في ظل اتساع دائرة الاحتجاجات في إيران، بدأت كفة الجدل والنقاش في واشنطن ترجح باتجاه مدّ التحرك بدعم ما، وتراجع التحفظ والحث على النأي بالنفس، مقارنة بما كان عليه قبل أيام.
ملامح تحول الاحتجاج المعيشي إلى "مشروع انتفاضة سياسية محتملة" حسب ما يتم تداوله، شجع على الدعوة للدخول على خط الأزمة لتزخيم الحركة. التخوف من المردود العكسي لمثل هذا التدخل بدأ ينحسر نسبياً، خاصة وأن المرشد الأعلى علي خامنئي سارع إلى فتح النار بكل حال، على "أعداء إيران" بتهمة الوقوف وراء "خلق المتاعب" لها.
في هذا الإطار، رفعت إدارة دونالد ترامب من وتيرة ردودها وبدأت العمل على خطين: الانتقال من التشجيع إلى التلويح بالدعم. تجلّى ذلك في تغريدات الرئيس الأميركي، لتنضم بعدها وزارة الخارجية إلى الكورس، رغم نأي ريكس تيلرسون عن الموضوع حتى الآن، إذ ترك المهمة للناطقة الرسمية في الوزارة التي عبّرت، اليوم الأربعاء، عن "الدعم للمتظاهرين ولحرية التعبير"، كما عن اهتمام الإدارة "بمراقبة الوضع" ومتابعة تطوراته.
الخط الثاني، الذي تعمل عليه الإدارة الأميركية هو تدويل الأزمة عبر الأمم المتحدة، إذ دعت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، إلى عقد جلسات طارئة للبحث في الوضع الإيراني الذي "لن نسكت" عليه. الرسالة واضحة: ترتيب مدخل دولي شرعي يوفر الحماية لحركة الاحتجاج، وفي ذات الوقت يساهم في عزلة طهران ومحاصرتها. محاولة قد لا تكون ميسورة في ظل التوتر الراهن بين واشنطن وكل من موسكو وبكين.
بموازاة تصعيد الإدارة، برز خطاب التأكيد على ضرورة تقديم العون لحركة الاحتجاج، كرد على خطاب الحذر. وفي هذا السياق بدأت تتردد أفكار وتوصيات في ساحة الجدل الدائر حول المطلوب القيام به في اللحظة الراهنة.
من الخيارات المطروحة "حث الأوروبيين على خفض علاقاتهم مع إيران" بالترافق مع فرض عقوبات، وتصويبها على المسؤولين الإيرانيين. إضافة إلى ذلك، "توفير المنابر للصوت الإيراني المعارض في الخارج لتزويد الداخل بالمعلومات وتمكينه تقنياً لتحاشي المراقبة ضده"، وغير ذلك من الخطوات المتوقع أن تتصاعد مع عودة الكونغرس من إجازته، والذي قد يلجأ إلى المزيد من فرض العقوبات على إيران.
لكن على الرغم من جدية وحدّة المواجهة المتصاعدة في الشارع الإيراني، يكاد يجمع المراقبون والعارفون الأميركيون بالخريطة السياسية الإيرانية بأن الحديث عن سيناريو صراع سياسي حاسم، ما زال سابقاً لأوانه. "لا إشارة على وجود تفسخ في جسم النظام" وإن كانت القيادة "قد تفاجأت" بالهبّة. كما أن النظام يملك "وسائل كثيرة لقمع الحركة".
يضاف إلى ذلك، أن المعارضة الإيرانية لا تزال من دون بوصلة وتفتقر إلى "قيادة "وبرنامج متماسك قادر على الاستقطاب والاستنفار. أجواء الاحتقان وحدها لا تكفي. تجربة 2009 شاهد على ذلك، ولو أن الدوافع هذه المرة أعمق وأكثر زخماً من الأسباب الانتخابية التي فجّرت الأحداث قبل 8 سنوات، وفق معظم القراءات الأميركية.
ولهذا، ثمة من يرى بأن العاصفة على محدوديتها حتى الآن، قد خلخلت شرعية النظام إن لم يكن وضعه. وانعكس ذلك في تعبيرات الإحباط التي لوحظت في خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، عندما اعترف بحق التعبير عن الرأي بطريقة سلمية.
هل "الفورة" التي انطلقت من مدينة مشهد تؤدي إلى تحول إن لم يكن إلى تغيير في المشهد الإيراني؟ هل هي بداية "ربيع إيراني"؟
في واشنطن تمنيات كثيرة، وفي ذات الوقت هناك اعتراف بالعوائق، في هذا الخصوص. ولكن ما هو غير معروف هو إلى أي مدى يمكن لهذه المواجهة أن تستمر، وإلى أي مدى يمكن أن يصل التدخل الخارجي والأميركي تحديداً في هذه الأزمة.