الجنرال المتقاعد خليفة حفتر؛ قائد الانقلاب في ليبيا، وأحد أبرز الشخصيات في المشهد الليبي بعد الإطاحة بمعمر القذافي. عسكريٌّ تكشف مسيرته الشخصية والعسكرية والسياسية، ملامح تتقاطع مع مسيرة وحكم القذافي، ما يهدّد بإعادة إنتاج المشهد الليبي ما قبل الثورة، إن تمكّن من السلطة. يستعرض "العربي الجديد" في ثلاثة تقارير متتالية، مسيرته الشخصية والسياسية، ومسيرة عائلته الغامضة التي تتوزع في قصور متفرقة بين القاهرة وولاية فيرجينيا الأميركية، وخطط توريث الابن الثاني صدام، إضافة إلى ارتباطاته مع "الخصوم" الثلاثة؛ الولايات المتحدة وروسيا وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وما يلي التقرير الثاني:
كما هو الحال بالنسبة للمواقف السياسية للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وعلاقته بمعمر القذافي والولايات المتحدة سابقاً وروسيا أخيراً، لف الغموض حياة حفتر على الصعيد الشخصي.
زوجة حفتر هي سيدة أمّية من مدينة أجدابيا تزوجها في بداية عقد الثمانينات. رزق منها بابنه البكر خالد وابنته أسماء التي تزوجت لاحقا بأحد أبناء عمومتها الذي يقيم بالقاهرة منذ عام 2013. بقيت زوجته مقيمة في بيته في أجدابيا حتى بعد انتقاله للإقامة في الولايات المتحدة نهاية الثمانينات من القرن الماضي بعد حصوله على حق اللجوء فيها.
وفي مطلع التسعينات، وتحديدا عام 1993، وضعت زوجته ابنه الثاني صدام. وفي العام التالي، وضعت ابنته الثانية، ما يُظهر أن حفتر كان يزور بيته، ولم يكن مطاردا من قبل القذافي، كما زُعم، لا سيما وأن ابنته الثانية ولدت بعد صدور حكم الإعدام عليه غيابيا عام 1993.
قصور العائلة بين فيرجينيا.. والقاهرة
في عام 1995، استضاف النظام المصري أسرة حفتر. وفي مطلع عام 2000، منح القذافي بيتاً للأسرة في القاهرة ومرتبا شهريا قيمته 15 ألف دولار، وهناك ولدت بناته الأخريات وابنه الأصغر عقبة، الذي يقيم حاليا في قصر يملكه والده في مدينة الإسكندرية بولاية فيرجينيا الأميركية.
أما ابن حفتر المنتصر، الذي يبلغ من العمر 34 عاماً حاليا، فقد انتقل أيضا منذ عام 2003 للإقامة في فيرجينيا بالولايات المتحدة، لكن في قصر آخر اشتراه والده في مدينة فالس تشارش.
وتفيد معلومات حصل عليها "العربي الجديد" بأن خليفة حفتر اشترى العام الماضي منزلاً فارهاً آخر في مدينة أرلنغتون الواقعة بولاية فيرجينيا الأميركية.
أما في القاهرة، فقد تخرج خالد حفتر من كلية الاقتصاد والتجارة. وبقيت بناته بعيدا عن الأضواء. بينما ترك ابن خليفة حفتر الآخر، صدام، دراسته منذ نهاية العقد الماضي.
القذافي عراب أبناء حفتر
في عام 2005، زار القذافي أسرة حفتر في بيتهم بالقاهرة. ويوضح الحديث الذي جرى بين القذافي وابنه صدام، والذي تم تسريب تسجيل له، طبيعة العلاقة الطيبة التي تجمع القذافي وحفتر، حيث كان القذافي يكرر الثناء على حفتر ويعتبره أحد أهم أركان حكمه.
ويعكس الحديث المسرب علاقة غير جيدة تربط أبناء حفتر بأعمامهم وربما تضييقا عاشته الأسرة في أجدابيا من قبل أقاربها. يقول صدام حفتر إن أباه "كان كثيرا ما يوصيهم بالذهاب إلى القذافي لأنه راعيهم في غيابه"، وإنه "أقرب إليه من أعمامهم وأبناء عمومته".
صدام على خطى والده
كان صدام أكثر أبناء خليفة حفتر شبها به. يقول مقربون لحفتر إن صدام تلقى دورة تدريبية وتعليماً عسكرياً لبضعة أشهر في الولايات المتحدة، وكان لصيقاً بأبيه أكثر من غيره، بل كان مرافقاً له في تنقلاته بين فرجينيا محل إقامته في الولايات المتحدة، والقاهرة حيث تقيم عائلته.
ومنذ عام 2011، نسج صدام علاقات متينة مع بعض المليشيات في الزنتان التي كانت تحتل معسكرات بطرابلس.
وكانت أولى العمليات العسكرية التي قادها صدام بمعرفة والده هي مداهمته في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2011 مقر بنك الأمان، وهي العملية التي أعلنت عنها حماية البنك في بيان قالت فيه إنه "قتل أحد أفراد الحراسة في مواجهة عسكرية مع مليشيا صدام في محاولة من المليشيا لابتزاز البنك للحصول على مبالغ مالية".
ووفق مصادر عسكرية مقربة من حفتر في قاعدته بالمرج، فإن تصرفات ابنه صدام كانت أحد أسباب فشل "انقلابه التلفزيوني" الذي أعلنه من طرابلس في فبراير/شباط عام 2014، حيث رفضت كتيبة الصواعق والقعقاع تنفيذ أوامر حفتر لهم بالسيطرة على مقر "المؤتمر الوطني" وقتها بسبب وجود ابنه صدام في غرفة قيادة الانقلاب.
وترى المصادر نفسها أن مسلك حفتر مع ابنه هو اجترار لطريقة القذافي في السنين الأخيرة من حكمه، والتي سعى فيها لتوريث ابنه سيف الإسلام الحكم رغم نزقه وتصرفاته العدوانية التي طاولت أركان حكم القذافي.
تنقل المصادر أن "صدام راح يتنقل خارج ليبيا متجولا بين عواصم أوروبا للتنزه، بعدما أبعده والده إثر محاولته سرقة ملايين الدولارات حُولت عبر حساباته الخاصة ثمنا لصفقة أسلحة عقدها والده مع أوكرانيا".
رغم ذلك، يؤكد مقربون من حفتر أنه "أسّر لصدام بعدم ثقته بالضباط الذين من حوله، قائلا إن أغلبهم يعرفهم من زمن القذافي وعندما حانت لحظة سقوطه انفضّوا من حوله". وبحسب المصادر، فإن أغلب الفاعلين هم من أبناء عمومته وعلى رأسهم ابن عمه محمد المهدي الفرجاني، الذي كان يشغل في السابق منصب سكرتير شخصي للواء الخويلدي الحميدي، أحد رجالات انقلاب 1969 وأمين سر القذافي حتى لحظة سقوطه.
تقول المصادر إن "حفتر يطلق بين الفينة والأخرى يد ابنه صدام ضد بعض الضباط المتمردين من حوله، ليقوم صدام بالاعتداء عليهم بالضرب أو الاعتقال". وتلفت المصادر إلى أن حفتر أكد أنه "اصطحب ابنه في زيارات لزعامات قبلية بشرق ليبيا للتعريف به تمهيدا لاستخلافه". كما أنه "اصطحبه للقاء بعض الضباط الفرنسيين والمصريين واشترى له بيتا في العاصمة الأردنية عمان قريبا من بعض أصدقاء حفتر العسكريين الأردنيين".
ويتابع نشطاء ليبيون رحلات صدام السياحية في المدن الأوروبية ويعيدون نشر صوره على صفحاتهم بمواقع التواصل.