مع الإعلان عن تأسيس اللجنة العليا لمكافحة الفساد في السعودية برئاسة ولي العهد، محمد بن سلمان، ثمة أسئلة يطرحها المتابعون حول أسباب إنشائها ودلالاتها وتوقيتها، في ظل وجود جهات حكومية مختصة بالدور نفسه.
وتمتلك السعودية ثلاثة أجهزة حكومية تقوم بالمهمة نفسها، أحدثها "نزاهة" والتي تم إنشاؤها في عهد الملك عبدالله لمكافحة الفساد، فضلاً عن ديوان المحاسبة المؤسس في عام 1971، وهيئة الرقابة والتحقيق.
ويتبادر تساؤل جلي حول مغزى تلك اللجنة في ظل وجود أجهزة حكومية لا تختلف في جوهرها، مثل الجهات الحكومية آنفة الذكر.
ووفقا لديوان المراقبة فإنه يعنى بمراقبة الأجهزة الحكومية، ويناط به إجراء الملابسات المتعلقة بالمحتجزين بتهم الفساد، كونه جهازاً قائماً بذاته، ويعرف بأنه "جهاز رقابي مهني يتمتع بالاستقلالية والمصداقية ويسهم في تحقيق الانضباط المالي ورفع كفاءة الأجهزة المشمولة برقابته، ويعمل على ترسيخ مبادئ الشفافية والحوكمة والمساءلة".
كما ينطبق الدور نفسه على "نزاهة" والتي من أهدافها "العمل على تعزيز مبدأ المساءلة لكل شخص مهما كان موقعه، والوصول إلى الحقائق وكشفها دون تهيب، وعدم التفريق في المعاملة وفق المركز الوظيفي والاجتماعي لمكافحة الفساد أينما وجد". كما أن وجود هيئة الرقابة والتحقيق يزيد من التساؤلات حول جدوى إنشاء لجنة مكافحة الفساد.
ويرى مراقبون أن اللجنة العليا لمكافحة الفساد لا تعدو كونها أداة تم تأسيسها لمآرب غير تلك المتعلقة بالفساد، تتمحور حول إقصاء منافسي محمد بن سلمان لتسهيل وصوله إلى العرش، كونها أسهل الوسائل لإلباس التهم المعلبة والجاهزة وإسباغ صفة الفساد على المتهمين، ما يجعل تطلعهم للحكم في مهب الريح، كما أن وجوده على رأس اللجنة يمحي عنها صفة الاستقلالية بحسب محللين، ما يجعل مصداقية اللجنة في محل شك بالتأكيد.
وكانت دائرة المعارضين لبن سلمان في الآونة الماضية قد أخذت في الاتساع، خصوصاً من أمراء كانوا من أكثر المتطلعين إلى الحكم كمتعب بن عبدالله والوليد بن طلال، ويرون أحقيتهم بالعرش بحكم السن والخبرة، ما جعل إخضاعهم له حينها بعيداً عن دائرة الفساد بعيد المنال، لولا إنشاؤه للهيئة، الخطوة التي يعتبرها الكثيرون غير محمودة العواقب.
ويرجح أن تشمل قوائم الفاسدين جميع من يرفض مبايعته ملكاً بصرف النظر عن مكانتهم في العائلة. وتتناغم هذه الخطوة مع خطة بن سلمان بكبح المعارضين المحتملين من داخل الأسرة، بعد أن منع العديد منهم من السفر، والحجر على أموالهم وممتلكاتهم وإخضاعهم جميعا بالتهديد بورقة الفساد.
ويقول متابعون إن إعلان إنشاء اللجنة والقبض على المتهمين في ذات اليوم يكشفان النوايا المبيته لاحتجازهم قبل أن يبدأ التحقيق معهم، والتحقق من ارتباطهم بالفساد أو عدمه.
ويستطرد هؤلاء أنه لم يكن لمحمد بن سلمان الكثير من السبل للوصول إلى مبتغاه بعد أن أرغم وليي العهد السابقين، مقرن بن عبدالعزيز، ومحمد بن نايف، بالتهديد المبطن بالتنازل عن ولاية العهد لصالحه. ويخمن مراقبون أن تستمر الاعتقالات حتى توريث العرش، الذي يبدو أنه صار حتمياً.