لم يخلق تعيين رئيس الوزراء السابق جان مارك أيرولت (66 عاماً) وزيراً للخارجية خلفاً للوزير السابق لوران فابيوس، الذي تم تعيينه رئيساً للمجلس الدستوري، مفاجأة كبيرة في الوسط السياسي الفرنسي. وبدا واضحاً أن منصب وزير الخارجية، وهو الثاني في الحكومة من حيث الأهمية السياسية، بات من حظ الشخصيات السياسية الوازنة ذات الخبرة والمراس الكبيرين، وتحديداً من صنف رؤساء الحكومات السابقين.
اقرأ أيضاً: الحكومة الفرنسية الجديدة: إيرولت للخارجية وعودة حزب "الخضر"
أيرولت خلف فابيوس الذي كان رئيس وزراء سابقا. وفابيوس نفسه حلّ سابقاً محلّ آلان جوبيه، الذي شغل أيضاً منصب رئيس وزراء سابق في عهد الرئيس السابق جاك شيراك. ميشال دوبريه قبلهم، شغل منصبي رئيس الوزراء ثم وزير الخارجية.
وحرص الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند هذه المرة، على اختيار رجل سياسي يضع فيه ثقته الكاملة ويتمتع بتجربة سياسية كبيرة؛ وهي خصال وجدها متوافرة في أيرولت الذي سبق أن شغل رئاسة أول حكومة اشتراكية في ولاية هولاند الرئاسية من العام 2012 إلى 2014.
ورغم أن أيرولت لا يرتبط بعلاقة صداقة حميمة مع هولاند، غير أنه كان ولايزال ضمن حلقة ضيقة من كبار الشخصيات الاشتراكية الوفية لهولاند. ورغم أن الرجل يحتفظ بذكرى سلبية عن الطريقة التي تم إخراجه بها من رئاسة الحكومة، وتعويضه برئيس الوزراء الحالي مانويل فالس في 31 مارس/ آذار 2014، فإنه برهن على كثير من ضبط النفس والاتزان واختار الانزواء والعودة إلى مدينة نانت كنائب برلماني من دون أن يوجه سهام النقد للرئيس هولاند في وسائل الإعلام.
وإذا كان أيرولت وفر على هولاند الانتقادات المباشرة، فإنه كشف في فيلم وثائقي أنجزته ابنته وبُث العام الماضي في القناة الفرنسية الثالثة عن امتعاضه من الطريقة التي كان يتدخل فيها هولاند في العمل الحكومي أثناء مهمته كرئيس للحكومة، وتذمره بشكل خاص من التعليمات التي كان يوجهها هولاند أحياناً من وراء ظهره لبعض الوزراء في حكومته. لكن حتى في معرض هذه الانتقادات، لم يعبر أيرولت عن تحامل شخصي أو حقد اتجاه هولاند. كما لم يخف تضايقه من خَلَفِه مانويل فالس الذي يختلف عنه في كل شيء من الطابع الشخصي البحت إلى الخيارات الإيديولوجية. وكان فالس يشغل منصب وزير الداخلية في حكومته، وأقرّ خلال الفيلم الوثائقي المذكور بأنّه كان على عِلم بتواطؤه مع وزراء آخرين منهم أرنو مونبورغ وبونوا هامون، بهدف إزاحته من رئاسة الحكومة.
لهذا تبقى نوعية العلاقة التي تربطه من الآن فصاعداً مع فالس، الذي صار رئيسه، علامة استفهام كبيرة. إلا أن مراقبين للسياسة الفرنسية لا يستبعدون أن يكون هناك تفاهم ضمني بين هولاند وفالس حول طبيعة العلاقة التراتبية مع أيرولت، بشكل يجعل من هذا الأخير يدور في فلك الرئاسة بدلاً من الحكومة تفادياً للخلافات.
ويرى مراقبون بأن عودة أيرولت إلى الحكومة من الباب الواسع في منصب الخارجية، هي في الواقع نوع من إعادة الاعتبار له من قبل هولاند، الذي يكنّ له الكثير من الاحترام، ويثمن عالياً وفاءه وإخلاصه خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة الحكومة.
وعلى بُعد 15 شهراً من الانتخابات الرئاسية المقبلة، يبدو واضحاً أن هولاند يريد من خلال تولي أيرولت وزارةَ خارجية، سير ولايته من دون تعقيدات وبسياسة واضحة المعالم تطبق توجيهاته بالحرف، خصوصاً في الملفات الكبرى، وتحديداً الحرب السورية ومحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وتمتين العلاقات مع الدول العربية في الخليج وفي شمال أفريقيا. ويعول هولاند كثيراً على أيرولت فيما يخص ملفات الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع ألمانيا، لكونه واحداً من السياسيين الفرنسيين القلائل، الذين يجيدون اللغة الألمانية، وله معرفة عميقة بالسياسة الجرمانية، وتربطه علاقات وثيقة بشخصيات ألمانية وازنة. وسيكون على أيرولت، ذي الطبع الهادئ والشخصية الباردة، أن يعيد الحيوية إلى الخارجية الفرنسية في محيطها الأوروبي، لأن فابيوس كان شبه غائب عن هذه الساحة، بسبب انهماكه منذ تعيينه عام 2012 في الملف النووي الإيراني والحرب السورية وقمة المناخ، وأهمل الملفات الأوروبية الساخنة، خصوصاً الأزمة اليونانية وقضية اللاجئين.
اقرأ أيضاً: استقالة وزيرة العدل الفرنسية... الحكومة الاشتراكية بلا يسار