لكن ظاهرة الاختلاس في البلاد لم تعد مقتصرة على القطاع الحكومي، إذ طاولت أخيراً القيادي البارز في التيار الصدري جواد الكرعاوي، الذي فرّ إلى خارج البلاد في العاشر من شهر إبريل/نيسان الحالي بعد اختلاسه مبلغاً يقدر بنحو أربعة مليارات دينار عراقي نحو (3.5 ملايين دولار).
وتولى الكرعاوي، الملقب بأبي أكثم، رئاسة الهيئة الاقتصادية في التيار، فضلاً عن كونه عضو مجلس إدارة مطار النجف الدولي.
ووفقاً لمصادر سياسية في بغداد والنجف، تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن الكرعاوي اختار الأردن لعدم وجود تأثير عراقي عليه كما في لبنان وإيران حيث يرتبط مع شخصيات في البلدين الأخيرين بعلاقات تجارية واستثمارية. وتشير المصادر إلى أن الكرعاوي قام بتحويل المبالغ إلى خارج العراق قبل فراره بمدة.
ويُعيد فرار الكرعاوي، رجل الصدر البارز، إلى الأردن للذاكرة حالات مماثلة من فرار أحد الشخصيات السنية البارزة إلى إيران عام 2007، بعد اختلاسه مبالغ مالية من لجنة إعمار حكومية، لينتقل بعدها إلى إحدى الدول الأوروبية. وهو ما يلخص معادلة نفوذ وعلاقات القوى العراقية المختلفة مع دول الجوار، وضعف الجانب القضائي في البلاد.
وبدأت تفاصيل قضية الكرعاوي تتسرب، بعدما أعلنت الشرطة العراقية يوم الاثنين الماضي عن تطويق قوات كبيرة من مليشيا سرايا السلام لمطار النجف الدولي، مدججة بالأسلحة. واقتحمت صالة المطار، لتعلن مصادر أمنية عراقية حينها أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر علم بمسألة فرار الكرعاوي، وأمر أتباعه بمحاصرة المطار ومنعه من المغادرة، إلا أن الوقت كان قد تأخر كثيراً على ذلك إذ أقلعت الطائرة في الساعة الثانية ظهراً فيما تم تطويق المطار في الثالثة والنصف.
ولم ينفِ رئيس كتلة الأحرار في التيار الصدري في النجف، وسام الأزيرجاوي، إعلان التيار براءته من جواد الكرعاوي، قائلاً إن "أمره حالياً متروك للقضاء". وأوضح أنه "في الوقت الحالي لا توجد هيئة اقتصادية للتيار، ولا يوجد لدينا ممثل عن التيار الصدري بمطار النجف". وكان الصدر قد أصدر يوم الأحد الماضي بياناً أعلن فيه إلغاء الهيئة الاقتصادية في التيار الصدري المسؤولة عن جمع التبرعات والأموال وإدارة شؤون التيار. وهي نفسها التي كان الكرعاوي يديرها منذ سنوات. وقال الصدر إنه "أمر بإغلاق الهيئة الاقتصادية التابعة للتيار الصدري فوراً"، مبيناً أنه "استكمالاً لمشروع الإصلاح العام والخاص أجد لزاماً إصدار قرار يتضمن تحريم ومنع أي عمل مالي أو تجاري حكومي".
وبحسب مصادر من التيار، فإن زعيم التيار مقتدى الصدر وبعد وصول عدة شكاوى تتعلق بالفساد داخل مطار النجف، وتورط رجله الأول فيها فضلاً عن الثراء الفاحش، أمر بتجريده من مهامه ومخاطبة هيئة النزاهة لفتح تحقيق معه، وهو ما دفع الكرعاوي إلى الفرار مع مبلغ 4 مليارات دينار عراقي.
وكان الصدر قد أصدر بيانا ثانيا طالب فيه عناصره بعدم التعرض لعائلة الكرعاوي أو أشقائه، بعد قيام مليشيا السلام بتطويق منزله ومنازل أشقائه.
والكرعاوي، حسب ما هو متوفر عنه من معلومات، هو أحد الذين سكنوا مدينة النجف عقب الاحتلال في حي عشوائي خارج مركز المدينة يعرف باسم حي الرحمة. وعيّن مدرساً في ثانوية بالمنطقة نفسها. وخلال فترة العنف الطائفي عام 2006 برز اسمه كأحد قادة مليشيا جيش المهدي ورشح في الانتخابات عام 2010 عن قائمة التيار الصدري، وتمكّن من الفوز بعد وعود قطعها لسكان العشوائيات بتمليكهم قطع أراض يبنون عليها منازلهم الخاصة. ويملك حالياً ناديا للفروسية و"مولاً" تجاريا كبيرا وسط النجف، فضلاً عن مجموعة مبان سكنية، وشركة مقاولات بالشراكة مع تجار لبنانيين.
من جهته، يقول النائب المستقل عن محافظة النجف، علي شكري لـ"العربي الجديد"، إن الكتل السياسية الكبيرة هي من تسيطر على مجلس إدارة مطار النجف من أجل الحصول على المال لتمويل أحزابها، فيما النجف تعيش في وضع مادي صعب ولا توجد خدمات كافية للمواطنين". ويعتبر أن "هذا الملف واحد من عدة ملفات فساد"، داعياً الحكومة إلى تسلم إدارة مطار النجف مصدر الفساد الأول وحل مجلس الإدارة فيه.
ويعد ملف الفساد في مطار النجف الدولي واحداً من المشاكل الحالية بين الكتل السياسية التي اتفقت على وجود مجلس إدارة في المطار مؤلف من ممثلين عن كتل وأحزاب النجف الرئيسة، أبرزها حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري. وتتوصل الكتل إلى طريقة لتقاسم الأرباح والعقود داخل المطار خصوصاً في المواسم الدينية السنوية، إذ تشهد المدينة وصول نحو أربعة ملايين سائح ديني.