لم تتأخر إيران في التحرك بعد الضربة العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت مطار "التيفور" السوري، التي أدت إلى مقتل سبعة عسكريين إيرانيين، أحدهم برتبة ضابط، خصوصاً بعدما اتفقت تحليلات عدة على أن الضربة موجهة لإيران قبل النظام السوري، المهدد من الولايات المتحدة عسكرياً رداً على استخدام السلاح الكيميائي في دوما.
ويبدو أن التحرك الإيراني بالتزامن مع التصعيد الذي تشهده سورية، يتخذ اتجاهات عدة، أولها رفع مستوى التنسيق مع النظام السوري. وهو ما ترجم بزيارة مستشار المرشد للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي إلى دمشق، التقى خلالها عدداً من المسؤولين في النظام السوري بينهم وزير الخارجية وليد المعلم، قبل إطلاقه منها تهديداً واضح اللهجة بأن "الردّ سيكون قاسياً على هذا الهجوم".
ويبدو أن إسرائيل تأخذ التحرّك الإيراني على محمل الجد، خصوصاً بعدما ذكر موقع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن "حكومة بنيامين نتنياهو تأخذ بجدية تامة التهديدات الإيرانية بالرد بشكل مباشر على إسرائيل". وذكرت الصحيفة أن "أجهزة الأمن الإسرائيلية أبقت على حالة استعداد وتأهب على امتداد الحدود الشمالية مع سورية، تحسباً لرد إيراني أو رد يصدر عن حزب الله، ولاحتمالات شنّ الولايات المتحدة هجوماً على نظام الأسد رداً على مجزرة دوما".
وفي موازاة التنسيق مع النظام السوري، كثفت إيران وروسيا من مشاوراتهما. فمبعوث الرئيس الروسي الخاص ألكسندر لافرنتييف وصل إلى طهران في زيارة غير معلنة، يوم الثلاثاء الماضي، التقى فيها أمين مجلس الأمن القومي الأعلى علي شمخاني، خلف أبواب مغلقة. وهو اللقاء الذي لم تخرج أي معلومات حوله، لكن مصادر رجحت أن يكون لافرنتييف قد حمل رسالة من الرئيس فلاديمير بوتين للمعنيين في طهران، وأكدت أنه "بحث آليات التعاون وردود الفعل المتوقع أن تتخذها روسيا وإيران بعد شن الضربات الأميركية المحتملة".
كما التقى لافرنتييف قبل اجتماعه بشمخاني، بمساعد وزير الخارجية الإيراني، مسؤول الوفد الإيراني المفاوض في آستانة حسين جابري أنصاري، وقال الأخير، بحسب ما نقل موقع قناة "العالم" الإيرانية، إن "الوضع في سورية في تغيّر، وهذا الأمر يحمل جوانب إيجابية وأخرى مقلقة"، فيما ذكر ضيفه الروسي أنه "بحث في طهران التطورات السورية"، مؤكداً "ضرورة استمرار التنسيق بين طهران وموسكو". وقال "نحن بحاجة لفهم مشترك إزاء القضايا لنتخذ القرارات وفقاً للظروف الموجودة".
وتضع طهران في ذهنها حسابات عدة. من جهة، هي لن تتخلى عن الأسد، ولا ترى في الوقت الراهن أن أي تدخل أميركي سيقلب الأمور رأساً على عقب، لكنها في الوقت نفسه غير معنية بالتصعيد العسكري إزاء الولايات المتحدة. أما الرد على إسرائيل، فمنفصل عن هذا الملف. كما أن إيران غير معنية بالتصعيد ضد حلفاء أميركا في هذه المرحلة من داعمي تدخلها في سورية، فالموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه لتجديد العمل بالاتفاق النووي في مايو/ أيار المقبل يقترب، وطهران تعلم أن اتخاذها لأي سياسات تصعيدية قد ينعكس عليها بالنتيجة وعلى اتفاقها النووي وعلى علاقات الشراكة مع الأوروبيين، وهذا يرتبط بطبيعة الحال بالملف السوري وبدورها هناك. وهو ما جعلها قلقة من سياسات وخطوات ترامب غير المحسوبة، كما وصفها مسؤولوها سابقاً، رغم إصرارها على فكرة أن "ذلك لن يقلب المعادلات جذرياً"، مع إدراكها أن الهجوم الأميركي سيوجه ضربة موجعة لمراكز النظام السوري. والأهم أن طهران غير متخوفة من شن هجوم مباشر ضدها رغم قصف "التيفور" ورغم التصعيد ضدها في ملفات ثانية.
في هذا الصدد، يرى المحلل السياسي عماد آبشناس، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إيران قالت لأميركا صراحة على لسان مسؤوليها إنه من الأفضل ألا تقرر اختبار قدرة إيران"، معتبراً أن "طهران لا تتخوف من حرب ضدها في هذه المرحلة". ويرى أن "الكلفة التي ستقع على عاتق الولايات المتحدة ومعها إسرائيل ستكون باهظة، بحال توسيع رقعة الاشتباك في سورية. وهو ما يجعل استهداف إيران بشكل مباشر مستبعداً، إلا بحال لمست أميركا تراخياً في التعامل الإيراني، فهذا ما سيفتح الباب أمام توسيع مساحة الحرب المرتقبة".
ويضيف آبشناس أن "الأهم في المرحلة الراهنة هو ما يتعلق بالضربات المتوقع أن تستهدف مواقع في سورية، وهو ما يستدعي تنسيقاً إيرانياً روسياً"، مشيراً إلى أن "الطرفين يجريان اتصالات مكثفة لبحث سيناريوهات التعامل مع المستجدات ولاتخاذ قرارات تتعلق بالضربات الأميركية المحتملة".
بحسب الرؤية الإيرانية، فإن الضربات الأميركية مرفوضة أيا كانت أهدافها، وتتعامل طهران مع الأمر وكأنه محاولة لاستغلال الضربة الكيميائية لإيجاد ذريعة للتدخل في دمشق، وتوجيه ضربات موجعة للنظام. وهو ما تتداوله وسائل الإعلام الإيرانية بشكل مكثف في الأيام الأخيرة، أما البعض في إيران فلا يرى أن ذلك سيغير من حقيقة المعادلات الميدانية بالنتيجة، وهي التي تصبّ لصالح إيران وروسيا كذلك.
بدوره، يرى الدبلوماسي الإيراني الأسبق هادي أفقهي، أن "الولايات المتحدة اعتادت على استخدام لهجة التهديد ضد إيران وغيرها، ولطالما أطل مسؤولوها بتصريحات تهدد بشن حرب كلما تعقدت الملفات"، مشدّداً على أن "طهران مستعدة لأي سيناريو". ويلفت إلى أن "دخول أميركا إلى سورية يعني حماقة جديدة، لن يكون الخروج منها سهلاً هذه المرة، رغم أن الظروف في المنطقة حساسة ومعقّدة". ويبدي اعتقاده بأن "واشنطن لن تكون قادرة على السيطرة على الموقف بحال قررت الدخول في حرب".
ويرى أفقهي أن "هناك ترويجاً إعلامياً كبيراً أعقب ضربة مطار التيفور العسكري، وآخر متعلق بتصريحات ترامب. وكل هذا صبّ لصالح خلق حرب نفسية وإعلامية، في محاولة لإضعاف منافسي أميركا وأعدائها، حتى قبل شن الضربات الصاروخية. وفي كل ذلك إن المستهدف في الوقت الراهن هو العمق السوري لا إيران".