ويبدو أن الجهود التي بُذلت أخيراً لحلحلة الأزمة الأمنية الأفغانية، بطرق سلمية، أثرّت إيجاباً على العلاقات بين كابول وإسلام أباد، قبل أن تتبخر بعد الهجوم المذكور للحركة، لا سيما بعد اتهام الجانب الأفغاني الاستخبارات الباكستانية، بـ"مساعدة مخططي الهجوم".
وعادت شرائح سياسية وإعلامية وقبلية في أفغانستان إلى توجيه الانتقادات للحكومة الأفغانية بعد الهجوم، بسبب سياساتها مع باكستان و"طالبان". كما علت أصوات من داخل الحكومة تدعو إلى "تغيير الاستراتيجية"، خصوصاً وأن "شبكة حقاني" الموالية لـ"طالبان"، والقريبة من الاستخبارات الباكستانية، نفّذت الهجوم الأخير، على حدّ قولها.
في هذا السياق، أكد نائب رئيس الأفغاني، الجنرال عبد الرشيد دوستم، أن "الهجوم الدموي نفّذته طالبان بمساندة الاستخبارات العسكرية الباكستانية"، جازماً بأن الحوار مع الحركة التي تؤويها وتساندها باكستان، "لا جدوى منه"، متوعّداً بأن "أفغانستان ستتعامل بيد من حديد مع كل من يلعب بدماء أبنائها"، على حد تعبيره. ووصل الأمر بدوستم إلى اتهام "الاستخبارات الباكستانية بإراقة دماء الأفغان من خلال دعمها الجماعات المسلحة، والحكومة الأفغانية لن تصمت طويلاً إزاء الاعتداءات المتكررة". كما انتقد دوستم سياسة الولايات المتحدة، بقوله إن "واشنطن إذا أرادت أن تقضي على طالبان وجميع الجماعات، التي تعبث بأمن أفغانستان، فإن ذلك لن يستغرق أكثر من ستة أشهر".
بدوره، دعا نائب زعيم "الجمعية الإسلامية"، حاكم إقليم مزار شريف، شمالي البلاد، محمد عطا نور، وعدد من أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ إلى "الوقف الفوري لعملية المصالحة، إذ إن باكستان وطالبان تحاولان، من خلالها، شراء مزيد من الوقت لتحقيق مخططاتهما".
وفي خضمّ هذه الضغوط بدأت الحكومة الأفغانية تتحرّك، وكان أول ما فعلته هو إلغاء زيارة الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية، عبد الله عبد الله، المرتقبة إلى إسلام أباد، وبدعوة من رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، مطلع الشهر المقبل.
وفي هذا الإطار، كشف المتحدث باسم الرئيس التنفيذي، جاويد فيصل، أن "عبد الله ألغى زيارته ليوجه رسالة إلى إسلام أباد، مفادها أن لا أمل لكابول في الوعود، التي لا طائل من ورائها"، مشيراً إلى أن "باكستان تدعم المسلحين وتساندهم، وهم يأتون إلى أفغانستان لإراقة دماء أبنائنا العزل".
أيضاً، أعربت الرئاسة الأفغانية عن خيبة أملها إزاء جهود الحوار، وأكدت أن "الدول الأربع المشاركة في الاجتماعات الرباعية (باكستان وأفغانستان والصين والولايات المتحدة) قد اتفقت على العمل الميداني المشترك ضد الجماعات المسلحة، التي لا تقبل الحوار. وبالتالي فقد آن الأوان لأن تفي باكستان بوعدها، بعد فشلها في إحضار طالبان إلى الحوار، إذ كان من المتوقع انطلاق المفاوضات المباشرة بين الطرفين مطلع شهر مارس/آذار الماضي في إسلام أباد".
في هذا السياق، قال المتحدث باسم القصر الرئاسي، دواجان مينه بال، إن "الحكومة الأفغانية غيّرت سياستها إزاء باكستان، بعد أن علمت أنها ليست مخلصة مع المصالحة الأفغانية". ورأى أن "الهجوم الدموي الأخير نفّذته شبكة حقاني، التي تدعمها الاستخبارات العسكرية الباكستانية"، على حد وصفه.
وما يؤكد أن أفغانستان فقدت فعلاً أملها في جهود الحوار، هو المؤتمر الصحافي، الذي شارك فيه مسؤولون أفغان بعد هجوم كابول، معلنين أن "الحكومة وجهت تعليمات لكافة أجهزة الأمن للانتقام من طالبان، وأن الرد لا يكون بالسلم، ولا سيما أن القوات المسلحة على أهبة كاملة للحفاظ على أمن المواطن وسيادة الدولة". كما شدّد المسؤولون على "ألا حوار مع أولئك الذين اختاروا حمل السلاح".
في المقابل، لم ترد باكستان على الاتهامات الأفغانية سوى بإعلان "شجبها" الهجوم، وتأكيد المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، نفيس زكريا، أن "زيارة عبد الله تأجلت لأسباب غير معلومة، وأن الخارجية تتواصل مع نظيرتها الأفغانية بهذا الخصوص".
ويمُكن أن يكون لموقف باكستان الأخير وعدم ردها على الاتهامات الأفغانية تفسيران: إما أن باكستان لا ترغب في التصعيد، أو أنها تريد توجيه رسالة إلى الحكومة الأفغانية مفادها بأن مقاليد الأزمة الأفغانية بيدها، ولا يمكن حلحلتها إلا بعد الرضوخ إلى مطالبها، وعلى رأسها كبح نفوذ الهند، والاعتراف بالحدود المشتركة.
ويرى كثيرون في أفغانستان أن حكومة كابول ترغب في استغلال الجهود الأخيرة، التي بُذلت خلال الاجتماعات الرباعية، لإقناع واشنطن وبكين بالوقوف معها ضد الجماعات المسلحة من خلال تجهيز الجيش الأفغاني.
بناءً على ذلك، زار مستشار الرئيس الأفغاني للأمن القومي، حنيف أتمر، بكين الأسبوع الماضي، التي أبدت استعدادها للتعاون العسكري مع أفغانستان. ونوّه عضو اللجنة العسكرية المركزية في الصين، فانغ فنك هوي، في أثناء لقائه المسؤول الأفغاني، إلى أن "الصين مستعدة للتعاون مع أفغانستان في مجالات مختلفة، كتدريب العسكريين وتبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء تدريبات مشتركة".
في المحصلة، فإن التطورات الأخيرة، تؤكد أن الحوار الأفغاني أصبح في خبر كان، وأن نسبة نجاحه ضئيلة جداً، حتى ولو استمر، مع أن الحكومة الأفغانية لن ترغب في ذلك، بدعوى أنه غير مجدٍ بسبب رفض "طالبان" شروطه من جهة، ولعدم إيفاء باكستان بوعودها من جهة ثانية. بالتالي، فإن الخيار الوحيد هو الاحتكام إلى السلاح، مما سيؤثر سلباً على العلاقات بين كابول وإسلام أباد، الجارتين اللتين تربطهما علاقات دينية واجتماعية وجغرافية، كما أن الأمر قد يدفع البلدين والمنطقة بأسرها إلى ويلات حرب جديدة.