بعد نحو سبع سنوات من اندلاع الثورة المصرية، اتحدت قوى المعارضة، دفاعاً عن القدس المحتلة، ضد القرار الأميركي باعتبارها "عاصمة إسرائيل". دعوات التظاهر في مصر شملت جميع أطياف المعارضة، من دون محاذير، ولا استثناءات، بل اتخذت مؤسسات من داخل النظام ذاته مواقف مناوئة لموقف السلطة الحاكمة. وهو ما تجسد في البيان الأخير لشيخ الأزهر، أحمد الطيب، الذي أعلن فيه رفضه طلباً رسمياً من نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، للقائه في 20 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. وتحفظ الطيب على الجلوس مع "مَن يزيّفون التاريخ، ويسلبون حقوق الشعوب، ويعتدون على مقدساتهم، مطالباً الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) بالتراجع فوراً عن قراره الباطل شرعاً وقانوناً"، بعد أن حمّله المسؤولية الكاملة عن "إشعال الكراهية في قلوب المسلمين، وكل محبّي السلام في العالم، وإهدار كل مبادئ الديمقراطية والعدل والسلام". ووجّه الطيب نداءً عاجلاً لأهالي القدس، قائلاً: "لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم، ومحبتكم لوطنكم. ونحن معكم ولن نخذلكم". ولاقى بيان شيخ الأزهر استحساناً واسعاً، لدى عموم المصريين، في مقابل محاولات حثيثة من الرئيس عبدالفتاح السيسي وبرلمانه لإطاحة الطيب من منصبه، خلال العامين الأخيرين تحديداً، من دون جدوى.
وبحسب مراقبين، فإن "انتفاضة القدس استطاعت أخيراً توحيد أحزاب المعارضة في مصر، وإلقاء طوق النجاة لها من عثرتها الطويلة، واقتصار دورها على إصدار البيانات من داخل المكاتب، إذ دعت الأحزاب بوضوح هذه المرة إلى التظاهر انطلاقاً من الجامع الأزهر، غير أن القبضة الأمنية حالت دون خروج التظاهرة الحاشدة إلى الشوارع".
وجمعت الهتافات المناوئة للسيسي نشطاء المعارضة، أمام مقر نقابة الصحافيين، الخميس الماضي، بعد حملهم صوراً له، إلى جوار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تُشير بعلامة (إكس) حمراء على وجهيهما، ومدوّنة عليها عبارة "القدس عربية"، وسط اتهامات للرئيس المصري بخيانة القضية الفلسطينية، وأدائه دوراً فاعلاً فيما يُسمى بـ"صفقة القرن".
وصدر بيان مشترك لأحزاب وحركات شبابية شاركت في الاحتجاجات السلمية بالجامع الأزهر، تعبيراً عن رفضها قرار الرئيس الأميركي بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلّة، بدلاً من تل أبيب، تأكيداً لعروبة القدس كعاصمة أبدية لدولة فلسطين. ودعت الأحزاب نظام السيسي إلى "قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، وأي دولة تُقدم على نقل سفارتها إلى القدس المحتلة"، مطالبة الشعب المصري بـ"التعبير عن غضبه، من خلال استخدام حقه القانوني، والدستوري، في التعبير السلمي عن دعمه القدس، وتشكيل وفود شعبية للتوجه إلى جامعة الدول العربية، ومقر الأمم المتحدة".
ولم تتهم تلك الأحزاب جماعة الإخوان باستغلال الحدث للدعوة إلى التظاهر، كما حدث مراراً منذ انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، في حين خرجت الجماعة ببيان معتدل، يؤكد احترامها القوى الوطنية، واعتبار أن قرار ترامب "هو والعدم سواء"، و"لن يُغير من حقائق التاريخ والجغرافيا، التي تؤكد أن القدس أرض محتلة".
ووجهت الجماعة نداءً إلى الحكام العرب، والمسلمين، للدعوة إلى انعقاد قمة طارئة بشكل فوري، تتوحد فيها الجهود والإرادات والقرارات، نصرة لقضية القدس، واتخاذ قرارات من شأنها دعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني، علاوة على قطع السلطة الفلسطينية كافة أشكال الاتصال والتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال.
كذلك شنّ عدد من المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية هجوماً واسعاً على موقف النظام الحاكم، إذ اعتبر رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، أن "قرار ترامب نتيجة طبيعية لسنوات طوال، مارست فيها الأنظمة العربية سياسات التطبيع والهرولة والانبطاح أمام العدو الصهيوني". وأضاف أن "ردود الفعل العربية الرسمية لم تعد تشغل أحداً من قادة العالم، ولم تعد تحذيراتهم من انفجار الوضع في المنطقة تقلق صناع تلك القرارات الاستعمارية، كون الجميع يعلم أنهم مندوبون، ويحكمون المنطقة بالوكالة، ونجحوا في مهمتهم بالقضاء على روح الربيع العربي وإسقاط إرادة الشعوب".
وعلى هامش مشاركته في وقفة احتجاجية للصحافيين، يوم الخميس الماضي، وصف مؤسس حزب تيار الكرامة، حمدين صباحي، قرار الرئيس الأميركي بـ"المُهين والمجحف، لانتهاكه الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني"، داعياً النظام المصري إلى "قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، وطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وإغلاق سفارة بلاده". وأضاف صباحي أن "على الحكام العرب التوقف عن دفع المليارات لأميركا، فالشعب العربي لن يسكت على هذه المهانة".
بدوره، ذكر الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، أن "إعلان القدس عاصمة لإسرائيل يمثل انتهاكاً صريحاً للشرعية الدولية، ويقضي على جهود السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي"، محذراً من "تداعيات القرار في إشعال فتيل الغضب لدى الشعوب، وعدم اكتفاء جامعة الدول العربية بإصدار بيانات الشجب، عقب اجتماعها الطارئ".
وتقدمت مجموعة برلمانية معارضة لمواقف السيسي وحكومته بمشروع قانون "يحظر شراء أو استيراد أية منتجات أميركية إلى مصر بصورة مباشرة، أو من خلال وكلائها، أياً كان منشأها"، واقتصار الاستيراد على "حالات الضرورة التي يُحددها الوزير المختص، بعد العرض على مجلس الوزراء، واشتراط موافقة مجلس النواب".
ودعا تكتل (25 - 30) البرلماني إلى اجتماع قمة عربي إسلامي، لنظر سحب كافة الأرصدة والاستثمارات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة، والتأكيد على "حق الشعب العربي في تحرير كل الأراضي المحتلة كخيار وحيد"، منادياً بـ"استدعاء السفير المصري لدى الولايات المتحدة للتشاور وانتفاض الجماهير حفاظاً على الأرض والمقدسات".
وصعّد البرلماني المصري، هيثم الحريري، من نبرة الهجوم على النظام، مؤكداً أن "قرار ترامب مدفوع الثمن، ومتفق عليه بين الحكام العرب في السعودية كجزء من صفقة القرن"، مستبعداً "تحرّك أحد من المسؤولين في بلاده لاتخاذ قرار، سواء من مجلس النواب أو رئيس الجمهورية، الذين سيتحملون عار التفريط في الأرض العربية".
كذلك أعلنت نقابات مهنية مصرية عن رفضها التام قرار أميركا، التي صنفتها "كقوى إرهاب دولية، تجب مقاومتها"، مطالبة كافة أعضائها بـ"تفعيل قرارها بإعلان مقاطعة منتجات الولايات المتحدة، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام سفارة واشنطن، للمطالبة بطرد السفيرين الأميركي والإسرائيلي من الأراضي المصرية".
ودعت النقابات، في بيان مشترك لها، إلى "رفع العلم الفلسطيني على كافة مقرات النقابات المهنية في القاهرة والمحافظات، ودعوة جميع النقابات المهنية العربية لاتخاذ الإجراء ذاته، وتشكيل لجنة تحت اسم لجنة (تحرير فلسطين) في كل نقابة تعمل على توعية أعضائها بحقيقة الصراع العربي الصهيوني، باعتباره صراع وجود لا حدود".
واستخدمت قوات الأمن المصرية العنف المفرط في فض تجمعات المصريين الداعمين للقضية الفلسطينية، واعتقلت مجموعة منهم، من بينهم صحافيون وخمسة معارضين، بدعوى انتمائهم إلى حركة تدعى "غلابة"، بادّعاء تحريضهم على التظاهر لرفض قرار الولايات المتحدة وتأليب الرأي العام وإثارة المواطنين ضد السلطة الحاكمة.
وحذرت سفارة واشنطن في القاهرة رعاياها من الاقتراب من في أماكن التظاهرات والتجمعات في مصر، مؤكدة علمها بوجود دعوات للتظاهر والاحتجاجات خلال الأيام المقبلة، وأن بعضها قد يشهد عنفاً، مطالبة موظفيها غير الأساسيين بـ"تحجيم وجودهم" في مقر السفارة، الكائن بمنطقة غاردن سيتي، بعد ساعات العمل الرسمية والعطلة الأسبوعية.