جمّد البرلمان المصري عدداً من القوانين الهامة في أدراجه، بهدف التفرغ لدور انعقاده الحالي الذي ينتهي في أواخر يونيو/ حزيران المقبل، والذي من المفترض أن يتخلله تمرير قانون الحكومة للاستثمار الجديد بما يمنح المستثمرين الأجانب أراضي مجانية وميزات غير مسبوقة، فضلاً عن تمرير الموازنة الجديدة (2017 - 2018)، قبل بدء السنة المالية في الأول من يوليو/ تموز المقبل. وتظهر جلسات البرلمان كيف أصبح مجلس النواب أداة بيد السلطة التنفيذية، وتحديداً بيد رئاسة الجمهورية، وهو ما يتوقع أن يترجم قريباً عندما يتم عرض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية على البرلمان للبت بنقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية.
ومررت الحكومة المصرية موازنة غير دستورية إلى البرلمان للعام الثاني على التوالي، إذ تجاهلت الاستحقاق الدستوري المتعلق بمخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمي، بواقع 10 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي، ولم تُخصص سوى ما يُقارب نصف المبالغ المستحقة لها، فيما توسعت في رفع بند الأجور للهيئات التابعة للجيش والشرطة.
دائرة السيسي
ويرتبط موعد مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية داخل اللجان النيابية، وقرار إحالتها للمناقشة والتصويت في الجلسات العامة، بتعليمات من دائرة رئيس النظام، عبدالفتاح السيسي، والتي تندرج في إطار محاولات الصلح الجارية بين القاهرة والرياض، واستئناف شحنات البترول أخيراً، من شركة "أرامكو" السعودية لمصلحة مصر، وفق مصدر برلماني مُطلع.
ولم يناقش المجلس أي استجواب مقدم ضد رئيس الحكومة، شريف إسماعيل، أو أحد الوزراء، منذ انعقاده في يناير/ كانون الثاني 2016، في سابقة برلمانية وفي مخالفة صريحة للمادة (130) من الدستور، التي تنص على "مناقشة الاستجواب بعد 7 أيام من تاريخ تقديمه، وبحد أقصى 60 يوماً". لكن رئيس البرلمان، علي عبد العال، قام بتعطيل استجوابات تقدم بها النواب بحق الحكومة.
المديونية الأكبر
وقال البرلماني المستقل، سمير غطاس، إن النظام الحالي ممثلاً في الحكومة، يُهدد الاستقلال الوطني، بعدما ورط الشعب في أكبر مديونية بتاريخه، لضخامة الدين الداخلي والخارجي وبسبب فوائد هذه الديون، متهماً الحكومة بمحاولة إفقار المصريين وتجويعهم، نظراً لسياساتها المنحازة للأغنياء على حساب محدودي الدخل، وفق تعبيره. وأضاف في تصريح خاص، أن النواب يواجهون تعطيلاً متعمداً من قبل رئيس البرلمان لأدواتهم الرقابية في مواجهة الحكومة، بهدف إحراجهم أمام ناخبيهم، لا سيما في ظل تسريب معلومات للرأي العام حول اتخاذ الحكومة لقرارات الزيادات المتوالية في أسعار السلع والخدمات، والتي تمس المواطنين بشكل مباشر، من دون العودة للبرلمان.
وجرى تعطيل أعمال اللجنة الاقتصادية في البرلمان، بشكل متعمد، إذ اقتصر دورها في الفترة الأخيرة على مناقشة مواد قانون الاستثمار بهدف تمريره، بعد إصرار "ائتلاف دعم مصر" (ممثل الغالبية) على الدفع برئيس لها من خارج أعضائها، وهي اللجنة المختصة بمناقشة تداعيات الأزمة الاقتصادية ومعاناة المواطنين من جراء ارتفاع الأسعار.
وعن توجه النظام إلى تأجيل الانتخابات المحلية إلى ما بعد الرئاسية، المقرر إجراؤها عام 2018، قال النائب عن حزب "التجمع"، عبد الحميد كمال، إن "إرجاءها إلى أجل غير مسمى لا يصب في صالح الدولة، في ظل تعطيل رئيس البرلمان لمناقشة قانون الإدارة المحلية بدور الانعقاد الحالي، بعدما أودعته اللجنة المختصة بهيئة مكتب المجلس، مطلع فبراير/ شباط الماضي".
وكان السيسي أعلن عن إجراء الانتخابات المحلية قبل نهاية 2016، إلا أن العام مرّ من دون انتخابات أو إقرار للقانون الذي اختفى داخل أدراج البرلمان، بعدما رفضت لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان أربعة مشاريع مُقدمة من النواب بشأن القانون، واكتفت بتمرير المسودة المعدة من الحكومة، والتي تنص على تعيين المحافظين من رئيس الجمهورية وعدم انتخابهم شعبياً.
في السياق ذاته، يتمسك عبد العال، وائتلاف الغالبية، بعدم تمرير قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، إلا من خلال النص الخاص بإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات بحلول عام 2024، وهو الأمر الذي يواجه معارضة حازمة، لأن إقرار هذا البند من شأنه أن يُعيد دائرة الزمن إلى عهود تزوير الانتخابات في مصر، من خلال إشراف السلطة التنفيذية الممثلة بوزارة الداخلية.
الجمعيات الأهلية
ووفقاً لمصادر حكومية وبرلمانية، فإن دائرة السيسي أصدرت تعليمات لعبد العال، تقضي بإبقاء قانون الجمعيات الأهلية بحوزة البرلمان، وعدم إرساله إلى رئاسة الجمهورية، وفقاً للدستور، من أجل تحاشي إصداره في المستقبل القريب، بعدما تعرّض السيسي لضغوط دولية وانتقادات لاذعة بسبب خطورة المواد التي تُحيل أمر إدارة المجتمع المدني إلى الأجهزة الأمنية.
ويستهدف القانون غلق مراكز حقوق الإنسان، التي وثقت انتهاكات نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، والقتل خارج القانون، والإخفاء القسري في عهد السيسي، ما استدعى الدائرة الأمنية للنظام المصري إلى تمرير سريع للقانون في بضعة أيام، انتقل خلالها البرلمان من الموافقة إلى الموافقة النهائية، دون أن يحظى بنقاش تفصيلي داخل أروقة المجلس.
ويحظر القانون تأسيس جمعيات العمل الأهلي بناءً على مصطلحات فضفاضة، كأن يكون من بين أغراضها "نشاطاً محظوراً أو مؤثماً"، أو في المجالات الضارة بـ"الأمن القومي، والنظام العام، والآداب العامة"، أو المشاركة في حملات دعائية انتخابية، وصولاً إلى حظر عملها في مجالات تدخل في نطاق النقابات المهنية أو العمالية.