تنتهي منتصف ليل الأربعاء، حالة الطوارئ في تركيا، بعد عامين من فرضها عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/يوليو من العام 2016، ووسط جهود لسنّ مجموعة من التشريعات والقوانين الجديدة الخاصة بالأمن والحريات وحرية التنقل والإرهاب، لتحل مكان "الطوارئ"، التي أدت إلى اعتقال عشرات الآلاف من الأتراك وطردٍ من الوظائف في مختلف مؤسسات الدولة، ودفعت المعارضة لانتقاد أنقرة واتهامها بممارسة القمع.
وخلال هذه الفترة، تمّ نشر قوانين بحكم المراسيم 34 مرة، أسفرت عن طرد 127 ألف شخصٍ من وظائفهم، وإغلاق 1431 جمعية. وشملت التعديلات مئات القوانين، وبشكل جذري كذلك القوات المسلحة، إذ جرى إغلاق الأكاديمية الحربية والثانويات العسكرية، وبناء جامعة عسكرية، وجرى نقل المشافي العسكرية إلى وزارة الصحة، فيما جرى ربط قوات الدرك وخفر السواحل بوزارة الداخلية.
وفي بداية حالة الطوارئ، حُددت مدة التوقيف بـ30 يوماً، جرى تخفيضها بعد ستة أشهر إلى سبعة أيام يمكن أن تمدد لمرة واحدة لتكون 14 يوماً، كما تمّ إقرار تكليف إدارة للبلديات المرتبطة بالمتهمين بالإرهاب، وشملت 99 بلدية، كانت 94 منها بيد "حزب الشعب الديمقراطي" الكردي. وشرعت قوانين ساهمت بإطلاق سراح آلاف المحكومين، وتمّ تحويل الأموال المصادرة للمؤسسات المغلقة للخزينة، وجرى إغلاق برامج ترويج الزواج، وتوحيد ملابس المعتقلين، والأهم أن جميع القوانين التي صدرت جرى تشريعها من البرلمان، وبالتالي فإنها باتت ملزمة، ولا تنتهي بانتهاء "الطوارئ".
وترى المعارضة أن 150 تشريعاً يتضمن أكثر من ألف مادة و300 تعديل، ساهمت في تسريع تحويل البلاد من النظام البرلماني الممتد لـ95 عاماً، إلى النظام الرئاسي، محددة شكل الحكم في البلاد لنحو 10 سنوات مقبلة على الأقل، ويشكل قانون الطوارئ حجر الزاوية في عملية الانتقال هذه.
وحاولت المعارضة إلغاء القوانين الأربعة الأولى، بنقلها إلى المحكمة الدستورية العليا، التي نأت بنفسها عن النظر بالموضوع، لكن القرارات التالية شملت المحكمة نفسها، حيث جرى إخراج عضوين وكاتب و36 إدارياً منها، وشملت التغييرات تمديد مدة الاعتقال والتوقيفات، ما جعل آلاف المعتقلين معرضين للتوقيف بانتظار محاكماتهم لفترات طويلة، حيث بلغ عدد المعتقلين نحو 150 ألفاً جرى إخلاء سبيل نحو نصفهم، دون صدور أرقام رسمية نهائية بعد.
وفي موضوع طرد الموظفين من الدوائر الحكومية، فإن الأرقام الرسمية لعدد الموظفين الحكوميين في أيار/مايو 2016، بلغت أكثر من 3.390 ملايين موظف، وبنتيجة القوانين التي صدرت، جرى طرد 3.49 في المئة منهم، وخاصة من قطاع الأمن والقضاء والجيش والتعليم والبلديات، ومع إعادة البعض من الموقوفين، كانت النسبة 2.83 في المئة من المطرودين، وشملت التوقيفات والطرد أكاديميين ومفكرين وصحافيين وبيروقراطيين، فضلاً عن اعتقال تسعة نواب برلمانيين، أغلبهم من "الشعوب الديمقراطي"، ونائب واحد من "الشعب الجمهوري"، بتهم تتعلق بالارتباط والدعاية للإرهابيين.
وشملت الأحكام الصادرة قطاع الإعلام والصحافة، حيث جرى اعتقال صحافيين، وفرضت هيئة التلفزيون والإذاعة التركية عقوبات مالية وإدارية على قنوات عدة، فيما فرضت قيود على التظاهرات، فجرى منع تظاهرات واعتصامات وأغانٍ ومهرجانات وفعاليات، وشملت الأحكام نقل حصص 15 جامعة وقفية لنحو 120 جامعة حكومية، وجرى طرد 5700 أكاديمي، أعيد كثيرون منهم، ومن بين المطرودين 400 وقعوا مذكرة للسلام في كانون الثاني/يناير 2016، أي قبل الانقلاب.
ومع انتهاء حالة الطوارئ، يعتزم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن يتعلق بمكافحة الإرهاب، يساهم بإصدار قرارات سريعة حول اعتقال من هم مصنفون منظمات إرهابية، وأهمهم "حزب العمال الكردستاني"، و"جماعة الخدمة"، وتنظيمات يسارية أخرى، في مسعى يبدو على أنه بديل عن إلغاء "الطوارئ"، الأمر الذي انتقدته المعارضة، معتبرة أن روح حالة الطوارئ ستبقى مستمرة بهذا القانون.
وبحسب مصادر إعلامية، فمن المقرر أن يناقش البرلمان التركي مشروع قانون من شأنه السماح للسلطات بالمضي قدماً في الفصل الجماعي لموظفي الخدمة المدنية واحتجاز المشتبه فيهم لمدة تصل إلى 12 يوماً. وفي حال اعتمادها، ستسمح قوانين مكافحة الإرهاب الجديدة للسلطات بمنع أشخاص من دخول مناطق معينة لمدة تصل إلى 15 يوماً، كما تنص على أن تقتصر التظاهرات على ساعات النهار، وهي معلومات رُشحت، ولم تُؤكد بعد.
ومن الدوافع التي أجبرت "العدالة والتنمية" على عدم التمديد لحالة الطوارئ، الحالة الشعبية التي ترغب برفعها، وهو ما تعهدت به المعارضة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في 24 حزيران/يونيو الماضي، ما اضطر الرئيس رجب طيب أردوغان للحديث عن أن الحكومة سترفع حالة الطوارئ.
وسعت الحكومة التركية إلى استغلال آخر أيام الطوارئ عبر تنفيذ حملة ضد الداعية هارون يحيى المثير للجدل، واسمه الحقيقي عدنان أوكتار، وجماعته، بتهم عديدة وصلت إلى أكثر من 30 تهمة، منها التجسس لصالح "الموساد"، والاستغلال الجنسي، واستغلال الدين، والتهرب الضريبي، بالإضافة إلى تهم أخرى.