يثير اتساع دائرة نفوذ مليشيا "الحشد الشعبي" في محافظة نينوى، وتجاوزها كل الحدود بتنفيذ أجنداتها من دون قيود، قلق وخوف أهالي المحافظة. الأمر الذي يزيد من خطورة المخاوف من وضع الموصل بعد انتهاء معركتها، وما يعنيه من ترك المحافظة رهينة بيد تلك المليشيات المنفلتة، ما يدفع باتجاه السعي لتشكيل حكومة طوارئ في المحافظة، لتسيطر على القرار السياسي وتحجم من دور الجهات السياسية التي تستغل فرصة الظرف الأمني لتحقيق أجنداتها الخاصة بالمحافظة.
ومع أنّ التحرّكات تجاه تشكيل هذه الحكومة بدأت فعلاً، إلّا أنّ مراقبين يشكّكون بإمكانية نجاحها، خصوصاً أنّها ستفتح الباب أمام أزمات وصراعات مع قادة "الحشد" وزعماء الأحزاب السياسية، الطامعين بالمحافظة، والذين لديهم أجنداتهم الخاصة، ويمهّدون لتنفيذها خلال المرحلة المقبلة، ما يزيد من الأعباء الجديدة التي قد تواجهها الموصل ما بعد مرحلة تحريرها المنتظرة.
في هذا السياق، يقول عضو في مجلس محافظة الموصل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وقوف إدارة المحافظة على الهامش وعدم تدخّلها بأي قرار سياسي وأي تحرّك مشبوه للحشد، وعدم تقديمها أي شيء للنازحين، وكأنّها غير مسؤولة عن شيء، أمر غير مقبول". وبيّن أنّ "المحافظة تعاني ما تعانيه اليوم من أزمات خطرة، ولم نر ولم نسمع عن أي دور لإدارة المحافظ في ذلك. كما أنّ الأجندات المتصارعة على المحافظة تلعب لعبة قذرة وتخطط وتنفذ أجنداتها السياسية، وأنّ الحشد بات يسيطر على مساحات واسعة جداً من غربي المحافظة من دون أن يرجع لإدارة المحافظة، ولا هي أبدت رأيها في ذلك".
ويؤكد أنّ "كل ذلك فرض علينا التفكير بإيجاد حل لهذه الأزمات والصراعات"، لافتاً إلى أنّ "لا حل إلّا من خلال تشكيل حكومة طوارئ تنتشل المحافظة من المخططات المشبوهة، وأن يكون لها رأي في أي قرار سياسي وحتى القرارات العسكرية، لتجنب المحافظة كل ما يحاك ضدّها". ويضيف أنّ "هناك تحرّكات فعلية بدأت من قبل أعضاء في مجلس المحافظة، وبرلمانيين من الموصل، ووجهاء المحافظة نحو تشكيل حكومة الطوارئ"، لافتاً إلى أنّ "هذه الجهات بدأت اجتماعاتها وبحث الآلية التي يتم من خلالها تشكيل الحكومة، ووضعت الخطوات الأولية لتحركاتها، وذلك من خلال إقالة المحافظ الذي يشكّل العقبة الكبيرة أمام حكومة الطوارئ، ومن ثم نبدأ بالخطوات اللاحقة".
ويشدّد على أنّ "الخطوات ليست بالسهلة، خصوصاً أنّ جهات سياسية في بغداد تدعم إدارة محافظة الموصل، وتسعى لبقائها على رأس حكومة الموصل، لإحباط أي خطوة تعترض مع أجنداتهم"، مشيراً إلى أنّ "هناك إصراراً على تشكيل هذه الحكومة الجديدة لأنّها ستغلق الأبواب أمام المخططات التي يراد منها تحقيق المكاسب السياسية على حساب المحافظة وأهلها".
من جهته، يرى النائب عن المحافظة، محمد نوري العبد ربه، أنّ "تشكيل حكومة الطوارئ أصبح ضرورة ملحّة تحتاجها الموصل، وهي ضرورية للغاية لانتشال المحافظة من واقعها المؤلم في مختلف الصعد". ويردف العبد ربه، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّنا "نضمّ صوتنا لتشكيل حكومة طوارئ في المحافظة، وأن تعمل ميدانياً في الموصل، وبقيادة عسكرية بدل المدنية"، مؤكداً أنّ "الحكومة المحلية فشلت في أداء مهامها وواجباتها تجاه أهالي الموصل، وأنّ قضية النازحين هي أبسط مثال لذلك الفشل، فلم نر أي دور لهذه الحكومة ولم تقدم أي شيء ولم تقم بواجبها تجاه أزمة النازحين المتفاقمة". ويلفت إلى أنّ "تشكيل حكومة الطوارئ سيكون في صالح المحافظة، وقد يغيّر من واقعها الذي تعيشه نحو الأفضل، وأن يكون لها دور بانتشال المحافظة والتخفيف من معاناة أهلها".
مع العلم أن الموصل أصبحت ساحة سياسية مفتوحة للأحزاب والجهات السياسية ومليشياتها، والتي تتصارع داخل المحافظة لتحقيق أجنداتها ومصالحها السياسية، في وقت لا يوجد فيه أي دور لحكومة المحافظة المحلية، والتي تلتزم جانب الصمت حيال كل ذلك.
ويقول الشيخ عامر الحديدي، وهو أحد وجهاء الموصل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إدارة المحافظة تقف اليوم متفرجة على معاناة أهالي الموصل، ولم تبد أي تدخل أو رأي ولم تأخذ دورها في الوقوف بوجه الأجندات السياسية والجهات التي لا تريد الخير للموصل"، مبيّناً أنّ "استمرار إدارة المحافظة على سياستها ونهجها جعل من المحافظة فريسة سهلة لكل من يريد بها السوء". ويشير إلى أنّ "مرحلة ما بعد داعش تتطلّب حكومة قوية، تدافع عن الموصل وعن أهلها، وألا تتركها نهباً للجهات والأحزاب والمليشيات".
وتواجه التحركات السياسية لتشكيل حكومة الطوارئ، صعوبات جمة تعترض طريقها، ويؤكد مراقبون أنّ "هذا التحرّك سيفتح باب الصراع مع قيادات الحشد وقيادات الأحزاب الطامعة بالموصل، فضلا عن الجهات التي تدعم الحكومة المحلية".
بدوره، يشير الخبير السياسي، معن الزبيدي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "خطوات تشكيل حكومة الطوارئ بالموصل، بالتأكيد هي في صالح المحافظة، إذ إنّ القرار السياسي والعسكري سيكون صادراً من إدارتها، ما يعني التحكّم والسيطرة على كل القرارات التي تخص الموصل"، لافتاً إلى أنّ "ذلك يعني الحد من تدخلات الحشد وغيرها".
ويرى بأنّ "جهات سياسية متنفّذة ستقف بوجه هذا التحرّك، وستعترض على أي خطوات باتجاه تشكيل هذه الحكومة، وستفتح الباب أمام مشاكل سياسية مع قيادات الحشد والأحزاب الداعمة لها"، مشيراً إلى أنّ "نجاح هذا المسعى سيكون في مصلحة الموصل وأهلها".