ودعا ولد الشيخ أحمد، خلال اجتماع لجنة الأسرى والمعتقلين بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، الأطراف اليمنية إلى "التعاون الجدي"، للإفراج عن المعتقلين والأسرى بأسرع وقت ممكن. وكان موضوع إطلاق المعتقلين مطلباً حكومياً بامتياز، باعتبار أن الحوثيين هم الطرف الذي يعتقل الآلاف من المعارضين، جرى اعتقال معظمهم في المحافظات التي تسيطر عليها "الجماعة". وقدّم الوفد الحكومي أسماء معتقلين وأسرى في سجون الانقلابيين شملت 2630 شخصاً، فيما قدم الانقلابيون أكثر من 3700 اسم، على أن يقدم كل طرف ملاحظات حول الأسماء المقدّمة من الطرف الآخر، أمس الثلاثاء.
وفي الوقت الذي كان فيه اليمنيون يترقبون بشائر إطلاق سراح أعداد من الأسرى والمعتقلين، قبل بداية شهر رمضان، بعدما جرى الحديث عن تقدم في هذا الملف، ألقى الانقلابيون بسحرهم من خلال قوائم الأسرى المقدّمة منهم، وضمت أسماءً اعتبرها بعضهم "مراوغة"، مثل إدراج اسم النجل الأكبر للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، أحمد علي عبدالله صالح. ولم تكن هذه الخطوة، وفقاً لمراقبين، سوى الأحدث بين سلسلة المراوغات ومحاولات الالتفاف التي اعتمدها شريكا الانقلاب، منذ انطلاق المفاوضات في دولة الكويت. ولم يكتف شريكا الانقلاب بوضع أسماء شائكة، كنجل صالح، بل قدموا أسماء مفقودين يُعتقد أنهم قتلوا خلال المعارك. لكن "الجماعة" تطالب بهم لمبادلتهم بأسرى من الموالين للشرعية، الأمر الذي يمثل تحدياً أمام التقدم الذي جرى الحديث عنه في لجنة المعتقلين.
وبدأت سلسلة المراوغات أو الخطوات التي حاول من خلالها الانقلابيون تحقيق مكاسب في أوقات حرجة، مع انطلاق المشاورات، إذ كان من المقرر أن تبدأ في 18 أبريل/نيسان الماضي. وبعد توجه الوفد الحكومي والبعثة الأممية وسفراء الدول الـ18 المشرفة على التسوية في البلاد، إلى الكويت، فوجئ الجميع برفض وفدي جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحزب المؤتمر الذي يترأسه صالح الحضور، واشتراطهما تثبيت وقف إطلاق النار وتقديم "أجندة" واضحة للتفاوض قبل الحضور. وتسبب ذلك بتأخير موعد انطلاق المحادثات إلى 21 من الشهر ذاته، بعد ضغوط دولية وجهود إقليمية.
وأعلن ولد الشيخ أحمد، في أواخر مارس/آذار الماضي، أجندة المفاوضات، موضحاً أنها تتركز حول خمسة عناوين وأبرزها، انسحاب المليشيات والمجموعات المسلحة من المدن، وتسليم الأسلحة الثقيلة للدولة، واستعادة مؤسسات الدولة، ولجنة خاصة بالمعتقلين والأسرى. وأشار إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي 2216 تعتبره الحكومة اليمنية شرطاً مرجعياً لأي خطوات سياسية. وكان من المقرر أن تشكل الأمم المتحدة خمس لجان من المشاركين لمناقشة كل عنوان على حدة، إلا أن الانقلابيين رفضوا الدخول في أي نقاشات، قبل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، مع تركيزهم على إيقاف عمليات التحالف العربي الجوية.
وبعد ضمانات وضغوط دولية تجاوزت المشاورات، نسبياً، عقبات ملف وقف إطلاق النار واتفقت الأطراف برعاية أممية على تقسيم المشاركين إلى ثلاث لجان: سياسية، وأمنية، ولجنة معتقلين وأسرى. ومع بدء اللجان اجتماعاتها تمسك الحوثيون وحلفاؤهم بمطلب واحد يتمثل بأن مختلف الإجراءات التي تطالب بها الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي، مقبولة مبدئياً، غير أن كل ذلك بنظرهم يقتضي أولاً الاتفاق على تشكيل سلطة توافقية تتولى بقية الإجراءات. الأمر الذي اعتبره الجانب الحكومي "محاولة التفاف" على الشرعية، من خلال سعيهم الحصول على شرعية جديدة يصبحون جزءاً منها، وبالتالي يشرعنون سلطة الأمر الواقع.
وخلافاً للأيام والأسابيع الأولى، خفّض ممثلو الحوثيين وصالح محاولات تعطيل الانسحاب، لكنهم لجأوا لاستفزاز الوفد الحكومي بذلك على الطاولة، ما أدى إلى تعليق مشاركته مرتين، كانت آخرها قبل أسبوعين، وجاءت بعد تصريح عضو وفد "الجماعة"، حمزة الحوثي، خلال إحدى الجلسات، بعدم اعترافهم بالمرجعيات. وأعقب ذلك انسحاب الوفد من المشاورات، وعاد بعد ستة أيام، على إثر وساطة من دولتَي الكويت وقطر.
وفي حين كان الحديث عن تطور لافت للجنة الأسرى والمعتقلين في المحادثات التي لم تحقق عملياً تقدماً بارزاً، حتى اليوم، جاءت قوائم الأسماء التي تضم أسرى ومعتقلين وسلّمها الطرفان، يومَي السبت والأحد الماضيين، للمبعوث الأممي، لتكشف مراوغة جديدة حاول من خلالها الانقلابيون التهرب من أبرز الملفات المعقدة.
وتضمنت القائمة إدراج اسم سفير اليمن السابق في الإمارات، نجل المخلوع صالح، أحمد علي عبدالله صالح، الذي شغل سابقاً، أيضاً، منصب قائد قوات الحرس الجمهوري حتى عام 2013. ومهّد شريكا الانقلاب، منذ وقت سابق، لهذه الخطوة، من خلال فرض شروطهم في تسمية لجنة الأسرى والمعتقلين، بالمطالبة أن يضاف إلى اسمها المفقودون والمخفيون قسراً والموضوعون تحت الإقامة الجبرية.
ووفقاً لمصادر مقربة من حزب المؤتمر الشعبي لـ"العربي الجديد"، يتواجد نجل صالح حالياً في أبوظبي، تحت الإقامة الجبرية، منذ بدء عمليات التحالف العربي، العام الماضي، وما تبعها من قرار إقالته. ومثّل إدراج اسمه، بنظر بعضهم، لما يثار حوله من ملفات شائكة، ولكونه أحد الأسماء المشمولة بعقوبات قرار مجلس الأمن 2216، محاولة للتهرب من مطالبات الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي بإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين بالآلاف في سجون الانقلابيين. وأبرز هؤلاء، وزير الدفاع، اللواء محمود الصبيحي، والمسؤول في الاستخبارات، اللواء ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي)، وقادة وسياسيون آخرون.
وفي المحصلة، يبدو الحوثيون وحلفاؤهم قد نجحوا، حتى اليوم، في التهرب من الإجراءات المطلوبة منهم، ولا يزالون يصرون على ربط مختلف المطالب الإجرائية المتعلقة بالانسحاب وإعادة مؤسسات الدولة، بحكومة جديدة أو سلطة توافقية. ويبقى التقدم، لغاية الآن، نظرياً، ما لم تتدخل الأطراف الدولية والإقليمية الراعية لفرض صيغة ما، تجبر من خلالها الطرفَين على تقديم تنازلات حقيقية، لا مراوغات.