لا ترجح المؤشرات السياسية الراهنة في الجزائر، تنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/تموز المقبل، إذ يسود إجماع سياسي وشعبي على استحالة تنظيمها في موعدها المقرر، خصوصاً بعد رفض ثلاث فئات معنية المسار الانتخابي، وهي القوى والشخصيات السياسية المعنية بالترشح، والقضاة المعنيون بالإشراف، ورؤساء البلديات المعنيون بالتنظيم. وعلى الرغم من محاولة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس حكومته نور الدين بدوي، وضع القوى السياسية الشعبية أمام الأمر الواقع، وفرض خطة تقضي بالذهاب إلى انتخابات رئاسية في الرابع من يوليو المقبل، إلا أن هذا المسار يبدو مستحيلاً في الوقت الحالي، بالنظر إلى عدم توفر ظروف سياسية ومناخات ملائمة. ويواجه هذا الخيار الدستوري، الذي لجأ إليه بن صالح، رفضاً سياسياً وشعبياً كبيراً.
بدورها، أعلنت وزارة الداخلية عن تقدّم عشرة مرشحين لسحب استمارات التواقيع للترشح للانتخابات، من دون الكشف عن هوياتهم، غير أنه بدا لاحقاً أن عدداً منهم يستهدفون الظهور الإعلامي، بصورة مشابهة لمرحلة الترشيحات الأولية في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 إبريل/نيسان الحالي. مع العلم أن اللواء السابق في الجيش علي غديري أعلن في وقت سابق ترشحه لانتخابات الرابع من يوليو.
في السياق، أكد رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، رفضه المشاركة في انتخابات مرفوضة شعبيا، كما اعتبر رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، أنه هو وحزبه غير معنيين بأية مسارات انتخابية وسياسية لا تتوفر فيها الشروط والمطالب التي يرفعها الحراك الشعبي. كما قال رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، محسن بلعباس لـ"العربي الجديد"، إنه "من غير الممكن أن يشارك حزبه أو يفكر في الانتخابات الرئاسية في ظل وجود حكومة بدوي وفي ظل إشراف بن صالح عليها. هذا عبث سياسي عندما يشرف كبير المزورين على انتخابات، ثم يدّعي أنها ستكون شفافة".
يدفع كل هذا إلى ترجيح عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، في ظلّ حالة التمرّد ورفض عدد كبير من رؤساء البلديات تنفيذ تعليمات وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، والقاضية بإجراء مراجعة للقوائم الانتخابية ورفض القيام بأية خطوة تنظيمية تتصل بالانتخابات. في هذا الصدد، قرر رؤساء 43 بلدية من الموالين لحزب جبهة القوى الاشتراكية، وأحزاب سياسية كالتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إغلاق المكاتب البلدية المكلفة بالانتخابات وحجز سجلات الناخبين، فضلاً عن رفض المشاركة في تأطير هذا الاستحقاق الرئاسي ورفض تنفيذ تعليمات الحكومة.
وأبدى المحلل السياسي مبروك كاحي، اعتقاده بأن "إصرار السلطة على تنظيم الانتخابات الرئاسية في هذه الظروف المتوترة سياسياً والمشحونة شعبياً، وتحت إدارة نفس الوجوه التي سبق أن أشرفت على استحقاقات انتخابية، خيار غير مطمئن". وقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "ذلك قرار انتحاري من شأنه أن يدفع إلى انزلاقات، لأنه يمكننا تصوّر أنه إذا كان الشعب يرفض السماح للوزراء الذين ترافقهم في الغالب قوى أمنية أثناء القيام بنشاطات وزارية، فكيف سيكون الأمر بالنسبة للتجمعات الانتخابية وللمرشحين في حال أجريت الانتخابات في هذه الظروف؟". وأضاف: "أكثر من ذلك، لا أعتقد أن الحراك الشعبي سيسمح لمكاتب الاقتراع بأن تفتح في الرابع من يوليو. بالتالي، لا يمكن الذهاب إلى أية انتخابات من دون أن تتوفّر الظروف السياسية، فضلاً عن تعديل قوانين الانتخابات وإنشاء هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات بالكامل".
بناءً على ذلك، فإن المشهد السياسي الذي ساد قبل إلغاء انتخابات 18 إبريل، يجدّد نفسه في سياق الانتخابات المقبلة. وبحكم حالة الرفض السياسي والشعبي التي سادت سابقاً وتسود الآن، تكون السلطة في الجزائر أمام خيار إرجاء الانتخابات لفترة أخرى إلى حين توفر الظروف المناسبة المتصلة بالمطالب الشعبية، تحديداً بما يتعلق برحيل رموز النظام وحكومة نور الدين بدوي وتشكيل هيئة مستقلة للانتخابات، في إطار تأمين حل سياسي للأزمة الراهنة.