وقفز أعضاء البرلمان الموالي بغالبيته الساحقة للرئاسة، على الاتهامات التي تواجههم بالمخالفة المستمرة للدستور، إلى مباركة بيع الأرض، وقرارات الغلاء التي تفرضها اشتراطات قرض صندوق النقد، من دون أي اعتبار للبسطاء الذين انتخبوهم، ويعانون حالياً تحت وطأة تضاعف أسعار جميع السلع والخدمات، خلاف القبض على عشرات الآلاف منهم بدعوى معارضتهم للنظام الحاكم.
وشهد عام 2017 حصاداً مرّاً لهذا البرلمان، الذي وافق على اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي في مارس/آذار الماضي، بعد 4 أشهر كاملة من تسلّم الشريحة الأولى للقرض بواقع 2.75 مليار دولار، بالمخالفة للمادة 127 من الدستور، التي أقرّت بعدم جواز اقتراض السلطة التنفيذية، أو الحصول على تمويل غير مدرج في الموازنة المعتمدة، إلا بعد موافقة مجلس النواب.
وبموجب اشتراطات الصندوق، رفعت الحكومة المصرية في الشهر ذاته، أسعار تذكرة مترو الأنفاق الموحدة بنسبة 100 في المائة، وأسعار المواد البترولية بنسب تتراوح بين 55 في المائة و100 في المائة في يونيو/حزيران، وقيمة استهلاك الكهرباء للمواطنين في المنازل، والمحال التجارية، بنسبة تصل إلى 40 في المائة، ومياه الشرب بمتوسط بلغ 70 في المائة.
تدجين القضاء
في إبريل/نيسان، تورّط مجلس النواب في تعديل قانون السلطة القضائية، الذي أثار موجة غضب واسعة داخل الأوساط القضائية، لمنحه السيسي حق اختيار رؤساء مجلس القضاء الأعلى، ومجلس الدولة، والنيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة، من بين ثلاثة نواب ترشحهم الجمعيات العمومية عن كل هيئة قضائية، عوضاً عن مبدأ الأقدمية الراسخ في القضاء المصري.
ورفضت الجمعية العمومية لمجلس الدولة، بالإجماع، تعديل القانون المطروح، وامتنعت عن إرسال الأسماء المرشحة للسيسي، خلاف الهيئات الأخرى، كون المجلس هو المستهدف من التعديل، لاستبعاد صاحب حكم بطلان اتفاقية التنازل عن الجزيرتين، المستشار يحيى الدكروري، من رئاسة المجلس، بوصفه الأقدم سناً، وهو ما حدث باختيار المستشار أحمد أبو العزم بدلاً منه.
تعديل التظاهر
في الشهر نفسه، أقرّ البرلمان تعديلاً شكلياً على قانون تنظيم حقّ التظاهر، الذي تطالب أغلب المنظمات الحقوقية بإلغائه، لحبس آلاف المعارضين على خلفية نصوصه المقيدة للحريات، اقتصر على المادة العاشرة من القانون، بعد أن استبعدت اللجنة التشريعية في البرلمان التعديلات المقدمة من رئيس حزب المحافظين، النائب أكمل قرطام.
التعديل المقدّم من الحكومة، جاء التزاماً بحكم المحكمة الدستورية في 3 ديسمبر/كانون الأول 2016، بشأن عدم دستورية المادة العاشرة، الخاصة بمنح وزير الداخلية سلطة إصدار قرار مُسبَّب بمنع التظاهرة أو إرجائها أو نقلها، في حالة وجود ما يهدّد الأمن والسلم، والتي لم تؤد بذاتها لحبس أيّ شخص، وبالتالي عدم استفادة أيّ مدان أو محبوس بموجب التعديل. في حين طاولت تعديلات قرطام 11 مادة، وركزت على تخفيف العقوبات، التي تصل للسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنوات، علاوة على فصل المحكمة الدستورية في الطعون المقدّمة بشأن نصوص التظاهر، مع جواز إرجاء أو تغيير مسار التظاهرة لدواع أمنية، وحذف عبارة "فض الاجتماع العام أو تفريق التظاهرة"، حتى لا تتخذ ذريعة للحجر على الحق في التظاهر.
تمديد الطوارئ
في شهر إبريل/نيسان أيضاً، أقرّ البرلمان فرض حالة الطوارئ في جميع أرجاء البلاد، لمدة ثلاثة أشهر، بناءً على إعلان صادر عن السيسي، بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني، في أعقاب التفجيرات "الإرهابية" التي طاولت كنيستين بمحافظتي الغربية والإسكندرية، وذهب ضحيتها 44 قتيلاً، إضافة إلى عشرات الجرحى.
غير أن مجلس النواب عاد، وأقرّ تمديد حالة الطوارئ مجدداً لثلاثة أشهر جديدة في يوليو/ تموز، ثم لمرة ثالثة حتى الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني المقبل، بالمخالفة لنص المادة 154 من الدستور، التي قصرت إعلان الطوارئ على مدة ستة أشهر كحد أقصى، بدعوى أنه "إجراء ضروري لحفظ استقرار البلاد، ومواجهة الأعمال الإرهابية المعرقلة لمسيرة التنمية".
استهداف الألتراس
إلى ذلك، وافق البرلمان على مشروع مقدم من الحكومة على قانون الرياضة، بهدف توقيع عقوبات مُشددة بحق الجماهير، شملت الحبس مُدة لا تقل عن سنة، لكل من قذف أو أهان بالقول أو الإشارة شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، أو حضّ على الكراهية أو التمييز العنصري، أثناء ممارسة نشاط رياضي، ومضاعفة العقوبة إذا وقعت الأفعال على قوات الأمن المشاركة في تأمينه.
ونصّ القانون على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تزيد عن مائتي ألف جنيه، لكل من أنشأ أو نظّم ورابط رياضة بالمخالفة للنظم الأساسية للهيئات الرياضية، والحبس ثلاث سنوات، وبغرامة لا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه، إذا باشر أي من المنتمين لهذه الكيانات نشاطاً يعبّر عن وجودها أو ينشر أفكارها بأي صورة كانت، في استهداف واضح لروابط "الألتراس" الكروية.
تعويضات المقاولين
في شهر يونيو/ حزيران، وافق مجلس النواب على مشروع قانون مقدّم من 76 نائباً، بشأن تعويضات عقود المقاولات والتوريدات والخدمات العامة، والذي نصّ على إنشاء لجنة عليا للتعويضات "تختص بوضع ضوابط ونسب التعويضات المستحقة على عقود المقاولات والتوريدات، التي تكون الدولة طرفاً فيها، أو أي من الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة".
ويعدّ القانون مثالاً فجاً على تضارب المصالح داخل برلمان السيسي، كون غالبية المتقدمين به من المالكين لشركات المقاولات، في حين أقرّت نصوصه "تعويضات في مواضع عدة عن الأضرار الناشئة عن الظروف الاستثنائية، أو أية قرارات يترتب عليها الإخلال بالتوازن المالي للعقود"، في وقت تعاني فيه موازنة الدولة من عجز غير مسبوق بتاريخ البلاد.
اتفاقية الجزيرتين
وجاءت الطامة الكبرى في 14 يونيو الماضي، بتمرير البرلمان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين السعودية ومصر، وتنازل الأخيرة طوعاً عن جزيرتيها الواقعتين في البحر الأحمر، تيران وصنافير، رغم صدور حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا ببطلان توقيع الحكومة المصرية عليها، لما يترتّب عليها من تنازل عن جزء من إقليم الدولة، في مخالفة للمادة 151 من الدستور. ورفض رئيس البرلمان، علي عبد العال، طلباً مقدماً من نحو 150 نائباً بالتصويت على الاتفاقية عبر المناداة بالاسم، وأصرّ على أخذ التصويت برفع الأيدي، في مخالفة صريحة للائحة المنظمة للبرلمان، ما دفع عدداً من النواب الرافضين للاتفاقية للدخول في موجة بكاء حادة داخل القاعة، وسط هتافات "مصرية" و"باطل".
ولم يكترث السيسي بالمذكرة المرسلة إليه من 115 برلمانياً من الرافضين للاتفاقية، والتي تطالبه بإرجاء التصديق عليها لحين فصل المحكمة الدستورية في الدعاوى المنظورة أمامها بشأنها، إذ صادق على الاتفاقية ليلة عيد الفطر الماضي، مستغلاً انشغال المصريين في السفر لذويهم، وتبادل التهانئ، فيما شنّت أجهزته الأمنية حملة موسعة لاعتقال الناشطين المعارضين في العديد من المحافظات.
إلغاء إشراف الانتخابات
استغل عبد العال غياب أعداد كبيرة من النواب عن جلسات البرلمان، في أعقاب تمرير "اتفاقية العار"، بحسب ما يصفها الشارع المصري، وصوّت بشكل مفاجئ في جلسة في 21 يونيو، على مشروع قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، رغم عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم للتصويت، والذي أقرّ بإلغاء الإشراف القضائي على جميع الاستحقاقات الانتخابية بحلول العام 2024.
ونصت المادة 34 من القانون على أن "يتم الاقتراع والفرز في الاستفتاءات والانتخابات، التي تجرى خلال السنوات العشر التالية للعمل بالدستور، وتنتهي في السابع عشر من يناير 2024، تحت إشراف قضائي كامل، مع جواز استعانة الهيئة بأعضاء الهيئات القضائية بعد انتهاء هذه الفترة".
وزعم رئيس البرلمان أن القانون جاء متوافقاً مع المادة 210 من الدستور، التي ألزمت بالإشراف القضائي على الانتخابات لمدة عشر سنوات (على الأقل) من تاريخ نفاذه، الأمر الذي تحفّظ عليه عدد كبير من النواب عند طرح القانون للنقاش في إبريل/نيسان الماضي، مطالبين باستمرار الإشراف القضائي من دون تحديد مدة زمنية.
موازنة غير دستورية
وفي اليوم ذاته (21 يونيو)، مرّر البرلمان موازنة غير دستورية عن السنة المالية (2017/ 2018)، خالفت النسب المنصوص عليها في الدستور في شأن مخصصات التعليم والصحة، بعد مناقشات شكلية لم تستغرق سوى يومين، بعجز بلغ 370 مليار جنيه، وارتفاع في فوائد الديون وصل إلى 381 مليار جنيه، مقارنة بنحو 319 مليار جنيه، و304 مليارات في الموازنة السابقة لها، على الترتيب.
وانحازت الموازنة الجارية إلى مخصصات الأمن والقضاة على حساب الصحة والتعليم، بعدما رفعت مخصصات وزارة الداخلية إلى 41.4 مليار جنيه، مقابل 38 ملياراً في الموازنة السابقة، بزيادة بلغت 3.4 مليارات جنيه، ذهبت في معظمها لبند أجور ضباط وأفراد الشرطة، وديوان عام الوزارة، ومصلحة السجون.
في المقابل، قدّرت مخصصات البحث العلمي في الموازنة بنحو 3 مليارات جنيه، بأقل 25 ملياراً من النسبة الدستورية المستحقة للقطاع، البالغة 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ضمّت مخصصات مياه الشرب والصرف الصحي إلى اعتمادات وزارة الصحة، في تحايل على الدستور، بعدما خصصت 54.922 ملياراً فقط للصحة، بدلاً من النسبة الدستورية المقدرة بنحو 126 مليار جنيه.
زيادة السجائر
عقب انتهاء الإجازة النيابية، وافق البرلمان في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني على مشروع قانون مقدّم من الحكومة بتعديل قانون ضريبة القيمة المضافة، الصادر في عام 2016، بزيادة الضريبة على التبغ ومنتجاته من السجائر والمعسل، وتوسيع الشرائح الضريبية لأسعار بيع السجائر، بنسبة بلغت 14 في المائة، رفعت من أسعار علب السجائر إلى ما بين ثلاثة إلى أربعة جنيهات في الأسواق المحلية.
وفرض مشروع قانون التأمين الصحي الشامل، المقدم من الحكومة، والذي مرره البرلمان، نهائياً، بجلسات الأسبوع الماضي، ضريبة أخرى على أسعار التبغ بنسبة 10 في المائة، وبواقع 75 قرشاً على سعر علبة السجائر، بهدف تمويل منظومة العلاج الجديدة، الأمر الذي يمثّل ضريبة مضاعفة في أسعار السجائر والتبغ، فور تصديق السيسي المنتظر على القانون خلال الأيام القليلة المقبلة.
التأمين الصحي
يلاحق قانون التأمين الصحي شبهة عدم الدستورية، بحسب ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة المرسلة إلى مجلس الوزراء، ممثلة في التدرّج في تطبيق النظام الجديد على محافظات الجمهورية بواقع ست مراحل، واستفادة المصريين المقيمين بالخارج اختيارياً، واستبعاد أفراد القوات المسلحة، وهو ما يخالف الدستور، الذي يلزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين من دون تمييز.
وأفادت ملاحظات مجلس الدولة "بعدم جواز تحصيل مبالغ مالية جبراً من المواطنين، في شكل رسوم واشتراكات، من دون أن يحصلوا على مقابل لذلك، وفقاً لمفهوم العدالة الاجتماعية، التي يقوم عليها النظام الضريبي، وحكم سابق للمحكمة الدستورية العليا في عام 2017، مفاده أن الهدف من فرض الضرائب هو تغطية عجز قائم في موارد الدولة".
تقييد العمل النقابي
كما أقرّ مجلس النواب في 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري، مشروع قانون مقيّد لحرية العمل النقابي، والذي اشترط تشكيل اللجنة النقابية العمالية من خلال 150 عضواً على الأقل، وسط رفض عمالي واسع من قيادات النقابات المستقلة، لعدم استجابة القانون للمستجدات الراهنة، وكفالة حق الحرية النقابية، وحق العمال في تكوين نقاباتهم من دون قيود.
وكانت حملة "الدفاع عن الحريات النقابية" قد هاجمت لجنة القوى العاملة في البرلمان، التي تتشكل غالبيتها من أعضاء اتحاد العمال (الرسمي)، المعينين بقرارات حكومية متوالية منذ عام 2011، مؤكدة رفضها للقانون في صورته الأخيرة، في ضوء وضعه ضوابط مشددة لإنشاء أي نقابة جديدة، علاوة على منحه اتحاد العمال الحكومي حق وضع ميثاق الشرف للمنظمات النقابية، إضافة إلى حظر التمويل الخارجي لجميع التنظيمات العمالية.