في تطور خطير، لجهة تشريع وتبرير سرقة الأراضي وتجييرها لخدمة المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، أعلن المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، أفحاي مندلبليت، أمس الاثنين، أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، تراجعه عن قرار قضائي سابق له يمنع الاستيلاء على 45 دونما من الأراضي الفلسطينية القائمة في قلب مستوطنة عوفرا بالقرب من رام الله، وجواز الاستيلاء عليها واستخدامها لصالح المستوطنين، حتى لو بقيت مسجلة باسم أصحابها الفلسطينيين.
وجاءت هذه الخطوة في سياق تحول لافت في موقف مندلبليت، عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية تراجعها عن موقفها السابق بعدم توسيع منطقة نفوذ وخريطة البناء في مستوطنة عوفرا على هذه الأراضي، التي كان الاحتلال قد اعترف سابقا بأنه تم ضمها للمستوطنة غير الشرعية أصلاً، عن طريق الخطأ.
وادعى مندلبليت، في قرار جواز السيطرة على هذه الأراضي وتسخيرها لصالح المستوطنين، بالاستناد إلى البند 5 من الأمر العسكري بشأن ممتلكات الدولة، علما أن المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، حاول العام الماضي تكريس الاعتماد على هذا البند، كبديل لقانون تسوية الاستيطان، الذي سنته الحكومة الإسرائيلية مطلع العام، بهدف "تبييض" من وجهة النظر القانونية الإسرائيلية، آلاف المباني السكنية التي أقامتها في مستوطنات مختلفة على أرض فلسطينية خاصة، خلافا لما كان متبعاً.
وكان القانون وقضاء الاحتلال الإسرائيلي قد ميّز بين الأراضي بملكية خاصة، وبين ما تسميه دولة الاحتلال، أراضي دولة، وهي الأراضي الواسعة في الضفة الغربية التي كانت تابعة للحكومة الأردنية، قبل احتلال العام 1967، وادعت حكومة الاحتلال أنها باتت ملكا لها ويحق لها التصرف بها كما تشاء.
وكان هذا التمييز في تصنيف الأراضي بين أراض بملكية خاصة وبين "أراض عامة"، أو أراضي دولة، وفق تعبير دولة الاحتلال، ظهر للمرة الأولى في أواخر السبعينات، وتكرس رسميا في قرار المحكمة الإسرائيلية العليا الذي صدر في أكتوبر/ تشرين الأوَّل 1979، وألزم حكومة الاحتلال بتفكيك مستوطنة ألون، التي أقيمت بداية على أراض فلسطينية خاصة، جنوبي شرقي نابلس.
ويشكل قرار مندلبليت، الذي عارض طيلة العام الحالي قانون شرعنة المستوطنات المذكور، تحولا خطيرا، خصوصا في ظل "الرأي القانوني" الذي وفره الأسبوع الماضي لوزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، بشأن جواز مصادرة أراض فلسطينية بملكية خاصة، من أجل شق وتعبيد طريق إلى البؤرة الاستيطانية حورشاه، بالاعتماد على قرار أصدره مطلع الشهر الماضي القاضي الإسرائيلي سليم جبران، واعتبر للمرة الأولى، وفي سابقة قضائية تخالف القانون الدولي، "أن المستوطنين في الأراضي المحتلة جزء من السكان المحليين في المكان، ويحق لهم الاستفادة من مصادرة أراض فلسطينية، خاصة للاستعمالات العامة لخدمة المستوطنين، مثل شق طرق عليها، أو حتى إقامة مرافق خدماتية مختلفة".
كما جاء قرار المستشار القضائي بشأن جواز السيطرة على الـ45 دونما في مستوطنة عوفرا رغم ملكية الفلسطينيين لها في الرد الذي قدمته الحكومة الإسرائيلية للمحكمة العليا، أمس، على التماس رفعه أصحاب الأراضي الأصليين من قريتي عيبن يبرود وسلواد، ضد نية الاحتلال توسيع الخريطة الهيكلية لمستوطنة عوفرا، لتشمل أيضا قطع الأرض التي يملكونها، والتي تصل مساحتها 45 دونما.
وكان الاحتلال قد أقر سابقا أن هذه القطع ضمت للمستوطنة بطريق الخطأ، إلا أن قرار المستشار القضائي أمس يخطو خطوة إلى الأمام ويعلن جواز الاستيلاء عليها، واستخدامها، حتى دون نقل الملكية الرسمية عليها من أصحابها وفرض التعويض القسري عليهم.
ويشكل هذا الموقف عملياً، تبنياً للاقتراحات التي حاول الاحتلال التقدم بها العام الماضي، وقام بفحصها قانونيا، خلال مساعي سن قانون شرعنة المستوطنات والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، في سياق محاولات تفادي تطبيق قرار المحكمة الإسرائيلية بإخلاء وتفكيك البؤرة الاستيطانية عامونا، التي كانت تقوم بيوتها أيضا على أراضي سكان فلسطينيين، من قرى عين يبرود وسلواد والطيبة.