تضغط روسيا على المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً لدفعها للعودة إلى طاولة مفاوضات جنيف والتوقيع على حل سياسي يعيد إنتاج النظام، ويبقي بشار الأسد في سدة الحكم. هذا الضغط تجلى في تهديدات روسية باستهداف فصائل المعارضة السورية، واستمرار الغارات على مدن تُشكّل حاضنات شعبية للمعارضة.
وكانت مدينة إدلب هذه المرة هدفاً للروس، إذ قُتل أكثر من ستين مدنياً وأصيب العشرات في قصف روسي استهدف المدينة مساء أول من أمس الإثنين، وصفه ناشطون بالوحشي وطاول مستشفيات ومسجداً، وبيوت مدنيين، غداة استقالة كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية محمد علوش. وضرب الطيران الروسي مدينة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة منذ أكثر من عام، مستهدفاً بعدة غارات مراكز حيوية يرتادها مدنيون، ما أدى إلى مقتل أطفال ونساء. ونشر ناشطون مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت حجم الدمار الذي تعرضت مرافق حيوية وبيوت مدنيين، وخروج أكبر مستشفيات المدينة عن الخدمة بسبب قصف محيطها بعدد من الصواريخ.
وأعلن مجلس المدينة أن إدلب باتت "مدينة منكوبة"، مشيراً في بيان إلى أنها تعرضت إلى أكثر من أربعين غارة خلال اثنتي عشرة ساعة، محمّلاً المجتمع الدولي مسؤولية استهداف المدنيين من قِبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام، التي استهدفت أمس الثلاثاء مركز تلقيح أطفال في بلدة كفر تخاريم بريف إدلب ما أدى إلى مقتل وإصابة أطفال.
يأتي ذلك في الوقت الذي لم تتوقف فيه غارات الطيران الروسي، ومقاتلات النظام على مدينة حلب وريفها أمس، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، بينهم عدد كبير من الأطفال، خصوصاً في بلدة حريتان شمال حلب والتي تتعرض للقصف بشكل شبه يومي، على وقع معارك ليست بعيدة عنها بالقرب من مدينة مارع حيث يحاول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) اقتحامها، بالتزامن مع تحرك قوات "سورية الديمقراطية" التي تُعدّ الوحدات الكردية ثقلها الأساسي باتجاه مدينة منبج الخاضعة للتنظيم.
وحاولت وزارة الدفاع الروسية التنصل من مسؤوليتها عن المجازر في إدلب، نافية قيام طيرانها بشن غارات على المدينة مساء الإثنين. جاء ذلك في وقت هدد فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فصائل المعارضة السورية، إذ أعلن أن "موسكو لم تتخلَ عن قرارها ضرب التشكيلات المسلحة التي لم تنضم للهدنة في سورية"، مشيراً إلى أن المهلة المعطاة للمسلحين تنتهي هذا الأسبوع. وقال في مقابلة لصحيفة روسية أمس الثلاثاء: "طلبت منا الولايات المتحدة تمديد المهلة عدة أيام، قبل سريان الخطة التي أعلنا عنها سابقاً، والتي سيصبح وفقها كل من لم ينضم للهدنة هدفاً مشروعاً بغض النظر عما إذا كان مدرجاً على قوائم الإرهابيين أو لا. لقد طلب منها الأميركيون عدة أيام إضافية لكي يقدّموا ردهم، وتنتهي هذه المهلة الإضافية هذا الأسبوع".
وترى المعارضة السورية أن القصف الروسي المتواصل الذي يستهدف المدنيين في المناطق التي تشكّل الحاضنة الشعبية للثورة، هو محاولة للضغط على المعارضة للعودة إلى طاولة التفاوض في جنيف والتوقيع على حل سياسي يعيد إنتاج النظام، ويكرس الواقع الموجود في سورية، ويفتح الباب واسعاً أمام وجود روسي وإيراني بعيد الأمد.
وفي هذا الصدد، يشير رئيس وفد المعارضة المفاوض أسعد الزعبي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الضغط الروسي على المعارضة سياسي وعسكري والهدف منه فرض حل يُبقي الأسد في السلطة مع "حكومة انتقالية"، وهو ما ترفضه المعارضة بالمطلق، مصرة على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، ومن دون أي وجود للأسد في السلطة.
اقــرأ أيضاً
من جهته، يقول المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة رياض نعسان آغا، أن الحرب الروسية ضد السوريين مستمرة ولم تتوقف، مضيفاً في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هم وضعوا الهدنة وهم أول من خرقها، وكان ردنا تأجيل المفاوضات حتى يتم الالتزام بوقف قصف المدنيين، وتحقيق بنود القرار الدولي 2254"، مشيراً إلى أن تصاعد القصف "يزيد الأمر تعقيداً".
وتقول مصادر في المعارضة السورية إن هناك ضغوطاً كبيرة من قِبل روسيا والولايات المتحدة الأميركية على المعارضة للحصول على "تنازلات مؤلمة" منها "تأجيل طرح رحيل الأسد عن السلطة"، وهو ما دفع علوش لتقديم استقالته من عضوية الوفد المفاوض. ولكن نعسان آغا يؤكد لـ"العربي الجديد" أن علوش قدّم استقالته "احتجاجاً على مواقف المجتمع الدولي، ولشعوره بالخيبة، ولا علاقة لاستقالته بالضغط الروسي الذي لم يتوقف ولكننا لم نستجب له"، مشيراً إلى أن علوش سيبقى عضواً في الهيئة، لافتاً إلى أنه لم تُناقش أية استقالات أخرى، ولم تُطرح بعد أسماء بديلة.
ومن المنتظر أن تجتمع الهيئة العليا للمفاوضات خلال الأيام القليلة المقبلة للبت في الاستقالة والبحث في مسألة استبعاد الزعبي عن رئاسة الوفد المفاوض، في ظل أنباء عن احتمال أن تترأس الوفد بسمة قضماني، العضو في الهيئة العليا، وهي أنباء رفضت شخصيات في المعارضة التعليق عليها. وكان نعسان آغا كشف منذ أيام لـ"العربي الجديد" أن الهيئة العليا للمفاوضات "ستبدأ حواراً وطنياً مع كل أطياف المعارضة لتحقيق تمثيل أوسع، ووحدة وطنية أمتن". ومن المرجح ضم شخصيات من معارضتي موسكو والقاهرة، تتفق مع الهيئة العليا للمفاوضات على "رؤى مشتركة" للحل السياسي في سورية، وجوهره استبعاد الأسد من السلطة وصياغة دستور جديد للبلاد تجري على أساسه انتخابات نيابية ورئاسية.
ولا تزال موسكو تصر على إدخال أحزاب كردية سورية متحالفة معها في وفد المعارضة، وعلى رأسها حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي بزعامة صالح مسلم، والمتهم من قبل منظمات دولية بارتكاب جرائم تطهير عرقي في شمال سورية. لكن المعارضة ما زالت متصلبة برفضها هذا الأمر، معتبرة هذا الحزب حليفاً للنظام، إذ تنسق ذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب) مع قوات النظام، وتتلقى دعماً جوياً غير محدود من الطيران الروسي والذي مكّنها من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في ريف حلب الشمالي من المعارضة السورية.
وكان الائتلاف الوطني السوري، قد اتهم في بيان صدر الأحد الماضي، الوحدات الكردية بمحاولة "استغلال شعار محاربة الإرهاب، من أجل تحقيق أهداف خاصة هي مشروع احتلالي جديد لكسر إرادة السوريين"، محذراً من استمرار التوجّه الحالي الذي يحصر الدعم العسكري الفعال بهذه المليشيا، التي اتهمها الائتلاف بالارتباط بـ"نظام الأسد الإرهابي وحلفائه"، والتي "ترتكب الجرائم بحق السوريين، وصدرت بحقها تقارير دولية مستقلة تؤكد قيامها بأعمال ترقى إلى جرائم حرب"، وفق بيان الائتلاف.
ويرى الكاتب المعارض صلاح بدر الدين، أن أهداف الروس والأميركيين وبينهما الإيرانيون بخصوص القضية السورية "واضحة على الرغم من بعض التعارض الشكلي"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "كلهم يسعون إلى الحفاظ على النظام، إن لم يكن بكل رموزه، ومؤسساته الأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، والإدارية، والحزبية، فبغالبيتها الفاعلة المؤثرة". ويرى بدر الدين أن تجاهل الهيئة العليا للمفاوضات، "ومن ضمنها ممثلو الائتلاف، والمجلس الوطني الكردي"، ومن أسماهم "الوافدون الجدد"، هذه الحقيقة "لن تغيّر من الواقع شيئاً"، مشدداً على أن "أحداً لن يستطيع إجبار الوطنيين السوريين الحريصين على ثورتنا وأهدافها النبيلة، على التخلي عن مبادئهم وقناعاتهم وكفاحهم"، مشيراً إلى أن المعارضة أيضاً "ليست مجبرة على الرضوخ لإملاءات الآخرين، وأن تكون مواقفها السياسية متوائمة مع الأطراف الإقليمية والدولية".
اقــرأ أيضاً
وكانت مدينة إدلب هذه المرة هدفاً للروس، إذ قُتل أكثر من ستين مدنياً وأصيب العشرات في قصف روسي استهدف المدينة مساء أول من أمس الإثنين، وصفه ناشطون بالوحشي وطاول مستشفيات ومسجداً، وبيوت مدنيين، غداة استقالة كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية محمد علوش. وضرب الطيران الروسي مدينة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة منذ أكثر من عام، مستهدفاً بعدة غارات مراكز حيوية يرتادها مدنيون، ما أدى إلى مقتل أطفال ونساء. ونشر ناشطون مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت حجم الدمار الذي تعرضت مرافق حيوية وبيوت مدنيين، وخروج أكبر مستشفيات المدينة عن الخدمة بسبب قصف محيطها بعدد من الصواريخ.
وأعلن مجلس المدينة أن إدلب باتت "مدينة منكوبة"، مشيراً في بيان إلى أنها تعرضت إلى أكثر من أربعين غارة خلال اثنتي عشرة ساعة، محمّلاً المجتمع الدولي مسؤولية استهداف المدنيين من قِبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام، التي استهدفت أمس الثلاثاء مركز تلقيح أطفال في بلدة كفر تخاريم بريف إدلب ما أدى إلى مقتل وإصابة أطفال.
وحاولت وزارة الدفاع الروسية التنصل من مسؤوليتها عن المجازر في إدلب، نافية قيام طيرانها بشن غارات على المدينة مساء الإثنين. جاء ذلك في وقت هدد فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فصائل المعارضة السورية، إذ أعلن أن "موسكو لم تتخلَ عن قرارها ضرب التشكيلات المسلحة التي لم تنضم للهدنة في سورية"، مشيراً إلى أن المهلة المعطاة للمسلحين تنتهي هذا الأسبوع. وقال في مقابلة لصحيفة روسية أمس الثلاثاء: "طلبت منا الولايات المتحدة تمديد المهلة عدة أيام، قبل سريان الخطة التي أعلنا عنها سابقاً، والتي سيصبح وفقها كل من لم ينضم للهدنة هدفاً مشروعاً بغض النظر عما إذا كان مدرجاً على قوائم الإرهابيين أو لا. لقد طلب منها الأميركيون عدة أيام إضافية لكي يقدّموا ردهم، وتنتهي هذه المهلة الإضافية هذا الأسبوع".
وترى المعارضة السورية أن القصف الروسي المتواصل الذي يستهدف المدنيين في المناطق التي تشكّل الحاضنة الشعبية للثورة، هو محاولة للضغط على المعارضة للعودة إلى طاولة التفاوض في جنيف والتوقيع على حل سياسي يعيد إنتاج النظام، ويكرس الواقع الموجود في سورية، ويفتح الباب واسعاً أمام وجود روسي وإيراني بعيد الأمد.
وفي هذا الصدد، يشير رئيس وفد المعارضة المفاوض أسعد الزعبي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الضغط الروسي على المعارضة سياسي وعسكري والهدف منه فرض حل يُبقي الأسد في السلطة مع "حكومة انتقالية"، وهو ما ترفضه المعارضة بالمطلق، مصرة على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، ومن دون أي وجود للأسد في السلطة.
من جهته، يقول المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة رياض نعسان آغا، أن الحرب الروسية ضد السوريين مستمرة ولم تتوقف، مضيفاً في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هم وضعوا الهدنة وهم أول من خرقها، وكان ردنا تأجيل المفاوضات حتى يتم الالتزام بوقف قصف المدنيين، وتحقيق بنود القرار الدولي 2254"، مشيراً إلى أن تصاعد القصف "يزيد الأمر تعقيداً".
وتقول مصادر في المعارضة السورية إن هناك ضغوطاً كبيرة من قِبل روسيا والولايات المتحدة الأميركية على المعارضة للحصول على "تنازلات مؤلمة" منها "تأجيل طرح رحيل الأسد عن السلطة"، وهو ما دفع علوش لتقديم استقالته من عضوية الوفد المفاوض. ولكن نعسان آغا يؤكد لـ"العربي الجديد" أن علوش قدّم استقالته "احتجاجاً على مواقف المجتمع الدولي، ولشعوره بالخيبة، ولا علاقة لاستقالته بالضغط الروسي الذي لم يتوقف ولكننا لم نستجب له"، مشيراً إلى أن علوش سيبقى عضواً في الهيئة، لافتاً إلى أنه لم تُناقش أية استقالات أخرى، ولم تُطرح بعد أسماء بديلة.
ولا تزال موسكو تصر على إدخال أحزاب كردية سورية متحالفة معها في وفد المعارضة، وعلى رأسها حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي بزعامة صالح مسلم، والمتهم من قبل منظمات دولية بارتكاب جرائم تطهير عرقي في شمال سورية. لكن المعارضة ما زالت متصلبة برفضها هذا الأمر، معتبرة هذا الحزب حليفاً للنظام، إذ تنسق ذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب) مع قوات النظام، وتتلقى دعماً جوياً غير محدود من الطيران الروسي والذي مكّنها من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في ريف حلب الشمالي من المعارضة السورية.
وكان الائتلاف الوطني السوري، قد اتهم في بيان صدر الأحد الماضي، الوحدات الكردية بمحاولة "استغلال شعار محاربة الإرهاب، من أجل تحقيق أهداف خاصة هي مشروع احتلالي جديد لكسر إرادة السوريين"، محذراً من استمرار التوجّه الحالي الذي يحصر الدعم العسكري الفعال بهذه المليشيا، التي اتهمها الائتلاف بالارتباط بـ"نظام الأسد الإرهابي وحلفائه"، والتي "ترتكب الجرائم بحق السوريين، وصدرت بحقها تقارير دولية مستقلة تؤكد قيامها بأعمال ترقى إلى جرائم حرب"، وفق بيان الائتلاف.
ويرى الكاتب المعارض صلاح بدر الدين، أن أهداف الروس والأميركيين وبينهما الإيرانيون بخصوص القضية السورية "واضحة على الرغم من بعض التعارض الشكلي"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "كلهم يسعون إلى الحفاظ على النظام، إن لم يكن بكل رموزه، ومؤسساته الأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، والإدارية، والحزبية، فبغالبيتها الفاعلة المؤثرة". ويرى بدر الدين أن تجاهل الهيئة العليا للمفاوضات، "ومن ضمنها ممثلو الائتلاف، والمجلس الوطني الكردي"، ومن أسماهم "الوافدون الجدد"، هذه الحقيقة "لن تغيّر من الواقع شيئاً"، مشدداً على أن "أحداً لن يستطيع إجبار الوطنيين السوريين الحريصين على ثورتنا وأهدافها النبيلة، على التخلي عن مبادئهم وقناعاتهم وكفاحهم"، مشيراً إلى أن المعارضة أيضاً "ليست مجبرة على الرضوخ لإملاءات الآخرين، وأن تكون مواقفها السياسية متوائمة مع الأطراف الإقليمية والدولية".