تتّصف معظم البيوت في القسم العلوي من سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي في سورية، بأنها أفقية بتباعد صغير بينها، فهي في الغالب بيوت مكوّنة من طابق واحد وفوقه سطح. ويبدو الدمار واضحاً على معظمها، بسبب القصف العنيف والمتواصل لها من قوات النظام، في حين تملأ التباعد أراضٍ ترابية، لا يبدو أنها مهيّأة للزراعة، لكنك كلما اقتربت أكثر تشاهد مباني مرتفعة قد تصل إلى خمسة طوابق، بعضها مدمّر، وبعض آخر فارغ، في دلالة واضحة على حجم النزوح الكبير من هذه المناطق.
يبلغ طول السهل نحو 80 كيلومتراً، وعرضه بين 10 و13 كيلومتراً، وهو محاط بجبال عالية، خصوصاً من الجهة الغربية، وأهم بلداته وقراه من الشمال إلى الجنوب، قرقور والسرمانية والزيارة وجورين وقلعة المضيق والسقيلبية وسلحب. بلغ عدد سكانه في عام 2010 نحو 325 ألف نسمة، ويشكل تنوّعاً طائفياً يسكنه السنّة والعلويون والإسماعيليون والمرشديون. ويعتمد سكانه بشكل خاص على الزراعة، تحديداً القطن والشمندر السكري وعباد الشمس والقمح والتبغ.
وأفادت الأنباء حينها بأنه تم تدمير القسم الشمالي من المحطة بالكامل جراء القصف الجوي للنظام، وقد خرجت عن الخدمة منذ ذلك الحين، فيما يتدبّر السكان أمورهم الآن عبر مجموعات التوليد الخاصة والعامة. وعلى الرغم من الكيلومترات الفاصلة عن المحطة، إلا أنه يمكنك مشاهدتها بسبب المساحات الواسعة من الحقول الجرداء أمامك، لكن هذه الكيلومترات التي تفصل الطريق الرئيسي عن المحطة، لا تجعلك تشاهد حجم الدمار فيها جيداً.
اقرأ أيضاً نتائج المجازر الروسية بريف اللاذقية: جبل النوبة بيد النظام
تتوالى أسماء القرى في اللوحات الطرقية أمامك، كتل غزال وجنة القرى التابعة لمدينة جسر الشغور، مروراً بقرية فريكة، بوابة الوصول إلى حماة والساحل، فيما يضطر سائق السيارة هنا للانعطاف إلى أقصى اليمين، لوجود جسر أمامه مقسوم إلى قسمين. قسم لا تستطيع العودة منه، وقسم يتسع لسيارة واحدة، لدرجة أن الشاحنات قد لا تستطيع المرور من هذا الطريق. وقد تضطر إلى الذهاب في طرق فرعية ومن ثم مواصلة الطريق، إذا ما أردت المضي في الطريق السريع، لتجد أمام الجسر المهدم على يمينك بائع قهوة ينصب خيمة، وينتظر أن تخفّف السيارات من سرعتها هنا للتوقف وشرب القهوة أو شراء بسكويت أو حاجيات صغيرة.
بعد ذلك تأتي محمبل، وهي قرية صغيرة تابعة لمنطقة أريحا، وتشتهر بزراعة الزيتون والعنب والتين الأصفر، ثم أورم الجوز وجبل الأربعين. ويتميز الجبل بقممه المرتفعة، والبيوت المتباعدة، والحقول والأشجار الممتدة على طول الطريق. كما يتبيّن حجم التدمير الواسع على جسر أريحا، وهو الجسر الذي شهد معارك ضارية بين قوات النظام والمعارضة، وقد تعرض لقصف غير مسبوق أثناء هروب قوات النظام. ولا شيء يشير على الطريق إلى أن هذه المناطق كانت تابعة للأسد، سوى بعض الكتابات، والجسور والبيوت المهدمة التي قصفها النظام في الغالب جواً بعد انسحابه.
قبل المضي باتجاه مدينة أريحا عبر الطريق الرئيسي، ينعطف السائق يميناً في طريق فرعي، فإذا كان الهدف هو مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي الغربي، فمن الضروري المرور بقرية الرامي التابعة لمدينة أريحا. والمعروف أن قوات النظام نصبت حاجزاً أُطلق عليه اسم القرية، وكان من أعتى الحواجز، وقد كبّد المعارضة خسائر كبيرة لحظة السيطرة عليه. كما تظهر قرية مرعيان التابعة لناحية احسم، والتي تُشير دلائلها على سيطرة "جبهة النصرة" على هذه المناطق، وإن لم تكن هذه السيطرة بحسب السائق ومرافقين آخرين سيطرة فعلية.
ويُشير أحد السكان، وهو يركب دراجة نارية، لسائق السيارة التي تقلنا بيده للتوقف. بعد لحظة صمت صرخ سائق الدراجة: "لماذا تصورّ؟ ولصالح من؟". اعتبر السائق أننا "نعمل على تحديد الأهداف للنظام ليقوم بقصفها جواً"، إذ يبدو أن السكان هنا يعانون ممن يُسمّونهم "مخبرين"، وقد أنهكهم القصف الجوي والمجازر في كل القرى والبلدات. أراد سائق الدراجة أخذنا إلى حاجز لـ"جبهة النصرة"، وبعد تأكده بأننا لسنا سوى عابرين، وتفحّص أجهزة الخلوي والصور والهويات، قال وعلى وجهه الحزن "الله لا يسامح كل من يضرّ أحداً".
توقفنا عن التصوير بعد ذلك، ونحن على مشارف قرية البارة، الأخيرة قبل كفرنبل. البارة قرية أثرية، تابعة لناحية احسم أيضاً. ويبلغ عدد سكانها نحو 20 ألفاً، ومعظمهم مغتربون، وتشتهر بزراعة الزيتون والعنب والكرز والتين. وقبل الدخول إلى كفرنبل، يظهر مستشفى كفرنبل الجراحي، أو مستشفى "أورينت" للأعمال الإنسانية. وهو من أبرز المستشفيات في الشمال السوري، ويغطّي مساحات واسعة من إدلب وحماة، ويقدّم الخدمات مجاناً، ويستقبل كافة المرضى، وجميع الحالات الطبية.
يكفي أن تشاهد المستشفى عن بعد لتدرك حجم التحصينات التي أعدّها لتفادي القصف الذي استهدفه مراراً وتكراراً، إذ تحيط به مجموعة من السواتر الترابية، والأبنية الأسمنتية. ويعدّ من أكثر المستشفيات استهدافاً من قبل النظام. وقد قرّرت إدارة المستشفى في إحدى محاولات الاستهداف الجوية قبل نحو عام إغلاقه، بعد وفاة طبيب يدعى محمود إبراهيم وهو اختصاصي داخلي، فضلاً عن عدم القدرة على العمل فيه بعد الدمار الذي لحق به. قبل أن تعلن الإدارة التحدي من جديد، لتعود وتقصف طائرات النظام الحربي المستشفى للمرة السادسة.
اقرأ أيضاً: النظام السوريّ يحاول اقتحام داريا والطيران الروسيّ يقصف حلب