تعبير البابا فرنسيس عن أن قمة مجموعة العشرين، التي اختتمت أعمالها في مدينة هامبورغ الألمانية أمس السبت، بأنها قد تكون الأخطر على العالم في محله، إذ إنها ستظل الأكثر توتراً في تاريخ المنظمة، سواء داخل قاعات العمل، أو في الشوارع، مع وقوع اشتباكات عنيفة بين نشطاء مناهضين للعولمة وقوات الشرطة، التي استدعت قوات كوماندوس تابعة للشرطة الألمانية ومدججة بالسلاح للسيطرة عليها. واتفق قادة المجموعة على حل وسط مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لمعضلة إدانة الحمائية التجارية، عبر الاعتراف بحق الدول في الدفاع عن مصالحها التجارية في حال ارتكاب ممارسات غير قانونية. وبالنسبة إلى اتفاقية المناخ، التي أخرج ترامب أميركا منها، فإنه تم الاتفاق على "أخذ العلم" بانسحاب واشنطن منها، فيما كرر قادة الدول الـ19 دعمهم لاتفاقية باريس. وبرز على هامش القمة الاجتماعات التي عقدت بين قادة دول مجموعة العشرين، والتي فتحت الباب أمام "تحالف" بين ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أبدى ثقته بتحسن العلاقات مع أميركا، مضيفاً إن وقف إطلاق النار في جنوب سورية جاء نتيجة لتغير الموقف الأميركي.
واستطاعت الشرطة الألمانية، أمس السبت، السيطرة على الوضع في مدينة هامبورغ، بعد يوم من الاشتباكات مع المحتجين المناهضين للرأسمالية والساعين لتعطيل قمة زعماء مجموعة العشرين. وتدخلت قوات كوماندوس تابعة للشرطة ومدججة بالسلاح بعدما قضى النشطاء معظم يوم أول من أمس في محاولة انتزاع السيطرة على الشوارع من أكثر من 15 ألف رجل شرطة، إذ أشعلوا النار وقاموا بأعمال نهب وأقاموا الحواجز. واقتحمت الشرطة آخر مكان يتحصن فيه المحتجون الذين تجمعوا في حي شانتسن فيرتل، وهي منطقة معروفة بأنها معقل للنشطاء اليساريين. وأضرم المحتجون النار في سيارات وشاحنات وحطموا نوافذ بنوك ونهبوا متاجر للتجزئة ورشقوا الشرطة بالحجارة قبل أن تتمكن قوات الأمن من استعادة النظام. وأصيب نحو 197 شرطياً بعد يومين من الاشتباكات في المدينة الساحلية. وألقت الشرطة القبض على 19 شخصاً واحتجزت عشرات آخرين. ورفضت الشرطة السماح لموكب السيدة الأميركية الأولى، ميلانيا ترامب، بمغادرة الفندق للقيام بجولة في الميناء التاريخي، كما أرجأت الاحتجاجات نقل الحافلات للزوار عقب نهاية اجتماعات اليوم الأول للقمة.
وقال المشاركون في القمة إنهم لم يروا محتجين على مقربة من قمة على هذا النحو، مثلما رأوا في هامبورغ، وأشادوا بعمل الشرطة في تأمين القمة. وقالت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، "أتفهم تماما التظاهرات السلمية، لكن التظاهرات العنيفة تعرض حياة الناس للخطر". وكان معظم المحتجين، وعددهم 100 ألف، سلميين، إذ رفعوا لافتات تقول إن زعماء المجموعة غير مرحب بهم، أو شاركوا في مواكب حاشدة بالدراجات وسط المدينة مرتدين أزياء زاهية الألوان.
وعبّر البابا فرنسيس عن قلقه حيال إمكانية عقد "تحالفات خطرة للغاية" بين قوى مجموعة العشرين، خصوصاً بالنسبة إلى المهاجرين. وقال البابا، في مقابلة نشرتها صحيفة "لا ريبوبليكا" أمس السبت، "أخشى تحالفات خطرة جداً بين قوى لديها نظرة مشوهة للعالم: الولايات المتحدة وروسيا، والصين وكوريا الشمالية، و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين و(رئيس النظام السوري بشار) الأسد في الحرب السورية". وأوضح أن "الخطر يعني المهاجرين. مشكلتنا الكبرى، وللأسف، المتفاقمة اليوم، هي الفقراء والمستضعفون والمستبعدون بمن فيهم المهاجرون"، مديناً دولاً "لديها عدد قليل من الفقراء المحليين، وتخشى غزو المهاجرين". وشدد على أنه "لهذا السبب أشعر بالقلق حيال مجموعة العشرين، التي تضرب خصوصاً المهاجرين وستضربهم أكثر مع مرور الوقت"، محذراً أوروبا القارة "الأغنى في العالم"، من استمرار تدفق الشعوب الفقيرة على أبوابها.
وكان فرنسيس قد وجّه، أول من أمس، نداء إلى القوى العظمى في مجموعة العشرين المجتمعة في هامبورغ شمالي ألمانيا، مذكراً إياها بضحايا المجاعات في أفريقيا واليمن. وكتب، في هذه الرسالة، "أوجه إلى رؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، وإلى المجموعة الدولية برمتها، نداء من أعماق القلب يتعلق بالوضع المأساوي في جنوب السودان، وحوض بحيرة تشاد، في القرن الأفريقي واليمن، حيث لا يتوافر لثلاثين مليون شخص الغذاء والماء الضروريين من أجل بقائهم على قيد الحياة". وتضم مجموعة العشرين كلاً من الأرجنتين وأستراليا والبرازيل والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والهند وإندونيسيا وإيطاليا واليابان وكندا وكوريا الجنوبية والمكسيك وروسيا والسعودية وجنوب أفريقيا وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما يشارك في القمة كل من هولندا والنرويج وإسبانيا وغينيا والسنغال وسنغافورة وفيتنام.
اتفاق بشأن الحمائية
ودانت مجموعة العشرين في بيانها الختامي الحمائية التجارية، في عودة إلى التقليد السائد لدى قمة مجموعة العشرين التي كانت تكرر هذا الشعار في بياناتها، لكنها اعترفت، في الوقت ذاته، بحق الدول في الدفاع عن مصالحها التجارية في حال ارتكاب ممارسات غير قانونية. واتفق الزعماء، في البيان الختامي، على "مكافحة (السياسات) الحمائية بما في ذلك كل الممارسات التجارية غير العادلة، في الوقت الذي أقروا فيه بدور الأدوات المشروعة للدفاع عن التجارة في هذا الصدد". وأصر مصدر أوروبي على أن الأمر لا يتعلق بتغيير في المشهد الاقتصادي العالمي وفق ما حددته الدول الأقوى في العالم، وإنما في التوصل إلى "أرضية توافق ضمن النظام القائم". وهذه المرة الأولى في تاريخ مجموعة العشرين التي يتم فيها ذكر أدوات الدفاع عن المصلحة التجارية. ولن يكون ترامب المستفيد الوحيد من هذه الصيغة، إذ ترغب عدة دول، أوروبية خصوصاً، في أن يكون لديها في المستقبل وسائل دفاعية أكثر فعالية إزاء ممارسات الإغراق التي تقوم بها بعض الدول، وفي مقدمتها الصين.
وخرج القادة بحل وسط بالنسبة إلى اتفاقية المناخ، التي أخرج ترامب أميركا منها. وذكر البيان الختامي للقمة "علمنا بقرار الولايات المتحدة الأميركية بالانسحاب من اتفاقية باريس". وأضاف "زعماء الدول الأعضاء في مجموعة العشرين يعلنون أن اتفاقية باريس لا رجعة فيها". وقالت ميركل إن القادة الـ19 أكدوا أنهم لا يشاركون ترامب موقفه بشأن المناخ، فيما أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أنه سيعقد قمة حول المناخ في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
اجتماعات على هامش القمة
وفي إطار التقارب الروسي الأميركي، أعرب بوتين عن اعتقاده بأن ترامب يصدق نفيه لتدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكنه أشار إلى أنه من الأفضل توجيه سؤال إلى ترامب بشأن هذا الأمر. وأبدى ثقته بتحسن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتفاؤله بشأن التعاون بين أميركا وروسيا. واعتبر أن "موقف أميركا تجاه الوضع في سورية أصبح أكثر واقعية".
وأكد ترامب، أمس السبت، أن لقاءه للمرة الأولى مع بوتين، كان "رائعاً". وقال ترامب، خلال لقاء مع رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، في هامبورغ، إن "اللقاء كان رائعاً". وأشار ترامب إلى "علاقاته الخاصة" مع رئيسة الوزراء البريطانية، موضحاً أنه وتيريزا ماي يعملان على اتفاقية تجارية وصفها "بالكبيرة والقوية للغاية". وتأتي المفاوضات التجارية المستقلة بين البلدين بالتزامن مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي الخطوة التي أيدها ترامب. وأكد أنه سيزور لندن رغم الجدل الكبير حول هذه الزيارة، ووعد المملكة المتحدة بإبرام اتفاق تجاري "سريع جدا" مع الولايات المتحدة. وجمعت عريضة عبر الإنترنت توقيع 1.8 مليون شخص ضد زيارة الدولة لترامب، مطالبة بأن تكون زيارة عادية لتجنب "إحراج" الملكة جراء اللقاء البروتوكولي مع الرئيس الأميركي. كما التقى ترامب مع قائمة طويلة من قادة العالم، بينهم الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، والرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، ورئيس وزراء سنغافورة، لي هسين لونغ. كما حضر، مع ميركل وزعماء آخرين، برفقة ابنته، إيفانكا، مؤتمراً لدعم المرأة في مجال تنظيم المشاريع. وهنأ ترامب المستشارة الألمانية على القمة "الرائعة" لمجموعة العشرين، معتبراً أن ميركل كانت "ممتازة وقامت بعمل رائع" عندما نظمت "قمة مجموعة العشرين بشكل محترف مع حد أدنى من التشويش"، بينما اضطرت زوجته ميلانيا الى البقاء في الفندق الجمعة بسبب التظاهرات.
وأعلن بوتين، خلال اجتماع مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، أن "الوضع في سورية تغير نحو الأفضل بعد توجيه ضربة قوية للإرهابيين"، معتبراً أن "التسوية للأزمة السورية تقدمت بشكل جيد". وقال "بفضل مواقف الرئيس التركي تغير الوضع بشكل ملحوظ نحو الأفضل في سورية، وتم توجيه ضربة قوية للتشكيلات الإرهابية خلال هذه الفترة، وتقدمت التسوية بشكل جدي". من جهته، اعتبر أردوغان أن "الجهود الروسية التركية تعد مثالاً يحتذى لبلدان العالم، ومثالاً تشهد له شعوب المنطقة"، مشيراً إلى أن "التوقعات كبيرة فعلاً في هذا الاتجاه". وأشاد بالأهمية الكبيرة لاجتماعه مع بوتين. وأضاف "أود في هذه المناسبة الإعراب لكم باسمي واسم شعبي عن بالغ الشكر على الدور الذي لعبتموه في اتجاه التسوية السورية". وناقش بوتين وميركل والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على هامش القمة، الوضع في أوكرانيا وسبل تسويته، وذلك بحسب بيان للكرملين. وفي حين ذكر الكرملين إن هناك حاجة إلى إجراءات تؤدي إلى وقف حقيقي لإطلاق النار في أوكرانيا وأن وتيرة تنفيذ اتفاقات مينسك لإنهاء النزاع بطيئة جداً، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن قادة ألمانيا وفرنسا وروسيا اتفقوا على أهمية تطبيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا كما تنص اتفاقات مينسك.