دعوات تغيير النظام التونسي: تشويش "فيسبوكي" يتيم

16 يونيو 2020
خلال تظاهرة الأحد للمطالبة بتغيير النظام بتونس (جديد وسيم/Getty)
+ الخط -
دعت مجموعات تحت اسم "حراك الإخشيدي 14 جوان" (الإخشيدي في إشارة إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد)، إلى جانب "ائتلاف الجمهورية الثالثة"، إلى اعتصام في ساحة باردو أمام البرلمان التونسي يوم 14 يونيو/ حزيران الحالي (الأحد الماضي)، للمطالبة بحلّ مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وتشكيل حكومة مصغرة لتصريف الأعمال. وكشفت جهات إعلامية كثيرة أنّ صفحة فيسبوك "حراك الإخشيدي" يُديرها شخصان في الإمارات، بما يثيره ذلك من شبهات متكررة حول حجم التدخل الإماراتي في الشأن التونسي، فضلاً عن شبهات في الدعوات نفسها، فيما لا يعرف من بين مكونات "ائتلاف الجمهورية الثالثة" أي شخصيات سياسية وازنة أو معروفة أصلاً. وتتعامل أغلب مكونات الساحة السياسية، على خلافاتها الكبيرة، بكثير من الريبة تجاه هذه الدعوات المتلاحقة التي لا تجد تأييداً إلا من بعض وسائل الإعلام العربية المعروفة بعدائها المكشوف للتجربة التونسية، أو من بعض الأحزاب الصغيرة والشخصيات التي أقصتها الانتخابات نهائياً من المشهد.

وعلى الرغم من فشل اعتصام أول مماثل يوم 1 يونيو، وفشل الثاني يوم الأحد الماضي، إذ لم يجمعا إلا بضع عشرات من الأشخاص، إلا أنّ ذلك لا يحجب حقيقة أن هناك من يريد استغلال فرصة الانكماش الاقتصادي بعد أزمة فيروس كورونا والملفات الاجتماعية المتراكمة منذ سنوات، وكذلك الغضب الاجتماعي جراء الأوضاع الحالية، لضرب التجربة الديمقراطية التونسية وبثّ الفوضى، وهو ما ينبه إلى ضرورة تيقّظ الأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة، للالتفات إلى القضايا الحقيقية التي تهمّ الناس، وعدم الانشغال بمعارك جانبية تزيد في تراجع منسوب الثقة، وتشيطن العمل السياسي، وهو على ما يبدو هدف من أهداف بعض الدوائر.

في السياق، أكد النائب عن حركة "النهضة"، محمد القوماني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الدعوات إلى حلّ البرلمان وتغيير النظام السياسي "تقف وراءها مجموعات خارجية وداخلية خسرت الانتخابات أكثر من مرة، ولا ترى لها حظاً في المشهد السياسي عبر المنظومة القانونية"، مضيفاً أنّ "المتأمل في شعارات هذه المجموعات ومطالبها يلاحظ أنّها تفتقد الوعي السياسي ومعرفة طبيعة مؤسسات الحكم". واعتبر القوماني أنّ الدعوات الأخيرة "لا تخلو من حيلة للإيهام بأنها تحتمي برئيس الجمهورية وشعبيته، لحلّ البرلمان وتعيين لجنة لصياغة دستور جديد، على الرغم من أنّ أصحاب الدعوات يعرفون أنّ الرئيس موجود بمقتضى الدستور الحالي والقانون الانتخابي الحالي، والمنظومة الدستورية والقانونية لا تمرّ إلا عبر الآليات البرلمانية والانتخابات. وهؤلاء يتجاهلون أنّ البرلمان بطيفه السياسي المختلف والمتنوّع والمنبثق من أصوات أكثر من 3 ملايين ناخب، لا يمكن دعوات فيسبوكية أن تزيحه وتلغي شرعيته".



وقال القوماني إنّ هذه الدعوات "مهما كان سندها، لا ترتقي شعبيتها إلى طرح مسألة شرعية البرلمان"، مضيفاً: "تكرر الفشل مرة تحت شعار الاحتجاج الاجتماعي والسترات الحمراء، ومرة تحت عنوان الفشل الحكومي، ومرة بحجة المشهد البرلماني وانحرافه عن الأولويات، وهي عناوين يجري التسلق من خلالها ضمن دعوات فوضوية".
وأشار المتحدث نفسه إلى أنه "في الأول من يونيو، جرى الاحتجاج أمام البرلمان، وسريعاً ما انفضّ هذا الاحتجاج، نظراً للعدد المحدود للمشاركين"، مؤكداً أنّ "هناك برلماناً يشتغل، على الرغم من النقائص، وهو عنوان الديمقراطية والتعددية. ولا توجد أزمة سياسية مفتوحة في تونس، وهناك جيش متمسّك بقيم الجمهورية، وحريص على تطبيق الدستور، وبالتالي دعوات الفوضى لا مستقبل لها".

ودعا القوماني رؤساء الحكومة والجمهورية والبرلمان، "لأن يتحسبوا للتداعيات الخطيرة للحرب على كورونا، لأن تونس انتصرت صحياً، ولكن هناك تداعيات تتطلب رؤيا وبرنامجاً، وهي التي قد تسبب متاعب للحكم، وليس دعوات الفوضى التي هي أقرب للفرقعات الإعلامية، ولا تعني خصوصيات الساحة التونسية"، مضيفاً أنّ "الثورات ليست قراراً، بل تراكم أوضاع تحتمها تطورات معينة". من جهته، رأى النائب عن "التيار الديمقراطي"، محمد عمار، أنّ هذه الدعوات "في غير محلها وغير دستورية، فحل البرلمان غير ممكن إلا في صورة فشل تأليف الحكومة، أي عندما لا يمنحها البرلمان أصواته، وعندها فقط يمكن أن يطالب رئيس الجمهورية بحل البرلمان، وهذه الفرضية غير ممكنة الآن".

وأضاف عمار في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الدعوات القديمة نفسها تتكرر، والدعوة إلى حلّ البرلمان فشلت"، منبهاً إلى أنّ "تغيير نظام الحكم له شروطه، فإذا كانت الدعوة في كنف الدستور قد يمكن احترامها، ولكن هذه الدعوات لن تربك العمل الحكومي، فالحكومة تواصل عملها وواجباتها"، مشيراً إلى أنّها "ستقدم يوم 25 يونيو الحالي، حصيلة 100 يوم من العمل، ولها برنامج إنعاش اقتصادي بعد جائحة كورونا، وستتخذ في هذا الصدد العديد من الإجراءات، وبالتالي فهناك عمل، والأهم أنه يجري دعمها". وأوضح عمار أنّ "تونس على الرغم من ضعف الإمكانات، نجحت في تجاوز جائحة كورونا، وهناك دول غنية وتفوقها إمكانات لجأت إلى طرد العمال وتخفيض الرواتب، بينما حافظت تونس على مواطن الشغل وأحسنت إدارة الأزمة".

وأكد عمار أنّ هذه الدعوات "معارك سياسية جانبية يقودها بعض الخاسرين في الانتخابات، كمن نادى بالجمهورية الثالثة والرابعة"، وأنّ "هناك أطرافاً عجزت عن الوصول إلى البرلمان تحاول بثّ الفوضى عبر هذه الدعوات". وقال إنّ "الأحزاب الموجودة داخل البرلمان تقوم بعملها، ورئيس الجمهورية على الحياد ويدعمها، وبالتالي فهذه الدعوات غير قانونية"، موضحاً أنّ "التجربة الديمقراطية، وعلى الرغم من العديد من التجاوزات مستمرة، والشعب التونسي واعٍ". وتابع قائلاً إنّ "التجربة التونسية تواصل طريقها، وهي لم تدخل في حرب أهلية كما حدث بالنسبة إلى بعض الثورات في البلدان العربية التي فشلت نتيجة دخول المليشيات وتدخّل محاور إقليمية"، مؤكداً أنّ "تونس نجحت لأنّ فيها اتحاد شغل قوياً، وأحزاباً تعمل، ومجتمعاً مدنياً ومنظمات ونظاماً برلمانياً، وهذه كلها ضامنة لتواصل التجربة".

بدوره، قال النائب عن "حركة الشعب"، خالد الكريشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ هذه الدعوات "لا مبرر لها الآن، فتونس لا تزال في حرب مع كورونا، ولم تنته من هذه المرحلة كلياً، لا بل إنّ التحديات الاقتصادية والاجتماعية ستنطلق الآن، وبالتالي فالتوقيت غير مناسب لدعوات كهذه"، مشيراً إلى أنّ "التعبير عن الرأي مكفول في الدستور، بشرط أن يكون ضمن القانون، ولكن تونس في وضع يفترض تضافر جهود كل القوى، والتمسك بالوحدة الوطنية، وبالتالي كان من المفترض تأجيل هذه الدعوات". وأضاف أنّ دعوات حلّ البرلمان وتغيير نظام الحكم "هي دعوات معقولة في المطلق، وكان يمكن تفهمها لو حدثت في السنة الرابعة أو الخامسة من العهدة الحالية، وبعد أن تكون الحكومة قد فشلت طوال هذه السنوات في تحقيق مطالب الناس، ولكن البرلمان لم يعمل على القضايا الملحة أخيراً بسبب الظرف الذي حصل، والأمر نفسه ينسحب على الحكومة"، مضيفاً أنّ "أي دعوات للتفرقة بين التونسيين غير مقبولة، والدعوات الأخيرة هي في الحقيقة حقّ أريد به باطل، لأنه لم يمضِ على الحكومة 100 يوم، ولذلك فهي دعوات غير أخلاقية". وبرأي الكريشي، فإنّ هذه الدعوات "لا تعدو أن تكون محاولات لتسجيل أهداف، من أجل إرباك القوى واستنزافها، ولكن لا طائل منها لأنّ لا الحكومة ستتغيّر، ولا البرلمان سيحلّ، وبالتالي فهي دعوات فيسبوكية، وليس وراءها شخصيات معروفة، ولم يتبنّها أي حزب فاعل في المشهد السياسي أو منظمة وطنية".