مضامين أو أسباب تلك الزيارات المكوكية والسريعة تفاوتت بين جهة عراقية وأخرى، إلا أن مسؤولاً رفيعاً بالحكومة العراقية أبلغ "العربي الجديد"، بأن "رئيس الوزراء حيدر العبادي قال في معرض تعليقه على تلك الزيارات، إن هذه الدول قررت فتح صفحة جديدة مع العراق، لكن نأمل أن تكون حباً به لا مناكفة مع إيران".
ووفقاً لما تمخضت عنه زيارات الأيام الثلاثة الماضية، فقد تقرر إنشاء مركز عمليات أردني عراقي مشترك، هو الأول من نوعه، ووضع ترتيبات لفتح منفذ طريبيل الحدودي بين البلدين، والتأكيد على قانونية العقد المبرم مع شركة أوليف الأمنية التي فازت بالعقد الخاص بتأمين طريق بغداد ـ عمّان، بالإضافة إلى دعم الأردن للعراق في ملف ضبط الحدود في ما بينهم.
في المقابل، فقد قررت السعودية تشكيل لجنة وزارية وأخرى أمنية للتبادل الاستخباري والتعاون الأمني بمجال الحرب على "داعش" وتأمين ملف الحدود بين البلدين التي يبلغ طولها نحو 800 كيلومتر، وتسهيل تأشيرات العراقيين الراغبين بزيارة المملكة وفتح معبر عرعر الحدودي بين البلدين خلال أقلّ من شهر، والاتفاق على بحث إعادة ضخ النفط العراقي عبر الأراضي السعودية واستثمار الرياض لمليون هكتار زراعي بالعراق، وزيادة عدد مقاعد الحج المخصصة للعراق. وهنأ بن صالح العراقيين بتحرير الموصل.
كما تمّ الاتفاق مع مصر على مركز تعاون أمني ودعم الصناعات الحربية العراقية من قبل نظيرتها المصرية، وتسهيل منح تأشيرات العراقيين في مطار القاهرة. وتشاركت الدول الثلاث بملف عرض المساعدة في إعادة الإعمار للمدن العراقية المحررة، سواء عبر الدعم المالي، كالسعودية، أو عبر شركات إعمار تدخل العراق مثل الأردن ومصر. وحمل رئيس الأركان السعودي، وهو أرفع شخصية عسكرية سعودية تصل العراق منذ عام 1990، في زيارته ملفات عدة مهمة، وفقاً لرئيس لجنة الأمن والدفاع العراقية حاكم الزاملي.
وأكد الزاملي في حديث لـ"العربي الجديد"، عقب انتهاء اجتماع الوفد العسكري السعودي مع نظيره العراقي، أن "زيارة رئيس الأركان الأردني وزيارة رئيس الأركان السعودي، تناولتا ملف ضبط الحدود ومنع انتقال إرهابيين من السعودية والأردن إلى العراق وتشكيل لجنة تنسيق وتعاون أمني واستخباري عالية". وأضاف أن "التعاون مع الرياض سيكون مثل التعاون مع إيران وأي دولة أخرى مجاورة للعراق وهي صفحة جديدة".
بدوره، كشف قيادي في التحالف الوطني الحاكم بالعراق، لـ"العربي الجديد"، عن "زيارات مرتقبة لمسؤولين آخرين من الدول الثلاث ومبادلة العراق لهم بالمثل". وكشف أن "هناك توجساً عاماً في الأوساط السياسية العراقية من هذا الانفتاح المفاجئ على العراق، ليس عدم ترحيب بل خوفاً من أن يفتح باب صراعات جديدة بين إيران وهذه الدول في العراق". وأشار إلى أن "السعودية سترفع مستوى تمثيلها بالعراق خلال الأيام المقبلة"، مضيفاً أن "هذه الدول عرضت على العراق تسهيلات وخدمات ومبادرات كثيرة ولم نطلب منها شيئاً". وبيّن أنه "تحدث مع مسؤول سعودي يرافق الوفد العسكري قال له إن سبب القطيعة كان (رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي، والعبادي اليوم يمثل العراق".
بدوره، قال مقرر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، محمد العبد ربه، لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك العربي الحالي ضمن استراتيجية لهذه الدول في مواجهة إيران". وأضاف "دعنا نتكلم بصراحة، هناك رأي من تلك الدول أن إيران تسيطر على العراق، لذلك قررت اليوم أن تعود للعراق وأن تعيد العلاقات وتدخل بقوة. وهذا شيء جيد وقد يُطلب من العراق بعد ذلك مقابل، كأن يكون مع جهة محددة".
من جانبه، أفاد الخبير بالشأن السياسي العراقي، طالب القاضي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "التوقيت السعودي في التعاون مع العراق بملف الحدود، يثير الكثير من علامات الاستفهام، فهي لم تتخذ الخطوة في ذروة قوة داعش واتخذتها بعد انكساره في العراق". ولفت إلى أن "الملفات المعلنة كالحدود والتعاون الاستخباري والأمني، كلها غطاء لمشروع جديد مفاده حضور عربي بالعراق من تلك الدول. وهذه الخطوة بالتأكيد بضوء أخضر أميركي".
وحول امتناع الجناح المتشدد داخل التحالف الحاكم المعروف بولائه لإيران والرافض لأي تقارب عربي مع العراق، خصوصاً السعودية، عن الإدلاء بأي موقف، أوضح القاضي أن "تغليف المرحلة الجديدة بالمساعدة في إعادة الإعمار وتعاون مع العراق للقضاء على داعش، قلّل فرص اعتراض الجناح الإيراني داخل التحالف الحاكم بالعراق". وأشار إلى أنه "على ما يبدو هناك ورقة مشتركة بين الرياض وعمان والقاهرة بخصوص العراق، لدور أكبر في المرحلة المقبلة، خصوصاً بوجود مثل حيدر العبادي في السلطة، وهو المعروف بسياسته غير المنحازة لإيران بشكل كامل عكس سلفه نوري المالكي". وتوقع أن "يبقى التأثير العربي في صنع القرار العراقي أقل بكثير من نظيره الإيراني حتى مع الانفتاح الحالي".