، المدعومة إماراتياً كذلك، والتي عادت أخيراً إلى العاصمة المؤقتة. وبالتالي تعود الشرعية إلى عدن وتتولى إدارة العاصمة المؤقتة وإعادة تفعيل الخدمات فيها، ويتم البحث في ما بعد بمسألة إمكانية إشراك الانتقالي في أي تشكيل حكومي وأيضا دمج القوات التي دربتها الإمارات ضمن وزارة الدفاع والداخلية، وإرسالها للجبهات.

وفي السياق، أشارت مصادر تحدثت مع "العربي الجديد"، إلى أنه في ما يخصّ "الانتقالي" تحديداً فإن "لا حوار حالياً معه، وبحسب رؤية الرئيس عبد ربه منصور هادي، فإن القائمين عليه هم من الشعب اليمني ومكوّن من ضمن المكونات الوطنية، من الممكن التفاهم معهم وفق هذا الإطار فقط، عبر منحهم وزارات ومناصب حكومية وحتى محافظين، ولكن شرط أن يلتزموا بالدولة ومرجعياتها".

وبحسب المصادر، فإنّ وزارتي الأوقاف والنقل هما من ضمن خطة الإمارات لتمكين حلفائها"، مضيفةً أنّ "الوزارات السيادية بيد الرئيس، ولا تخضع لأي مساومات". وشددت مجدداً على أنّه "قبل هذا كله، لن تناقش الشرعية أي ملف قبل حل مشكلتها مع الإمارات بشكل نهائي".

وفي هذا الإطار، لفتت مصادر في الشرعية إلى أنّ هناك ضغوطاً إماراتية لمحاولة إعادة رئيس الحكومة الأسبق خالد بحاح الذي كان هادي قد أقاله من منصبه كرئيس للحكومة ونائباً لرئيس الجمهورية في إبريل/ نيسان عام 2016. وتابعت المصادر "لكن هناك رفضاً من قبل الشرعية لفكرة عودته، باعتباره ليس رجل دولة، وإنما هو مسيّر ومدعوم من قبل أبوظبي، وهذا يؤثّر على استقلالية القرار اليمني، ويعيد المشاكل لناحية التدخلات الإماراتية إلى مرحلة الصفر". ووفقاً للمصادر نفسها، فإن "هناك تماهياً سعودياً مع ضغوط الإمارات بشأن عودة بحاح، على اعتبار أنّ الرجل قد يخدم مصالح الدولتين، فضلاً عن أنه محسوب على أنه رجل الملياردير السعودي من أصول حضرمية، الشيخ عبد الله بقشان، الذي يعتبر ممثل المصالح السعودية في اليمن، وأعطته الأخيرة امتيازات كبيرة، وينظر إليه أيضاً على أنه من يتحكّم في القرار الحضرمي، ويحظى بشعبية كبيرة في المحافظة".

 

وبصرف النظر عن التفاصيل التي ما زالت محلّ تفاوض مع الأطراف المعنية، إلا أنّ سحب ملف عدن من أيدي الإمارات من شأنه أن يمثّل تحولاً محورياً في مسار الأزمة. إذ إنّ الأخيرة تتصدّر نفوذ التحالف منذ العام 2015، وتعدّ الداعم الأول للانفصاليين والتشكيلات الأمنية والعسكرية الخارجة عن سلطة الشرعية، والتي وصل بها الحال إلى تنفيذ انقلاب متكامل لإسقاط الحكومة في أغسطس/ آب الماضي.

وبغضّ النظر عن النوايا بالنسبة إلى الرياض من وراء سعيها إلى الحضور المباشر في عدن، فمن شأن أي خطوة في هذا الاتجاه أن تضع موقفها على المحك على صعيد واقع الدعم للشرعية وما يرتبط بمخطط تقسيم اليمن، بدلاً عن الإمارات، التي دخلت بحرب ضد قوات الحكومة منذ العام الأول لتصدرها دور التحالف، هذا الدور الذي ساهم في إضعاف وجود الحكومة اليمنية وخدم سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) شمالاً، مروراً بمختلف الإجراءات التي أفضت بعدن خارج سلطة الحكومة، كما صنعاء.

لهذه الأسباب تبرز العديد من التساؤلات حول إمكانية قبول أبوظبي بمقترح يفضي إلى تراجع نفوذها في عدن، في ظلّ الممارسات التي أبرزت من خلالها أطماعها ورغبتها بالوجود في المدينة الاستراتيجية، إلى جانب حسابات أخرى لها، عبّر عنها وزير النقل اليمني صالح الجبواني، الذي قال، الاثنين الماضي، في تغريدات عبر حسابه بموقع "تويتر": "لم تنسحب الإمارات وليس لديها النية للانسحاب، بل تعزّز قواتها في المناطق الجنوبية الواقعة تحت سيطرتها". وأضاف "ستخرج الإمارات، لكن (ولي عهد أبوظبي) محمد بن زايد لن يخرج إلا بعد أن يغرق بلادنا في بحور من الدم، بدأها بالانقلاب الغادر في عدن. الإمارات دولة معتدية وإصرارها على البقاء بالقوة سيحولها إلى دولة احتلال".

وفي السياق، قالت مصادر من الرئاسة اليمنية والحكومة الشرعية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "لا حوار بين الأخيرة والمجلس الانتقالي، كما تحاول الإمارات الإيحاء، والمساعي السعودية هي بين الشرعية وأبوظبي". وأضافت المصادر أنّ "السعودية تضغط على الطرفين لتقديم تنازلات لإنجاح هذه المساعي"، مؤكدةً أنّ "إنهاء الانقلاب في عدن هو خيار جوهري للشرعية، ومن سينهيه هو من خطط وموّل واستخدم الطيران والتحالف لهذا الغرض وهي الإمارات".

وأوضح مصدر من الرئاسة لـ"العربي الجديد"، أن "الرئيس عبد ربه منصور هادي مصرّ على ضبط الإمارات أو مغادرتها، وأي حلّ لا بد أن تتمخّض عنه عودة الحكومة إلى عدن، وإشراك الانتقالي فيها، ودمج قواته في الجيش. لذا قبل كل شيء لا بد من حلّ مشكلة الإمارات". وأكّد المصدر أنّ "الحوار هو بين الإمارات والشرعية فقط، وهو حوار غير مباشر"، مشيراً إلى أنّ "السعودية حاولت إنقاذ الإمارات، وتمرير رؤية (معينة) للحلّ، لكن الشرعية أصرّت على أنّ لا حوار إلا مع أبوظبي".

وفي السياق، لفت المصدر إلى أنّ "عدداً كبيراً من مسؤولي الحكومة أصبحوا في مسقط بسلطنة عمان، حيث باشروا بعقد لقاءات قد تقلب الأمور على السعودية والإمارات"، بحسب تعبيره، وهو ما يفسر بدء تصويب وسائل إعلامية إماراتية سهام انتقاداتها باتجاه مسقط.

من جهته، جزم مسؤول يمني رفيع، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنّ موقف الحكومة الآن "أقوى من قبل، ولا خيار أمام السعودية إلا بفرض حلّ، وهذا الحلّ يجب أن يستهدف في جزء كبير منه الإمارات". ولفت المسؤول نفسه إلى أنّ "مسؤولي الشرعية الذين كانوا في عواصم عالمية اليوم أغلبهم في مسقط"، موضحاً أنّ "كُثراً غادروا القاهرة إلى سلطنة عمان، وكذلك فعل الموجودون في الرياض والأردن وتركيا".

بدورها، قالت مصادر في الشرعية لـ"العربي الجديد"، إنّ "حوار جدة غير المباشر بين الإمارات والحكومة، لا يزال في مربعه الأول، وهناك مشروع سعودي مطروح ولكن الشرعية ترفضه"، مضيفةً أنّ "الرياض ألزمت أبوظبي بوقف تحركاتها على الأرض وهجماتها الإعلامية ضدّ الشرعية في محاولة لإقناع الرئاسة اليمينة بمشروعها، أو أي صيغة ممكن أن تؤدي إلى حلّ المشكلة، لكن الأخيرة لا تزال عند موقفها".

كذلك أكّدت مصادر الشرعية أنّ "مشكلتنا مع الإمارات، وعليها وقف تدخلها في الشأن الأمني والمطارات والموانئ وتصدير النفط"، مضيفةً أنّ "السعوديين فهموا بشكل دقيق أنّ موقف الشرعية موحّد وهي تدفع نحو التصعيد إلى أبعد حدود". وبحسب المصادر نفسها، فإن "الرياض تدرك أنّ فشل حلّ مشكلة الإمارات يدفع نحو خيارات لن تكون في صالح أحد، والشرعية قد تبحث عن جميع الحلول والخيارات لما يخدم اليمن ومعركة اليمنيين في الحفاظ على بلدهم وتحرير كامل أرضه من جميع المليشيات، واستعادة الدولة وإسقاط انقلابي صنعاء وعدن". وأوضحت أن "الشرعية مصممة على خروج الإمارات كخيار نهائي، أو مقاضاتها دولياً".

وبانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات السياسية، تخشى مصادر يمنية من عودة التوتر الميداني في ظل تعزيزات عسكرية في مناطق عدة، بينها عدن وشبوة وأبين وحضرموت وسقطرى، قائلةً إنّ "كل المناطق أصبحت متوترة". كما برزت مخاوف من أن تكون الآليات العسكرية التي تخرجها الإمارات من عدن مخطط إرسالها إلى جبهة جديدة، إما حضرموت أو سقطرى، أو أنّها تأتي ضمن خطط للإمارات للدفع نحو حرب لإسقاط أبين وشبوة، لا سيما بعدما بدأت الحكومة تفعيل بعض الخدمات في شبوة كمقر جديد للحكومة الشرعية بدلاً من عدن. وفي السياق، أوضحت المصادر أنه تم استئناف العمل بمصلحة الهجرة والجوازات في مدينة عتق، مركز المحافظة، التي تم نقل موظفين حكوميين من عدن إليها، مشيرةً إلى أنّ الكثير من الإجراءات الأخرى على الطريق، كقرب انتهاء تجهيز المطار، والاستعداد لتصدير النفط. كذلك، لفتت المصادر إلى أنّ الإمارات أوعزت لمليشيات "الانتقالي" بزرع آلاف الألغام في زنجبار (عاصمة محافظة أبين)، ومحيط عدن أيضاً، في الطريق الرابط بين زنجبار وشقرة في أبين.