تعلو أصوات طبول الحرب على الرقة السورية معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية، منذ أكثر من عامين، بفعل تواتر أخبار الاستعداد للمعركة، عبر زيارة مسؤولين أميركيين إلى مناطق حلفائهم في الشمال السوري، وسط نزوح المدنيين من المدينة.
دفعت هذه الاستعدادات على ما يبدو المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني، لإعلان موقف "داعش"، بعد دعوته يوم السبت، إلى "شنّ العمليات في أميركا وأوروبا خلال شهر رمضان (يونيو/حزيران) المقبل".
وأفادت تقارير صحافية بأن "قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوي فوتيل، قام بزيارة لشمال سورية يوم السبت، استمرت ساعات عدة، التقى فيها عسكريين من القوات الأميركية الخاصة متواجدين في سورية، كمستشارين لحلفائهم من قوات سورية الديمقراطية وبعض الفصائل العربية"، وذلك بحسب ما كشف المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى التحالف ضد التنظيم بريت ماكغورك، في تغريدة له على موقع "تويتر" يوم السبت، قال فيها إن "فوتيل زار سورية للتحضير للهجوم على الرقة".
ولم تحدد القيادة المركزية الأميركية مكان عقد الاجتماع، في حين أفادت المعلومات بأن اجتماعاً عُقد السبت بالقرب من مدينة عين عرب، الخاضعة لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، ذات الغالبية الكردية، حضره مسؤولون أميركيون وصلوا بمرافقة رئيس الحزب الديمقراطي الكردي صالح مسلم، عبر مروحية عسكرية أميركية، أقلّتهم من إقليم كردستان العراق، حيث تم بحث الاستعدادات للسيطرة على الرقة ومنبج وجرابلس.
وتواردت أنباء غير مؤكدة عن أن الهجوم البري على الرقة، قد ينطلق من محاور عدة، منها محور تل أبيض وسد تشرين، في وقت تشهد فيه عين العرب عمليات تحشيد عسكري، حيث تم استقدام مئات المقاتلين الأكراد من مناطق الإدارة الذاتية في ريف الحسكة. مع العلم أن تقارير عدة أشارت إلى أن "قوات سورية الديمقراطية"، أكبر تشكيل عسكري متحالف مع الأميركيين، إضافة إلى "جيش الثوار" وبعض الفصائل الأخرى، حصلت خلال الأشهر الأخيرة على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية، كما أنها تطلب الحصول على مدرعات ثقيلة ومضادات دروع. ويعتبر الجنرال فوتيل أعلى مسؤول أميركي يزور سورية منذ بدء الثورة السورية عام 2011، وهو ضابط في القوات الخاصة كان يتولى حتى مطلع العام الحالي قيادة مجمل القوات الخاصة الأميركية.
وكان نحو 250 عسكرياً أميركياً قد وصلوا إلى مدينة عين العرب، عبر دفعات بدأت في 25 إبريل/نيسان الماضي، في حين يوجد بضعة مئات من العسكريين الأميركيين في مدينة القامشلي للغاية عينها، حيث تم إنشاء قاعدة عسكرية في مطار المدينة، بحسب ناشطين معارضين. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" قد سيطرت يوم السبت، على قرية الهيشة، التي تبعد 40 كيلومتراً شمال الرقة، إثر انسحاب مقاتلي التنظيم منها جراء القصف المكثف لطيران التحالف.
في المقابل، نشرت ما تسمى "مؤسسة الفرقان الإعلامية" التابعة لـ"داعش"، تسجيلاً صوتياً للمتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني، أكد فيها استمرار القتال، مقللاً من أهمية خسارة التنظيم المدن والأراضي، ومذكراً بأنهم "كانوا مُطارَدين بالصحاري والجبال".
ودعا المتحدث باسم التنظيم من سمّاهم "جنود الخلافة ومناصريها"، في أوروبا وأميركا إلى "شنّ عمليات تستهدف المدنيين في حال لم يستطيعوا الوصول لأهداف عسكرية، اعتباراً من بداية شهر رمضان (الشهر المقبل)"، لافتاً إلى أن "أي عملية مهما صغر حجمها فهي ستعود بالفائدة على التنظيم".
من جانبهم، اعتبر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أن رسالة العدناني جاءت بهدف رفع معنويات مقاتلي التنظيم وتحضيرهم لاحتمال خسارة الرقة، وهي أهم معاقل التنظيم في سورية. وفي سياق مؤشرات اقتراب المعارك في الرقة، أفاد ناشطون معارضون، ضمن حملة "الرقة تذبح بصمت"، بأن "طيران التحالف الأميركي رمى خلال الأيام الأخيرة العديد من المنشورات التي تدعو الأهالي للخروج من المدينة، في حين سمح التنظيم، في خطة غير مسبوقة للأهالي بالخروج من الرقة إلى المناطق المحيطة بها والخاضعة لسيطرته فقط، مانعاً إياهم من اصطحاب أي شيء من ممتلكاتهم أو متاعهم". وقد أعلن عن ذلك عبر مآذن الجوامع، ويرى ناشطون أن هذا الأمر قد يكون لتحويل هؤلاء المدنيين إلى درع بشري يعيق التقدم البري باتجاه المدينة.
ويتخوّف ناشطون من حدوث أزمة إنسانية في ظلّ احتمال نزوح أكثر من 600 ألف مدني، يسكنون مدينة الرقة بينهم عشرات الآلاف من النازحين إليها، منهم 30 ألف نازح من مدينة تدمر وحدها، التي خسرها التنظيم لصالح القوات النظامية قبل أسابيع قليلة، متحدثين عن الأوضاع الإنسانية السيئة التي يعاني منها أهالي الرقة، جراء الفقر الشديد، وعدم توفر المساعدات الإنسانية.
ودعا ناشطون المنظمات الدولية والتحالف الدولي و"قوات سورية الديمقراطية" والفصائل المشاركة في العملية إلى الاستعداد لاستقبال أعداد كبيرة من النازحين وتأمين الرعاية لهم، مع مراعاة أن يكون القائمون عليها من الفصائل العربية. ويتخوف أهالي الرقة من الأكراد كتخوّفهم من النظام وداعش، وسط الأحاديث عن توجهات لضم الرقة إلى منطقة الإدارة الذاتية، وتهجير الأهالي كما حدث في ريف الحسكة الجنوبي وتل أبيض، في حين تنفي "قوات سورية الديمقراطية" هذه الاتهامات.
يُشار إلى أن الرقة تعدّ منطقة نفوذ أميركية، ويقع عاتق استعادتها من التنظيم على كاهل التحالف الدولي وعلى رأسه الأميركيون، بحسب ما تحدث عنه وير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أشهر. وقال لافروف في حينه، إنهم "اتفقوا مع الأميركيين على استعادة الرقة، على أن يعمل الروس على استعادة تدمر (استعادوها بالفعل) وفي مرحلة ثانية دير الزور".