الروس يطبقون سيناريو غروزني في إدلب ومحيطها

12 اغسطس 2019
يتبع الروس والنظام السوري سياسة الأرض المحروقة (الأناضول)
+ الخط -


لم تجد فصائل المعارضة السورية بدّاً من الانسحاب من بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي، عقب حملة قصف جوي غير مسبوق و"متوحش"، إذ يستخدم الروس سياسة الأرض المحروقة لتمهيد الطريق أمام قوات النظام ومليشيات تساندها للتقدم على الأرض، بعد أن عجزت عن تحقيق ذلك في المواجهات المباشرة مع مقاتلي المعارضة المسلحة، الذين باتوا مهددين بالحصار في ريف حماة الشمالي.

وسيطرت قوات النظام ومليشيات تساندها، فجر أمس الأحد، على بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي، بعد هجوم بري وجوي عنيف استمر لأكثر من 48 ساعة، بالتزامن مع مئات الغارات الجوية والقذائف الصاروخية والمدفعية والرشاشات من قبل قوات النظام والجانب الروسي على البلدة. وذكرت مصادر إعلامية معارضة أنه سُجلت، السبت الماضي، "أكثر من 300 غارة للطائرات الحربية السورية والروسية والمروحيات على مناطق ريف إدلب الجنوبي، استهدفت بشكل مكثف بلدة الهبيط، بعد سبع محاولات تقدم للنظام والمليشيات وروسيا باتجاه البلدة، فشلت جميعها، حتى سيطرت فجر السبت هذه القوات على البلدة الاستراتيجية". وأشارت إلى "أن التمهيد البري والجوي لم يتوقف على البلدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر".

من جانبه، اعتبر المرصد السوري لحقوق الإنسان السيطرة على الهبيط "أهم تقدم لقوات النظام في ريف محافظة إدلب منذ 30 إبريل/ نيسان الماضي، تاريخ بدء التصعيد الأعنف على محافظة إدلب ومحيطها"، مشيراً إلى أنه "رصد ضربات جوية وبرية هستيرية"، موضحاً أن طائرات النظام الحربية والمروحية نفذت أكثر من 75 غارة، بينما نفذت طائرات روسية نحو 30 غارة جوية، طاولت الضربات جميعها كفرزيتا واللطامنة والصياد بريف حماة الشمالي، وتل عاس وكفرعين والهبيط وخان شيخون ومدايا وعابدين بريف إدلب الجنوبي، فضلاً عن أكثر من 400 قذيفة وصاروخ استهدفت خلالها قوات النظام ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي.

ومع سيطرة قوات النظام على بلدة الهبيط، دخلت هذه القوات الحدود الإدارية لمحافظة إدلب من الريف الجنوبي، بعد أن كانت المعارك تدور طيلة الفترة الماضية في ريف حماة الشمالي. وكانت قوات النظام سيطرت، الخميس الماضي، على بلدة الزكاة وقرى في محيطها، ما فتح الباب أمام قوات النظام للتوجه نحو بلدة الهبيط شبه المدمرة نتيجة القصف الجوي المتواصل من قبل النظام والروس. ومن الواضح أن النظام والروس بصدد تنفيذ خطة تستهدف حصار ريف حماة الشمالي كله، من خلال التوجه للسيطرة على عدة تلال، منها تل الصياد وتل عاس، ومن ثم التقدم إلى مدينة خان شيخون الاستراتيجية، وبذلك يُطبق الحصار على فصائل المعارضة في كفرزيتا واللطامنة. وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام عاودت أمس الأحد، محاولة التقدم من محور تل سكيك بريف إدلب الجنوبي الشرقي، تزامناً مع محاولة التقدم من محور الهبيط باتجاه مدينة خان شيخون وبلدة كفرعين. وتقع بلدة سكيك على بعد 9 كيلومترات إلى الشرق من مدينة خان شيخون، فيما تبعد الهبيط قرابة ثمانية كيلومترات إلى الغرب من خان شيخون، التي تقع على الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، بوسط سورية. وأوضحت المصادر أن معارك عنيفة تدور على المحورين، مشيرة إلى أن فصائل المعارضة تمكنت من تدمير دبابة لقوات النظام المهاجمة، التي تريد إحداث اختراق كبير من شأنه دفع فصائل المعارضة السورية للانسحاب من ريف حماة الشمالي، خشية الحصار المحكم، وبذلك تحقق هذه القوات أحد أهم أهدافها البارزة.


وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن مدن وبلدات وقرى كفرزيتا واللطامنة ومورك والصياد ولطمين والبويضة ولحايا ومعركبة، باتت كلها في دائرة الخطر المباشر بعد سيطرة قوات النظام على بلدة الهبيط، أمس الأحد. وأوضحت أن الهبيط لها أهمية كبيرة، فهي ترصد العديد من المناطق، فضلاً عن كونها الطريق إلى مدينة خان شيخون، متوقعة أن تتحرك قوات النظام نحو تل الصياد لكونه يكشف نحو 25 كيلومتراً في محيطه. وأشارت المصادر إلى أن قوات النظام قصفت، السبت الماضي، بنحو خمسة آلاف صاروخ راجمة الهبيط وخان شيخون وسكيك والتمانعة، مؤكدة مقتل عدد كبير من قوات النظام قبل سيطرتها على بلدة الهبيط. العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، أكد في حديث مع "العربي الجديد"، أن الروس والمليشيات تتقدم على الأرض "بعد اتباع سياسة الأرض المحروقة"، مضيفاً: "كثافة القصف وغياب الأسلحة النوعية لدى فصائل المعارضة خصوصاً الصواريخ المضادّة للدروع، وراء تراجع الأخيرة عن بلدة الهبيط". وأشار البكور إلى أنه "من المؤكد أن الجانب الروسي يعمل على تطبيق خطة حصار فصائل المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي".

وكان النظام السوري وداعموه الروس بدأوا أواخر إبريل الماضي حملة عسكرية على شمال غربي سورية، سيطروا خلالها على أكثر من 20 مدينة وبلدة وموقعاً في ريفي حماة وإدلب. وكان المشاركون في جولة أستانة 13 اتفقوا بداية الشهر الحالي على هدنة، لكن النظام سرعان ما نقضها، معاوداً الهجوم الواسع النطاق على مختلف محاور القتال، تحت غطاء غير مسبوق من الطيران الروسي الذي يعيد تطبيق سيناريو غروزني المتوحش، الذي طبقه الروس في الشيشان أواخر تسعينيات القرن الماضي. ودمّر الطيران الروسي ومقاتلات النظام عدة بلدات بشكل شبه كامل في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، وخصوصاً كفرزيتا واللطامنة والهبيط وخان شيخون ومناطق أخرى، وهو ما مكّن قوات النظام من التقدم على الأرض. ومن الواضح أن الروس يطبقون بالقوة المفرطة اتفاق سوتشي المبرم مع الأتراك في سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي نصّ على إقامة منطقة معزولة السلاح بعمق 20 كيلومتراً على طول محيط محافظة إدلب. كما نص اتفاق سوتشي على استعادة طرق الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة)، وهما يمران في ريفي إدلب وحماة؛ مسرح المعارك المندلعة الآن.

وتسيطر المعارضة السورية على أوتوستراد حلب ـ اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، التي تعتبر منطقة اشتباك، مروراً بمدينتي سراقب وأريحا ثمّ ريف جسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية. كما تسيطر فصائل المعارضة على جانب من طريق حلب - حماة المفضي إلى مدينة حمص وسط البلاد، وبعد ذلك إلى العاصمة دمشق، الذي يعدّ أهم الطرق التي تربط شمال البلاد بجنوبها. من جهتها، أكدت مصادر إعلامية معارضة أن تقدم قوات النظام، ربما يدفع الجيش التركي إلى سحب جنوده من نقطة المراقبة التركية في بلدة مورك بريف حماة الشمالي. وينشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة عسكرية في محيط محافظة إدلب وفق تفاهمات سوتشي، يبدو أنها لم تعد ذات أهمية على ضوء التصعيد من قبل النظام والروس. ومن المؤكد أن تقدم قوات النظام في محافظة إدلب سيعمق مأساة نحو 4 ملايين مدني في شمال غربي سورية، وخصوصاً أن الطيران الروسي دمّر ما بقي من مراكز حيوية، وفي مقدمتها المراكز الصحّية.