تقترب المعركة التي أطلقتها "قوات سورية الديمقراطية" لطرد تنظيم "داعش" من مدينة الرقة من الدخول في أسبوعها الخامس، فيما تواصل القوات المهاجمة، بغطاء جوي من التحالف الدولي، زحفها الآخذ بالتباطؤ أخيراً، بعد أن أتمت خلال نحو شهر من المعارك، إطباق الحصار على مسلحي التنظيم وسط المدينة، التي لا تزال تؤوي عشرات الآلاف من المدنيين، فيما أعلنت قوات النظام السوري عن هدنة على الجبهة الجنوبية، تستمر حتى الخميس المقبل.
وفي مقابل هجمات "قوات سورية الديمقراطية"، تحاول مجموعات من تنظيم "داعش" شن هجمات معاكسة شرقي الرقة، لفتح ثغرة في الحصار الذي يلف المدينة بشكل دائري، وهو ما يبدو، وفق خريطة النفوذ والسيطرة الحالية، أمراً مستحيلاً. آخر هجمات عناصر "داعش" المعاكسة وقعت الخميس الماضي، في حي الصناعة وأطراف حي المشلب شرقي الرقة، إذ باغتوا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بثلاث سيارات مفخخة، تبعها هجوم أفضى لسيطرة التنظيم على الصناعة وأجزاء من المشلب، قبل أن يخسروا مجدداً، السبت الماضي، النقاط التي تقدموا إليها، إذ استعادت "قوات سورية الديمقراطية" حي الصناعة وباقي النقاط التي خسرتها في هجوم الخميس.
ورغم أن طيران التحالف لم يتوقف عن استهداف أحياء ومناطق في المدينة ما تزال خاضعة إلى "داعش"، إلا أن فاعلية سلاح الطيران بالنسبة إلى القوات البرية المتحالفة معه على الأرض، تبدو ضعيفة في ظل تحول المعارك، ضمن أحياء الرقة، إلى حرب شوارع، إذ إن مسافة القتال بين الطرفين لا تتجاوز عشرات الأمتار أحياناً، وهو ما يعيق تدخل الطيران. ويُخضع عناصر التنظيم منطقة الرقة القديمة، وعدداً من أحياء ووسط المدينة لسيطرتهم، ابتداءً من مناطق الفرقة 17 شمالاً مروراً بدوار السنبلة وحي القطار ومناطق البدو والفردوس والدرعية وصولاً لمنطقة اليرموك جنوباً، ومن الشرق للغرب، مناطق سوق الغنم والرميلة وصولاً إلى أقصى غرب المدينة في منطقتي البريد والنهضة. وباتت كل هذه المناطق، أشبه بجزيرة معزولة، تحيط بها "قسد" من الجهات الأربع، بعد أن أتمت القوات الساعية لاقتحام وسط المدينة، الأسبوع الماضي، إطباق الحصار تماماً، من الجهة الجنوبية التي كانت المنفذ الوحيد، فيما لو قرر عناصر "داعش" الانسحاب نحو مناطق سيطرتهم في دير الزور والبادية السورية.
في هذا الوقت، لا يزال المدنيون يتساقطون ضحايا مواصلة طيران التحالف شن غارات على مناطق سيطرة "داعش"، آخرهم أمس الإثنين، عندما قُتل ثلاثة من السكان بغارة للتحالف على ريف الرقة الجنوبي. وذكرت "حملة الرقة تُذبح بصمت" أن ثلاثة مدنيين قتلوا جراء غارة من طيران التحالف الدولي على قرية كسرة سرور، الواقعة جنوب مدينة الرقة. وتحدثت الحملة، التي يوثق ناشطوها عدد القتلى من المدنيين جراء المعارك الدائرة، عن أن حصيلة الانتهاكات بحق المدنيين في محافظة الرقة، لشهر يونيو/حزيران الماضي، بلغت 358 قتيلاً، معظمهم بسبب غارات التحالف الجوية. إلى ذلك، وغير بعيد عن الرقة، أصيب مدنيون جراء غارة من الطيران الحربي الروسي على منازل في بلدة حطلة بريف دير الزور الشرقي، فيما قالت مصادر محلية في دير الزور إن عناصر من "داعش" قُتلوا بغارة من طائرة من دون طيار تابعة للتحالف الدولي استهدفت سيارتين للتنظيم، على طريق قرية السويعية الحدودية مع العراق في ريف المحافظة الشرقي. وفي ريف حمص، قال ناشطون إن الطيران الحربي الروسي قصف، فجر أمس الإثنين، منزلاً في قرية الضاحك في ناحية السخنة الخاضعة لـ"داعش" بريف حمص الشمالي الشرقي، ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين من عائلة البرميل، بينما أصيب باقي أعضاء العائلة بجروح.
"هدنة" على الجبهة الجنوبية
وعشية انطلاق مفاوضات "أستانة 5" في العاصمة الكازاخية، والتي سيتم فيها وضع خرائط لمناطق "خفض التصعيد"، أعلنت قوات النظام السوري، أمس الإثنين، وقف العمليات العسكرية في جنوب سورية حتى الخميس المقبل. وهو ثاني وقف أحادي الجانب لإطلاق النار في الأسبوعين الماضيين. ونقلت وسائل إعلام النظام عن "القيادة العامة للجيش" أن الأخيرة أعلنت عن وقف الأعمال القتالية في المنطقة الجنوبية بهدف "دعم العملية السلمية والمصالحات الوطنية" وفق قولها. وذكرت وكالة الأنباء التابعة للنظام (سانا) إن "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة" أعلنت وقف الأعمال القتالية في المنطقة الجنوبية، درعا، والقنيطرة، والسويداء، حتى نهاية السادس من يونيو/تموز الحالي، بـ"هدف دعم العملية السلمية والمصالحات الوطنية. وحذّرت القيادة من أنه سيتم الرد بالشكل المناسب في حال حدوث أي خرق". وكانت قوات النظام السوري صعدت، قبل الإعلان عن الهدنة، القصف الجوي والمدفعي أمس على مدينة درعا وريفها ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى بين المدنيين. وقال الناشط أحمد المسالمة، لـ"العربي الجديد"، إن ثلاثة مدنيين قُتلوا جراء القصف الجوي والمدفعي من قوات النظام على مدن الصنمين وجاسم وطفس في ريف درعا، فيما ألقى طيران النّظام أكثر من 50 برميلاً متفجراً، منذ منتصف ليل الأحد حتى ظهر أمس الإثنين، على مدينة درعا وبلدات ومدن أم المياذن، والنعيمة، ونوى، وأم الخرز، والجسري، وكوم الرمان، والصورة، وإبطع.
وفي ريف دمشق، اندلعت معارك بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، إثر هجوم جديد من الأخيرة على أطراف مدينة زملكا ووادي عين ترما، في الأطراف الغربية من غوطة دمشق الشرقية، وفي جبهة حي جوبر، في حين شن طيران النظام عدة غارات على الأحياء السكنية في مدن زملكا وعين ترما وحي جوبر. وذكرت مصادر، لـ"العربي الجديد"، أن القصف الجوي أسفر عن مقتل شخص وجرح آخرين في عين ترما. وقتل مدنيان جراء قصف مدفعي من قوات النظام السوري على الأحياء السكنية في دوما.