وبعد أن انسحب بعض منافسي السيسي المحتملين، وغُيّب آخرون، تطرح الصحفية سؤال: "هل كان النظام المصري يشكّ في حظوظ الرئيس السيسي في الانتصار في مواجهة هذا المرشح أو ذاك"؟
وتجيب: "لقد انتُخب المشير السيسي، الذي حمله الجيش المصري إلى السلطة في مايو/أيار 2014، بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، وفوزه آنذاك بنسبة 97 في المائة من الأصوات، ولكن بالكاد عبر مشاركة 47 في المائة من الناخبين".
ثم تكشف الصحفية الفرنسية أن "القمع الشرس الذي مورس ضد المعارضين الإسلاميين وضد الثوريين، متبوعًا بسحق السلطات المضادة ومؤسسات الدولة لهم، أدى في نهاية الأمر بالسيسي إلى أن يصل إلى احتكار السلطة.
وبعد 4 سنوات، تكسّرت عبادة الشخصية، التي تم تعهدّها ممن حول الرئيس السيسي، واحتدم غضب السكان؛ ضحايا الحرمان من المساعدات الدولية، وضحايا التضخم، الذي تجاوز نسبة 30 في المائة".
شكوك حول شعبية السيسي
لم تعد دعوات الصبر التي توجهها الحكومة، والتي تشهر رضا وتوقعات صندوق النقد الدولي المتفائلة بعد تطبيق هذه الإصلاحات "الجريئة والضرورية"، كافيةً، كما ترى الصحفية الفرنسية؛ فالرئيس السيسي يدفع "ثمنًا غاليًا" في ما يخص شعبيته، وهو ما يلخصه مسؤول مصري قَلق قبل أشهر بالقول: "الأمر خطير جدًا. وأنا لا أريد أن يصل إلى مستوى شعبية تجعله غير قادر على تجديد انتخابه".
أما في الشارع، فالعديد من المواطنين يعبّرون، كما تكتب الصحفية، عن استعدادهم للتصويت لـ"أي مرشح، ما عدا السيسي". وحتى في الدوائر الثورية، كان النقاش محتدمًا بين من يدعو لدعم المحامي اليساري، خالد علي، وآخرين كانوا يقترحون دعم وجوه من النظام السابق، مثل أحمد شفيق، وهو مرشح "نشاز"، كما تصفه، لكنه قادر على هزيمة السيسي. أما لدى حركة "الإخوان المسلمون"، التي يتواجد الآلاف من أنصارها في السجون أو المنافي، فالبعض يريد التفاوض حول دعمه لرئيس الأركان السابق، سامي عنان، المعروف بمواقفه المتصالحة مع حركة "الإخوان"، على حد تقدير الصحيفة.
وتضيف الصحفية الفرنسية أن تنافس هذه الوجوه، التي تنتمي للعهد السابق، تسبب القلق بسبب ما تثيره من اهتمام لدى من يتوق إلى عهد مبارك.
ومنذ وصوله للسلطة، تميزت علاقات السيسي بقسم كبير من الأوليغارشية الاقتصادية، التي كانت سابقًا في صلب شبكات جمال مبارك، بكونها علاقات صاخبة؛ إذ إن السيطرة المتزايدة للجيش على الاقتصاد المصري، منذ 2014، باتت تغضب رجال الأعمال، الذين فقدوا هامش المناورة في مواجهة هذا الفاعل السياسي القوي جدًا.
الكل تحت رحمة السيسي
حالة الشكّ تلك تسرّبت حتّى إلى داخل أجهزة الدولة، إذ تسلّط الصحيفة، في هذا السياق، الضوء على التصدعات التي يتمّ الحديث عنها وسط الجهاز الأمني. فمنذ شهر أكتوبر/تشرين الأول، قام السيسي باستبدال رئيس أركان جيوشه، وأيضًا باستبدال ضباط مهمين في وزارة الداخلية، ورئيس الاستخبارات العامة، وهو ما أثار تساؤلات حول ما يتعلق بتنافس محتمل واختلافات داخلية.
كما أن ترشّح سامي عنان عزز بعض التصورات التي تفيد بأن البعض، داخل هذه المؤسسات، يبحث عن مرشح آخر، علمًا أن المؤسسة العسكرية في مصر حاولت بكل ما تستطيع إبعاد الجنرال المتقاعد حتى لا يعطي صورة عن مؤسسة منقسمة، بمرشحيْن اثنين خارجيْن من صفوفها.
ثم تنقل الصحفية الفرنسية عن مراقبين أنه "لا يوجد أي مرشح من هؤلاء المرشحين المحتملين قادر على الانتصار في مواجهة السيسي. والسبب هو أن الطبقة السياسية ووسائل الإعلام توجد تحت رحمته، منذ فترة طويلة".
ذلك ما يمكن تفسيره باللجوء إلى "تشجيع الموظفين، بقوة، في المؤسسات من أجل التعبير عن دعمهم للرئيس. كما أن رجال أعمال أوفياء للرئيس السيسي حاضرون بقوة في الحملات الانتخابية من خلال صناديق الغذاء. وقد اعترف سكان منطقة جنوبي القاهرة، أمام وكالة أنباء أميركية، بحصولهم على مائة جنيه من قبل رجال أعمال، مقابل توقيعهم على دعم الرئيس".
لكن تستدرك الصحيفة بالسؤال: إذا كان الكثير من الثوريين المصريين يأملون في أن تكون الحملة الانتخابية مناسبة لفتح نقاش سياسي؛ فهل تخشى السلطة من إعادة فتح هذا الفضاء الديمقراطي، خلال شهرين؟
هنا تستشهد الصحفية الفرنسية برأي روبرت سبرينغبورغ، مؤلّف كتاب "نظام الحكم في مصر"، الذي يرى أنه "لو كان سامي عنان قد حصل على 30 في المائة من الأصوات، فهذا سيعني أن أغلبية السكان مُعارِضةٌ للرئيس السيسي، وذلك يهدد بالحدّ من هامش المناورة في الولاية القادمة”.
ومنذ ظهوره، حسب الباحث المتخصص في الأمن القومي نفسه، فإن "السيسي لم يؤمن أبدًا بخصائص السياسة. وبهذا الاستحقاق الانتخابي للرئاسيات الذي يشبه استفتاء شعبيًا؛ يكشف الرئيس المصري عن الوجه الحقيقي لنظامه، في سلالة المستبدّين المصريين الذين سبقوه، قبل الانعطافة التي مثّلتها ثورة 25 يناير/كانون الثاني سنة 2011".