من جهته، نقل وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس الجمعة، رسالة شفهية من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حول الوضع في سورية. وأفاد الوزير القطري بأنه "تمّ بحث العملية السياسية في سورية، ونقلت رسالة للرئيس الروسي من أمير قطر، تتناول موضوع التصعيد في حلب، وأكدنا ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سورية". وذكر بوتين خلال استقباله الوزير القطري في منتجع سوتشي، جنوب روسيا، أن "قطر تؤدي دوراً مهماً جداً في العمليات الجارية في المنطقة"، مضيفاً أن "موسكو تقيم اتصالات دائمة بالقيادة القطرية". وأعاد بوتين التذكير بالمكالمة الهاتفية الأخيرة التي جرت بينه وبين أمير قطر، وطلب من الوزير نقل التحيات والتمنيات الطيبة للأمير. كما وصف الرئيس الروسي العلاقات التي تكونت بين موسكو والدوحة بأنها "طيبة جداً".
وكان مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، قد قال تعليقا على لقاء بوتين مع آل ثاني، إنه "كان هناك اتفاق خاص بشأن هذا اللقاء، وفي 19 أبريل/نيسان، طلب أمير قطر خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي أن يستقبل وزير الخارجية القطري، الذي يريد أن يبحث مع رئيسنا أفكاراً قطرية جديدة حول التسوية السورية".
يذكر أن وزير الخارجية القطري وصل مساء الخميس إلى منتجع سوتشي، وأجرى محادثات مع لافروف، تركزت على الموضوع السوري. واستمرت جلسة المحادثات نحو ساعتين، وامتنع الوزيران عن الإدلاء بأية تصريحات صحافية في أعقابها.
وذكرت مصادر إعلامية أن المجموعة الدولية لدعم سورية، التي تضمّ 17 دولة، ستعقد اجتماعاً في العاصمة النمساوية فيينا في 17 مايو/أيار الحالي، للتمهيد لبدء جولة رابعة من مفاوضات جنيف، التي علّقت المعارضة السورية مشاركتها فيها، في 18 أبريل/نيسان الماضي، لاعتبارها بأن "نظام الأسد ليس جاداً في المضيّ قدماً، في عملية تؤدي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من دون بشار الأسد، تُمهّد الطريق لإنهاء المأساة السورية المستمرة منذ خمس سنوات".
وأكدت المصادر لـ "العربي الجديد"، أن "وفد المعارضة سيذهب إلى جنيف بسقف تفاوضي مرتفع، وليس كما يعتقد ويتوقع النظام وحلفاؤه"، مشيرة إلى أن "المعارضة تصرّ على أن أي اتفاق هدنة جديد يجب أن يشمل الجغرافيا السورية كلها، ولن تقبل باستثناء أية منطقة بحجة وجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو جبهة النصرة".
وذهبت المصادر إلى حدّ القول إن "الاتفاق السابق ذريعة للروس والنظام وإيران لقتل آلاف السوريين، وتشريد مئات الآلاف، وضرب المعارضة السورية في كل مكان للقضاء عليها، بحجة مقاومة الإرهاب، لتدمير ما بقي من سورية، وهذا لن نقبل به بعد اليوم". وأضافت بأنه "لن نتنازل على الإطلاق عن مسألة تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات من دون وجود بشار الأسد، ولن نقبل بأية محاولات للالتفاف حول هذه المسألة التي تشكّل جوهر التفاوض".
كما أوضحت المصادر أن "النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين، سيدفعون ثمن اتباعهم سياسة الأرض المحروقة في سورية، وقتل المدنيين في المخيمات أمام مرأى ومسمع العالم"، لافتة إلى أنه "إذا لم يدفعوا الثمن سياسياً في جنيف سيدفعونه عسكرياً في الأيام المقبلة. وهناك أطراف إقليمية لن تبقى متفرجة على ما يجري في سورية من قتل للمدنيين العزّل، وتدمير يطاول كل المدن والبلدات السورية".
وشدّدت المصادر على أنه "من المستحيل على النظام حسم الأمور عسكرياً في مدينة حلب"، مشيرة إلى أن حلب "لأهلها، وستبقى عصية على الغزاة مهما اتبعوا من وسائل الإجرام، والنظام تحوّل إلى قوة غازية لن تستطيع بحال من الأحوال السيطرة على حلب".
ووضعت ما جرى في جنوب حلب من سيطرة المعارضة على بلدة خان طومان وقرى أخرى، كدليل على أن "قوات النظام والمليشيات الإيرانية عاجزة على الأرض، وغير قادرة على التقدم رغم الغطاء الناري من قبل الطيران الروسي، ومقاتلات النظام، والتي لا يمكنها إلا قتل الأطفال والنساء، وإلحاق الدمار بالممتلكات". وجددت المعارضة تمسكها بـ"ثوابت الثورة الداعية إلى إزاحة بشار الأسد وأركان حكمه عن السلطة"، مؤكدة أنها "لن تشارك في مفاوضات لا تفضي إلى ذلك".
وفي هذا الصدد، يؤكد عضو اللجنة الاستشارية لوفد المعارضة المفاوض، يحيى العريضي، أن "موسكو تريد من الهيئة العليا للتفاوض، المنبثقة عن المعارضة السورية، توقيع صك استسلام في مفاوضات جنيف". ويُشدّد، في حديث مع "العربي الجديد"، على أن "هذا الأمر لن يحدث بأي حال من الأحوال، لأن الهيئة هي صوت السوريين، ولن تتنازل عن ثوابت ثورتهم تحت أي ظرف".
من جهته، يرى المختص بالشأن الروسي، محمود الحمزة، أن "العودة إلى طاولة التفاوض في جنيف، مرتبط بتغيّر في الموقف الروسي والنظام حيال العملية السياسية، وإذا لم يحدث تغيّر ما في الموقف السوري الرسمي والروسي فلن تجري مفاوضات".
ويعرب الحمزة عن اعتقاده بأن "موسكو تضرب عسكرياً في سورية، وتمدّ يدها للدبلوماسية بذات الوقت"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الروس والأميركيين مستعجلون لإيجاد حل سياسي في سورية، قبل مغادرة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، البيت الأبيض (نهاية العام الحالي)".
ميدانياً، تقدّمت المعارضة السورية المسلّحة، أمس الجمعة، في ريف حلب الجنوبي، بسيطرتها على بلدة خان طومان الاستراتيجية، إثر معارك قُتل فيها أكثر من 40 من قوات النظام ومليشيات طائفية تساندها، في عملية عسكرية مفاجئة.
في هذا السياق، يقول المتحدث العسكري في "أحرار الشام"، أبو يوسف المهاجر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعركة حصلت بعد الانتهاكات المتكررة من قبل قوات النظام للهدن الكثيرة"، مضيفاً أنه "قمنا بشنّ هجوم من محاور عدّة، على بلدات وقرى بريف حلب الجنوبي، كان النظام قد سيطر عليها، أخيراً، بمؤازرة من حزب الله والمليشيات العراقية والأفغانية والإيرانية، إلى جانب الطائرات الروسية".
وكان طيران النظام قد ارتكب، يوم الخميس، مجزرة بحق العشرات من النازحين السوريين في أحد المخيمات المُقامة على عجل بالقرب من الحدود السورية التركية في إدلب، ما اعتبره مراقبون "رسائل دم" من النظام للمجتمع الدولي، وتأكيد آخر على أنه ماض في الحسم العسكري. وذلك لكونه يستند لدعمٍ روسي ايراني لا محدود وتراخ أميركي واضح، إذ اكتفى، في هذا السياق، المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، بالقول إن "تأكيد النظام السوري على الحسم غير مبرر". كما أن الأمم المتحدة طالبت بتحقيق دولي في المجزرة، واصفة ما جرى بأنه "جريمة حرب"، كما أعرب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، عن شعوره بـ"الرعب والاشمئزاز" إزاء هذا الهجوم.