أطلق الجيش المصري العملية العسكرية الشاملة "سيناء 2018"، في 8 فبراير/شباط الماضي، ولا تزال مستمرة حتى الآن، لتحقيق مجموعة أهداف، تحديداً مواجهة المجموعات المسلحة في سيناء، فيما لا يزال موعد انتهائها غير محسوم.
صدرت بيانات عدة من الجيش المصري لتوضيح تفاصيل العملية العسكرية في سيناء، والتي جاءت، بحسب هذه البيانات، مبشّرة في القضاء على المجموعات المسلحة. وسرعان ما ظهرت علامات استفهام كثيرة لبعض ما ورد في البيانات، لناحية أعداد القتلى والمقبوض عليهم بدعوى علاقاتهم بـ"المسلحين". لكن الأكثر بروزاً، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، هو حجم التضييق الذي ينفّذه الجيش والشرطة تجاه أهالي سيناء، ما انعكس غضباً شديداً بين الأهالي، خصوصاً بعد منع دخول المواد الغذائية بشكل طبيعي، ما أسفر عن صعوبة الأوضاع المعيشية لدرجة غير مسبوقة.
منع المواد الغذائية
"أحسن ما نبقى زي سورية والعراق". هذه العبارة كررها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة عامة، وباتت شعار كل الموالين للنظام الحالي عندما يواجهون مسألة صعوبة الأوضاع المعيشية والضغوط الاقتصادية وتراجع الحريات العامة وزيادة بطش الأجهزة الأمنية. لكن باتت الأوضاع في سيناء، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أشبه بالأوضاع في سورية والعراق، إذ تحولت محافظة شمال سيناء إلى نموذج مصغر عن المناطق المنكوبة التي شهدت نزاعات مسلحة في سورية والعراق.
مع بداية العملية العسكرية الشاملة، قرر الجيش المصري أن تكون سيناء مثل سورية والعراق، لناحية منع دخول المواد الغذائية إلى المحافظة، إلا بكميات قليلة للغاية. الأمر الذي جعل الأهالي يواجهون أزمة معيشية طاحنة، ليس بسبب ندرة المواد الغذائية، لكن لعدم وجودها من الأساس. ويمنع الجيش السيارات المحملة بالمواد الغذائية من المرور، ما يؤدي إلى تكدسها عبر مداخل المحافظة على الطرقات، وتظل أياما بانتظار الدخول إلى المحافظة.
وتدخل بين الحين والآخر سيارات محملة بالمواد الغذائية، لكنها لا تكفي الحاجة، حتى تحوّل المشهد إلى شبه "مجاعة"، مع استغاثة الأهالي من شح المواد الغذائية، وعدم القدرة على الوفاء بالتزامات المعيشة لأطفالهم على الأقل.
هذه الأوضاع كانت مثار استغلال من بعض المتعاونين مع الجيش المصري، للترويج بأنهم يدفعون بسيارات محملة بخضراوات ومواد غذائية على نفقتهم الخاصة، لكن تلك السيارات لم تجد طريقها إلى الأهالي. وتبين أن تلك المحاولات ما هي إلا محاولة لامتصاص غضب الأهالي، الذين باتوا لا يطيقون استمرار هذا الوضع، بغض النظر عن مسألة دعم مواجهة الجيش والشرطة للعناصر المسلحة.
وبات السؤال يتركز حول ما هو ذنب الأهالي في حرب الجيش على المسلحين والعناصر الخارجة عن القانون؟
مصادر قريبة من المؤسسة العسكرية بررت، في حديث مع "العربي الجديد"، هذه الممارسات بأن الجيش يتخوّف من إدخال مواد غذائية بكميات كبيرة، حرصاً على عدم وصولها إلى العناصر الإرهابية، وبالتالي يعطيها القدرة على مواصلة مواجهة حملات الجيش.
واعتبرت المصادر نفسها أن هذه الإجراءات هي في صالح سيناء، ومن أجل إنجاح العملية العسكرية الشاملة، مشيرة إلى أن "سيناء ستشهد طفرة بعد القضاء على الإرهاب خلال فترة وجيزة". وطالبت، أهالي سيناء، بالتحمل لفترة بسيطة فقط، من أجل إعلان سيناء خالية من الإرهاب، وهو ما يصب في صالحهم.
إغلاق سيناء
معاناة أهالي سيناء لم تتوقف عند منع إدخال المواد الغذائية، لكنها امتدت أيضا لإغلاق مداخل ومخارج المحافظة تماماً. وأكدت مصادر قبلية تحدثت مع "العربي الجديد"، أن ترتيبات الدخول والخروج من محافظة شمال سيناء أمر في غاية الصعوبة. وأوضحت أنه يوجد الكثير من الأسر لديها أطفال وترغب في الرحيل لحين انتهاء العملية العسكرية الشاملة، لكنها لم تتمكن، بسبب إغلاق الجيش كل الطرق.
وأضافت المصادر نفسها أن بعض الشباب من الذين يدرسون خارج سيناء، لا يتمكنون أيضاً من الخروج لمتابعة دراستهم، والبعض الآخر الذي دخل لزيارة أسرته غير قادر على الرحيل للعودة إلى عمله في محافظات أخرى. وبحسب المصادر، فإن جميع محاولات بعض الرموز القبلية وأعضاء في مجلس النواب لفتح جزئي للحالات الإنسانية، مثل المرضى، للخروج من سيناء للعلاج، باءت بالفشل، وإن كانت هناك مرونة، خلال الأيام القليلة الماضية، لكن من دون تحقيق فعلي. وتواجه بعض الحالات المرضية الحرجة صعوبة شديدة في تلقّي العلاج خارج سيناء، إذ تزايدت الشكاوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الفترة الماضية، من عدم القدرة على تلقي حالات تحتاج إلى رعاية صحية شديدة، وهي إمكانيات لا تتواجد في المحافظات، على الخروج من سيناء، رغم مطالبات المحافظة والأجهزة المعنية بضرورة خروجها.
وأشارت المصادر القبيلة إلى أنه كما أن الخروج من سيناء غير سهل، فالدخول أيضاً صعب للغاية. وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن ترتيب باصات نقل (أتوبيسات) من الإسماعيلية إلى داخل سيناء، فإنها صعبة للغاية. ولفتت إلى أزمة أخرى تواجه أهالي سيناء، لناحية تعطل كل الأعمال وتوقف الحياة تماماً، فهناك عمال لا يتمكنون، في ظل الأجواء الحالية، من كسب أي أموال، وإذا رغبوا في الرحيل للعمل خارج سيناء تقابل مساعيهم بالرفض التام.
تضييق شديد
وبخلاف الأوضاع المعيشية المأساوية، فإن هناك تضييقا شديدا تمارسه قوات الجيش والشرطة، بعد التوسع في عمليات الاعتقالات العشوائية، عقب تفتيش المنازل في مدن شمال سيناء.
وبحسب بيانات المتحدث الرسمي العسكري، تامر الرفاعي، تم القبض على المئات من المواطنين للتحقق من تورطهم مع العناصر المسلحة في استهداف الجيش والشرطة، ولا يعلم أحد مصيرهم حتى الآن.
وبعد مرور نحو أسبوع واحد فقط على العملية العسكرية، خرج الرفاعي، خلال مؤتمر صحافي، معلناً القبض على ما يزيد عن 400 شخص دفعة واحدة، للاشتباه فيهم. وأصبحت عمليات تفتيش المنازل العشوائية أمراً في غاية الصعوبة على الأهالي، فضلاً عن القصف الجوي والمدفعي، وتوقف الحياة تماماً هناك لتعليق الدراسة والأعمال كافة.
وبحسب مصادر قبلية، فإن قطع الاتصالات ووقف الشبكات والإنترنت، يحدث يومياً منذ الصباح وحتى المساء، ما يعني فقدان الاتصال تماما بأي طرف ثانٍ.
وقالت المصادر، في حديثها مع "العربي الجديد"، إنه في حالة تعرّض أي أسرة أو شخص لأضرار بفعل العملية العسكرية الشاملة، واحتمالية تعرّض منزل للقصف وسقوط جرحى، فإنه ليس بإمكانهم الاتصال بسيارات الإسعاف لإغاثة المرضى. وأضافت أنه إذا حدث مرض مفاجئ لحالة حرجة، فإنها لن تتمكن حتى الانتقال إلى المستشفى لغلق الطرق وقطع الاتصالات، بما يضاعف من التضييق على الأهالي في سيناء.
كما أنه، بحسب شهادات لمصادر عدة في سيناء، فإن الجهات المعنية بمواجهة المسلحين من جيش وشرطة، تقوم بفحص الهواتف المحمولة للمدنيين، والاحتفاظ بها من دون معرفة سبب واضح لهذه الممارسات.
فقدان السيطرة
وحذّر شيخ قبلي، تحدث مع "العربي الجديد"، من أن هذه الممارسات تنذر بفقدان السيطرة على الأوضاع، مع إمكانية خروج انتفاضة غاضبة ضد الدولة المصرية والجيش، خصوصاً أن ندرة المواد الغذائية عامل ضاغط بشدة.
ولفت الشيخ القبلي إلى أن هذه الممارسات الشديدة، التي لم يسبق اتخاذها بهذه الصورة، تسهّل من إمكانية انضمام شباب من سيناء للعناصر المسلحة، وهو ما يضاعف الأزمة في سيناء. وبحسب الشيخ القبلي، فإن النظام الحالي لا يدرك أن هذا التضييق يزعزع من الولاء والانتماء للدولة المصرية، ما يترك أثراً سلبياً في نفوس المدنيين، وهي أزمة تحتاج لسنوات لعلاجها، وربما يتولد عن هذا الغضب السيناوي تجربة مسلحة، خلال الفترة المقبلة. وأشار إلى محاولات بعض الرموز في سيناء التدخل لعدم تصاعد الأوضاع وإمكانية الصدام مع الأهالي، لكن الجيش يرفض التساهل في إجراءاته، فيما تظل المحاولات مستمرة لتخفيفها.
خسائر للجيش
وفي سياق العمليات العسكرية، فإن الجيش المصري لا يتطرق إلى خسائره من الضباط والجنود، إذ يفرض حالة من التكتم الشديد. وبشكل شبه يومي، يسقط قتلى وجرحى من الجيش، بعد مواجهات مع المسلحين، أو استهداف آليات ومدرعات الجيش بعبوات ناسفة، مستفيداً من أن وسائل الإعلام كافة تحت سيطرة الجهات الأمنية.
وعمدت وسائل إعلام موالية للنظام الحالي إلى إخفاء أي خسائر للجيش، مع تصدير صورة القضاء على الإرهاب في سيناء، وتجنب الحديث تماماً عن القتلى من الجيش والشرطة.
وبحسب مصادر قريبة من دائرة اتخاذ القرار، فإن العشرات من القتلى والجرحى سقطوا بعد عمليات من العناصر المسلحة، والتي بدأت تتصاعد بعد مرور الأسبوع الأول. وخلال الأيام القليلة الماضية، فإن عددا من الصفحات التي تتابع الأوضاع في سيناء، نشرت عن سقوط قتلى في صفوف الجيش، خلال المشاركة في العملية العسكرية الشاملة. لكن لا يوجد أي حصر دقيق لعدد القتلى والجرحى من الجيش والشرطة، خصوصاً أنه لا توجد عملية استهداف من المسلحين، ولكن المواجهات مستمرة منذ 3 أسابيع.
تفكيك بؤر المسلحين
وكشفت مصادر عسكرية عن تفكيك عدد من البؤر التي يستخدمها المسلحون في سيناء، خلال العملية الشاملة، وهذا ليس مرهوناً فقط بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، لكن أيضاً بفعل بعض المنشقين عن تنظيم "ولاية سيناء".
وقالت المصادر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه تم العثور على مخابئ لتخزين الأسلحة في بعض المناطق الصحراوية القريبة من التجمعات السكانية، وسط عمليات تمشيط واسعة لمحاصرة المسلحين خارج التجمعات السكانية لسهولة التعامل معهم. وأضافت أن الأوضاع في سيناء تتحسن بتأمين المدن الثلاث، وإقامة كمائن ثابتة ومتحركة لمنع تسلل العناصر المسلحة والإبقاء عليهم في مناطق صحراوية يمكن قصفهم بسهولة فيها. وأشارت إلى أن هناك صعوبة في كشف الدوائر التي تعاون المسلحين داخل مدن محافظة شمال سيناء، والتي تنقل تحركات قوات الجيش، لكن تم التغلب على هذا الأمر بالدفع بتعزيزات إضافية إلى سيناء قبل انطلاق العملية الشاملة.
وأوضحت المصادر أنه في السابق كان المسلحون يستغلون قلة عدد الكمائن الثابتة والمتحركة ويستهدفونها، وهي كانت نقطة ضعف شديدة، لكن الآن يدركون صعوبة التعامل مع أعداد كبيرة من القوات، ويلجأون إلى محاولة زراعة عبوات ناسفة فقط، من دون الدخول في مواجهات مباشرة، وتنفيذ هجمات انتحارية.