في أول إطلالة لهما بعد تولي كل منهما لمنصبه الجديد، حاول مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو تجيير نتائج قمة الكوريتين لحساب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. من جهة لتسجيلها كإنجاز خارجي له، ومن جهة ثانية لتوظيف "تراجع" زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، كمثال على جدوى التشدد، وبما يسوّغ استخدامه في الحالة الإيرانية لانتزاع التنازلات المطلوبة لتغيير الاتفاق النووي معها.
كان بولتون صريحاً في مقابلته مع شبكة سي بي أس عندما قال "نحن هنا الآن بفضل الضغوط التي مارسها الرئيس ترامب" على كوريا الشمالية. بالنسبة إليه لولا التلويح بسياسة العصا لما كان كيم وافق على عقد القمة في الجنوب ولا على ما قدمه من تعهدات وتراجعات نووية ولو كلامية، كانت خارج التصور قبل أشهر قليلة. ويبدو أن الإدارة الأميركية تأمل في أن ينسحب مثل هذه التأثير المفترض على إيران ويحملها على القبول بالتعديلات الأميركية على الاتفاق.
لكن التجيير فيه مبالغة. كما أن المقارنة بين الحالتين الكورية والإيرانية لا تصح وبالتالي لا تخلو من المجازفة، حسب تقديرات وتحذيرات أميركية عدة.
القمة بين الكوريتين لم تكن حياكة أميركية بقدر ما جاءت بهندسة كورية محلية برعاها المايسترو الصيني. الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي ـ إن، أدى الدور الأولي في نسج خيوطها. وهذا دور معترف به في واشنطن، فضلاً عن أن اتصالاته ومبادراته مع الشمال طوال الأشهر الماضية، كانت اقتحامية إلى حد أنها أثارت أحياناً بعض التحفظات بل الانتقادات الأميركية. وثمة من ذهب إلى حدود اتهامه بالعمل بعيداً وبالاستقلال عن واشنطن. لكن الخطوات الفارقة التي تحققت فرضت نفسها. بدأت بمشاركة الشمال في دورة الألعاب الأولمبية في كوريا الجنوبية، ثم القمة التي انعقدت الأسبوع الماضي عقب زيارة كيم جونغ أون إلى بكين.
صحيح أن لغة الرئيس الأميركي "الحربية وصعوبة التنبؤ بمواقفه قد ساهمت في انعقاد قمة الكوريتين، لكنها ليست سببها الوحيد" كما قال النائب الديمقراطي آدم شيف والذي يشاركه في رأيه العديد من المراقبين.
احتضان واشنطن لهذا التطور زاد من إرباكها، والدليل على ذلك أن بولتون وبومبيو تحدثا عن الاحتمالات بلغتين مختلفتين. بومبيو أعرب عن" تفاؤله" بأن كوريا الشمالية قد تكون في وارد التحول الفعلي. في المقابل استحضر بولتون الحالة النووية الليبية كنموذج "يجري النظر فيه" لتطبيقه في كوريا وتجريدها من السلاح النووي.
وزير الخارجية ترك الباب مفتوحاً لقبول أكثر من صيغة لنزع النووي الكوري، لكن مستشار الأمن القومي فضل الصيغة الليبية التي لا يرى أحد في واشنطن غير بولتون احتمال تحقيقها. ما يعني عملياً أن الإدارة لم تحسم بعد رؤيتها في ما يتعلق بما تقصده بنزع النووي الكوري.
التباين نفسه داخل الإدارة ينطبق على ملف النووي الإيراني. حسب بولتون "القرار في هذا الخصوص لم يتخذ بعد والانسحاب من الاتفاق "قيد النظر".
ويبدو الجدل على أشده بين فريق يحرض على إلغاء الاتفاق وفريق يحذر من عواقب خطوة كهذه. الأول يهوّن من الأمر على اعتبار أن الاتفاق مع إيران "لن يؤثر على التفاوض مع كوريا، لأنه ليس معاهدة بل توافق سياسي" كما يقول إليوت أبرامز من مجلس العلاقات الخارجية وأحد أبرز عتاة المحرضين على التخلي عن الاتفاق. أما الفريق الثاني فتواصل رموزه إقناع ترامب بالتخلي عن فكرة الخروج من الاتفاق النووي على اعتبار أن هذه الخطوة "تحمل رسالة سيئة" وتحرم أميركا من "دفع كوريا الشمالية نحو التوصل إلى اتفاقية نووية معها"، كما يلفت نائب وزير الخارجية السابق طوني بلانكن، وهو الرأي الذي تؤيده مجموعة من نخب السياسة الخارجية وشؤون الأمن القومي في واشنطن.
ويبدو أن عامل الزمن يضغط على الإدارة الأميركية بحكم اقتراب موعد القمة المرتقبة بين ترامب وكيم واقتراب تاريخ 12 مايو/أيار الحالي وهو الموعد الذي سيحدد فيه ترامب موقفه من استمرار تعليق العقوبات على إيران.
وبينما تؤكد الإدارة أنها لا تنوي كشف أوراقها وتحديداً في ما يتعلق بشأن النووي الإيراني، تتحدث عن رغبتها باتفاق بلا ثغرات وشوائب لكنها لا تقر بأنه في نسخته الراهنة "خطوة متقدمة" في هذا الاتجاه، وهي تطالب بإطالة أمده "لكنها تعمل على تقصير عمره" كما قال النائب الديمقراطي آدم شيف. ويعزز هذا السلوك الخشية من أن يندفع البيت الأبيض إلى قرار محكوم بالحاجة إلى كسب سياسي سريع من دون التبصر بالتداعيات التي حذر منها أبرز القادة الأوروبيين، في مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.