على الرغم من بعد المسافة بين الخليج وشرق أفريقيا، إلا أن الأزمة الخليجية، الناجمة عن فرض كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً على دولة قطر، تؤدي إلى تداعيات على عدد من دول القرن الأفريقي التي لديها علاقات مع دول الحصار، وكذلك مع قطر. وفي السنوات الأخيرة، عززت قطر ودول خليجية أخرى وجودها في بلاد القرن الأفريقي، من خلال إقامة قواعد عسكرية أو إدارة موانئ، فضلاً عن تقديم مساعدات لتلك لدول، أبرزها الصومال. وبعد اتباع الدول الأربع لسياسة عزل قطر، باتت بعض الحكومات في منطقة شرق أفريقيا في موقف حرج بسبب الخسائر التي ستتكبدها جراء استمرار علاقاتها مع قطر، في حين أن حكومات أخرى قد تحقق مكاسب، مستفيدةً من اصطفافها إلى جانب دول الحصار.
التوسع العسكري
يمكن إدراك أهمية القرن الأفريقي لدول الخليج بمجرد إلقاء نظرة على الخريطة. يدنو ساحل البحر حتى مسافة 30 كيلومتراً من اليمن عند مضيق باب المندب، وهو خط بحري ذو أهمية فائقة لناقلات النفط المتجهة من الخليج إلى أوروبا. وعلى مدى سنوات، شكلت شواطئ القرن الأفريقي نقطة حاسمة للمهربين للوصول إلى اليمن، فضلاً عن كونها منطقة ينشط فيها القراصنة. وتحولت عملية تأمين المنطقة إلى مهمة جديدة لدول الخليج منذ مارس/آذار 2015، عندما شن "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية حرباً ضد الانقلابيين في اليمن.
وأنشأت الإمارات، في الأعوام الماضية، قواعد عسكرية في شرق أفريقيا. ففي إرتيريا، لدى الإمارات قاعدة في ميناء في عصب. وسيتم بناء قاعدة عسكرية إماراتية أخرى في منطقة أراضي الصومال الشمالية المنفصلة. كما سيتم بناء قاعدة عسكرية إماراتية أخرى في شمال الصومال. وفي هذا الصدد، يقول أولريشسين إن "الإمارات حريصة للغاية على إظهار كونها دولة مساهمة في توفير الأمن". وناقشت السعودية في الوقت نفسه بناء قاعدة عسكرية لها في دولة جيبوتي، التي كانت مركزاً لقاعدة عسكرية صينية قيد الإنشاء وقاعدة أميركية تطلق طائرات من دون طيار نحو الصومال واليمن.
ويعتقد محللون أن كل هذه القواعد العسكرية الخليجية ستكون "دائمة" في شرق أفريقيا. ويقول الباحث في جامعة "برمنغهام"، عمر كريم: "إنهم ليسوا فقط منخرطين في القرن الأفريقي وبلدانه، لقد أصبحوا فاعلين استراتيجيين طويلي الأمد في المنطقة بأسرها".
معاقبة الصومال؟
ويتزايد نفوذ دول الخليج في الصومال، حيث تخوض الحكومة حرباً ضد حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة". وسمحت الصومال للطائرات القطرية بالتحليق في مجالها الجوي على نحو متزايد، في الوقت الذي أغلقت فيه دول الحصار مطاراتها أمام الطيران القطري، ومنعت الخطوط الجوية القطرية من التحليق في أجوائها. وهناك حديث عن أن دولا خليجية دعمت مرشحين منافسين للرئيس محمد عبد الله محمد، أثناء الانتخابات الرئاسية في البرلمان الصومالي، في فبراير/شباط الماضي. وفي خطوة لا تروق لدول الحصار، عيّن الرئيس محمد مراسلاً سابقاً بقناة "الجزيرة" القطرية، في منصب المدير العام للقصر الرئاسي الصومالي.
وستفتتح تركيا قريباً قاعدة عسكرية لها في مقديشو. كما أنها تمتلك قاعدة عسكرية أخرى في قطر، التي تدعمها أنقرة بوجه الحصار. ويقول مدير مشروع "القرن الأفريقي" التابع لمجموعة الأزمات العالمية، راشد عبدي، إنه "لا يمكن أن تجد مكاناً أكثر استراتيجية للدول العربية من الصومال. وهذا يفسر شدة اهتمام هذه الدول بالصومال"، وفق تعبيره.
الأزمة فرصة لإرتيريا
وبالنسبة لإرتيريا، يمكن أن تشكل الأزمة الخليجية فرصة جيدة. إرتيريا التي يحكمها رئيس استبدادي، شهدت فرار عشرات الآلاف من مواطنيها من التجنيد الإجباري الوطني الذي يمكن أن يستمر لأكثر من عقد من الزمان، وهو ما تقول جماعات حقوقية إنه يصل إلى حد الرق.
إثيوبيا تدفع ثمن حيادها؟
وبالنسبة لإثيوبيا التي خاضت حروباً ضد الصومال وإرتيريا في السنوات العشرين الماضية، فإن الأزمة الخليجية تضيف حالة من عدم اليقين على وضعها في المنطقة وعلى علاقاتها مع دول الحصار. وقد سعت إثيوبيا من أجل البقاء محايدة. وفي يوليو/تموز الماضي، اعترف رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلي ماريام ديسالين، بأن لديه قلقا جراء هذا الوضع. وقال في خطاب ألقاه أمام البرلمان "يمكن أن تتأثر إثيوبيا في حالة زعزعة الاستقرار الإقليمي". وتمر جميع التجارة الخارجية لإثيوبيا غير الساحلية تقريباً عبر الميناء في جيبوتي، الذي تديره الآن "موانئ دبي العالمية". وهذا يعني أن احتمال التضييق على المصالح الإثيوبية يبقى وارداً. كذلك، يمكن لمصر القلقة من بناء سد النهضة في إثيوبيا، أن تصعد موقفها أكثر فأكثر ضد حكومة ومصالح أديس ابابا. وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي ميهاري تاديلي، أن الأزمة الخليجية ودول الحصار، وأنشطة الإمارات الهادفة لتصبح قوة عسكرية في القرن الأفريقي، كلها عوامل "تشكل تهديداً لإثيوبيا"، التي قد تدفع ثمن حيادها في الأزمة الخليجية ورفضها الانحياز لدول الحصار.
(العربي الجديد، أسوشييتد برس)