دائرة السيسي تبحث عن "قرابين" للفشل الانتخابي: دراسة تغيير وزراء ومحافظين

04 ابريل 2018
ضعف عبدالغفار أدى لمشاكل مع الأجهزة الأخرى(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
انتهت الانتخابات الرئاسية المصرية رسمياً بتجديد ولاية الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وإظهار فشل أجهزته الأمنية والتنفيذية والإعلامية في حشد المواطنين، بعد تحقيق نسبة مشاركة لم تزد على 41 في المائة، رغم ما شهدته أيام الاقتراع الثلاثة من محاولات حثيثة للحشد، باستخدام التهديدات بالغرامة والتنكيل الوظيفي والعقوبات الإدارية، وباستغلال حاجة المواطنين البسطاء للأغذية والكساء، وبربط المشاركة في الانتخابات والتصويت للسيسي بمزايا إدارية، كالمكافآت والإجازات في القطاعين العام والخاص على السواء.


ورغم ظهور السيسي سعيداً في الصور التي وزعتها رئاسة الجمهورية من مقر حملته الانتخابية، وحوله شباب من الجنسين حديثي التخرّج والدارسين في ما يسمى البرنامج الرئاسي لإعداد القادة، بزعم أنهم من شاركوه التخطيط للحملة، إلا أن المعلومات الواردة من الغرف الحكومية المغلقة تشير إلى أن السيسي حانق وغاضب من أداء العديد من الوزراء والمحافظين بسبب سوء إدارة العملية الانتخابية وفشل الدولة في الحشد، الأمر الذي سينعكس على اختياراته للتعديلات الحكومية المرجح إجراؤها خلال الشهرين المقبلين.

ومن المقرر، وفق الدستور، أن تبدأ ولاية السيسي الجديدة في 8 يونيو/حزيران المقبل، بعد انقضاء 4 سنوات بالتمام على توليه المنصب للمرة الأولى. ورجحت مصادر حكومية أن يستبق السيسي هذا الموعد بأداء اليمين الدستورية أمام مجلس النواب نهاية مايو/أيار أو في الأسبوع الأول من يونيو، وذلك حسب ارتباطاته الخارجية، أو زيارات رؤساء الدول إلى مصر في تلك الفترة التي تصادف هذا العام بحلول شهر رمضان.

وبمجرّد أداء السيسي اليمين الدستورية، سيكون المحافظون مستقيلين بحكم القانون، الأمر الذي سيستغلّه الرئيس لإجراء حركة تغيير محافظين موسعة، مع تجديد الثقة بالمحافظين الذين يحظون بقبول الأجهزة الأمنية المراقبة لهم، والمكلفة من قبل الدائرة الخاصة بالسيسي التي يديرها مدير مكتبه ومدير الاستخبارات العامة عباس كامل، بمتابعة أعمالهم وتقييم تنفيذهم لتعليمات السيسي. ويتم رفع هذه التقارير بصفة دورية إلى وزير التنمية المحلية أبوبكر الجندي، والذي بات يمثّل العنصر الأهم في تحديد بقاء أو رحيل المحافظين، إلى جانب هيئة الرقابة الإدارية برئاسة صديق السيسي القوي، اللواء محمد عرفان، والتي تمارس سلطة رقابة مباشرة على تصرفات المحافظين ونوابهم.

وما يدعم ترجيحات إجراء حركة تغيير موسعة للمحافظين، بحسب المصادر، أن كامل والجندي وردتهما تقارير رقابية سلبية بالنسبة لعدد من المحافظين ونوابهم، ليس في صورة قضايا فساد مالي كالتي تورّط فيها أخيراً محافظ المنوفية، هشام عبد الباسط، ونائبة محافظ الإسكندرية سعاد الخولي، بل في صورة تراخ في تنفيذ تعليمات دائرة السيسي أو العجز عن السيطرة على دواوين المحافظات والمديريات الخدمية التابعة لها.


وأوضحت المصادر أن دائرة السيسي تتجه لتوسيع تجربة تعيين "نواب المحافظين"، على الرغم من السلبيات التي ظهرت في محاولة بعض من تم تعيينهم في هذا المنصب، استغلاله لتحقيق مصالح مالية. لكن التقارير الرقابية تشير إلى أن المحافظين الذين لهم نواب، يبذلون مجهوداً أكبر للحفاظ على مواقعهم من ناحية، ويجرون رقابة على نوابهم ومعاونيهم من ناحية أخرى، حتى لا تصل أي وشاية بهم إلى الأجهزة الرقابية، فتتم الإطاحة بهم. وهو ما يسعى السيسي لتكريسه، بأن يسعى كل مسؤول لنيل رضا القيادة السياسية والأجهزة الرقابية وتنفيذ تعليماتهم الحرفية.

أمّا الملف الأهم، فهو التعديل الوزاري، فعلى الرغم من أن التعديل الأخير أجري في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي وكان محدوداً في حقائب التنمية المحلية والثقافة والسياحة وقطاع الأعمال، إلا أن السيسي بات غاضباً من أداء بعض الوزراء أصحاب الحقائب المهمة والحساسة لأسباب مختلفة، بعضها يتعلّق بفترة الانتخابات، وبعضها بسبب تراكمات وفشل في تنفيذ التعليمات.


الحقيبة الأهم المرشحة للتغيير هي وزارة الداخلية، فاللواء مجدي عبد الغفار المعيّن في منصبه منذ مارس/آذار 2015، أي منذ ثلاث سنوات، أصبح أطول وزراء الداخلية بقاءً في هذا المنصب بعد الوزير الأسبق للعهد المباركي حبيب العادلي. إلا أن عبد الغفار لم يترك أي بصمة تذكر، فجميع المصادر المطلعة على ملف السياسة الأمنية تؤكّد أن اللواء أحمد جمال الدين، الوزير الأسبق، مستشار السيسي الحالي للشؤون الأمنية، هو صاحب الأمر والنهي ليس فقط على مستوى القيادة، بل أيضاً على المستوى الدقيق والنشاط اليومي لبعض أجهزة الوزارة، فضلاً عن توليه حالياً مهمة التنسيق المباشر بين وزارة الداخلية والجيش، منذ الحادث الإرهابي الذي وقع في منطقة الواحات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ونتج عنه عزل السيسي لصهره اللواء محمود حجازي من رئاسة أركان الجيش بسبب عدم مساعدته الشرطة في مواجهة العناصر المسلحة.


وكشف مصدر حكومي أن ضعف عبد الغفار وفشله في إحكام السيطرة على جهاز أمن الدولة، رغم أنه من أبنائه وكان الهدف الأساسي لاختياره هو إعادة تنظيمه، أدى إلى مشاكل عديدة مع الأجهزة الأخرى كالاستخبارات والرقابة الإدارية، ولذلك أصبح دوره مقتصراً في الآونة الأخيرة على الشؤون الإدارية للوزارة وأجهزتها، بينما يختصّ جمال الدين بتحديد سياساتها وإصدار التعليمات للقيادات، وهو أمر يثقل كاهل رئاسة الجمهورية بأعباء أدنى من مسؤولياتها المفترضة.

لكن عبد الغفار يتمتّع بحظ وافر ضَمِن بقاءه في منصبه طوال السنوات الثلاث الفائتة، رغم المشاكل الأمنية والخلافات مع الجيش والفشل في حماية المنشآت المهمة. ويتمثّل هذا الحظ في عدم ثقة جمال الدين، الذي يعتبر عين السيسي في الملف الشرطي، في العديد من القيادات العليا والوسيطة، نتيجة عمله معهم من قبل في عهد "الإخوان المسلمين"، الأمر الذي قد يضمن نجاة عبد الغفار من التعديل الوزاري إذا فشل جمال الدين في تحضير بديل كفوء قبل أداء السيسي لليمين الدستورية.

أمّا الحقيبة الثانية المهمة المرشحة للتغيير، فهي وزارة العدل، التي يتولاها حالياً القاضي حسام عبد الرحيم، ويسيطر عليها السيسي بشكل غير مباشر بواسطة شقيقه القاضي أحمد السيسي. فرغم التزام عبد الرحيم الحرفي بتعليمات السيسي، ونجاحه في فرض سياج محكم من السرية حول النيابة العامة والقضاء أدى لتواري مشاكل القضاة عن الظهور في الإعلام، ونجاحه في فرض سيطرة السلطة على الهيئة الوطنية للانتخابات وجهازها التنفيذي، ومشاركته في إنهاء قضية تيران وصنافير، إلا أن فشله في ملف إعداد التشريعات وتسببه في مشاكل مع بعض الوزارات الأخرى، يمثّل السبب الرئيسي لطرح اسمه في بورصة التعديلات.

وارتفعت أسهم عبد الرحيم للرحيل بصفة خاصة، بعد صدور حكم القضاء الإداري منذ أسبوعين بحظر عمل شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر، حيث قال مصدر في الوزارة إن مكتب السيسي تواصل بشكل مباشر مع عبد الرحيم وأبلغه غضب السيسي بسبب عدم تعاون وزارة العدل بشكل كافٍ مع وزارتي الاستثمار والاتصالات لتقنين أوضاع الشركتين، وكذلك عدم قدرة عبد الرحيم على السيطرة على مجلس الدولة، مما أدى لصدور الحكم الذي حمل رسائل سلبية للمستثمرين الأجانب، وهو ملف يهتم به السيسي بشكل خاص.

وأدّى هذا الاتصال إلى إسراع وزارة العدل في إرسال مشروع القانون للبرلمان، لتكتشف وزيرة الاستثمار الموثوقة لدى دائرة السيسي، سحر نصر، أنّ وزير العدل لم ينفّذ عدداً كبيراً من البنود التي تمّ الاتفاق عليها سابقاً، ولم يصل لحلول تشريعية تضمن طمأنة المستثمرين وسيطرة الدولة على هذا النشاط في وقت واحد.

وبحسب المصادر الحكومية، هناك رغبة لدى السيسي في تجديد دماء وزارة العدل باختيار وزير صغير السن، وهنا يبرز اسم وزير شؤون البرلمان الحالي عمر مروان، كمرشح محتمل لتولي هذه الحقيبة السيادية، خصوصاً أنه يتمتّع بخبرة طويلة في الوزارة، كمساعد لعدد من الوزراء، منهم عبد الرحيم نفسه. لكن هناك دوائر أخرى تروّج لتعيين رئيس سابق لمحكمة النقض في منصب الوزير، ليكون أكبر سناً من كل القضاة، إذ يسعى لهذا المنصب كل من رئيس محكمة النقض مجدي أبو العلا، ورئيس مجلس الدولة أحمد أبو العزم اللذين عيّنهما السيسي بالمخالفة لقاعدة الأقدمية، ويتمتعان بعلاقات جيّدة بالأجهزة الرقابية.


وتبقى مسألة بقاء رئيس الحكومة شريف إسماعيل أو رحيله مطروحة للأخذ والرد في الكواليس الحكومية، ومتوقفة على قرار نهائي من السيسي نفسه. فالمسؤولون يلاحظون ضعف مردود إسماعيل وتراجع مجهوده بعد رحلته العلاجية الناجحة مطلع العام، لكن في الوقت نفسه لا يبدو السيسي مستعداً للتخلي عنه بسهولة، فهو لا يرغب في تعيين شخصية عسكرية لها كاريزما، أو شخصية ذات رؤية تسرق الأضواء والاهتمام الإعلامي وحب المواطنين.

وترجح المصادر أن يبقى إسماعيل، على الأقل، إلى ما بعد تمرير الموازنة العامة الجديدة وما سيتبعها من إجراءات اقتصادية جديدة، كرفع جديد لسعر البنزين والكهرباء والمياه والغاز، على أن يتم تعيينه بعد إيجاد بديل مناسب، مستشاراً للسيسي لشؤون الطاقة، ومفوضاً لمتابعة الإجراءات التعاقدية مع شركات الاستكشاف الأجنبية الكبرى.