ضوء أخضر أميركي لتدمير درعا: الفصائل تتعهد بالمواجهة

25 يونيو 2018
من غارات النظام على درعا أمس (عمّار العلي/الأناضول)
+ الخط -

أظهرت كافة التطورات الميدانية في درعا خلال الساعات الماضية، أن الجنوب السوري سيكون أمام حرب تدمير لإخضاعه برمته للنظام والقضاء تماماً على المعارضة السورية التي تؤكد أنها اختارت المواجهة، وذلك بعد القصف غير المسبوق، الذي تعرّضت له المنطقة بالبراميل المتفجرة ودخول الطيران الروسي على خط المعركة. وسبقت كل ذلك رسالة أميركية لفصائل المعارضة واضحة في معناها السياسي والعسكري ومفادها "ضرورة ألا تبني الفصائل قراراتها في ما يتعلق بمعركة على افتراض أو توقع قيام الولايات المتحدة بتدخل عسكري لوقف هجوم النظام السوري". وبذلك يتبيّن أن خشية المعارضة طوال الفترة الماضية من أن صراعات وحسابات القوى الإقليمية والدولية النافذة في درعا ستكون المعارضة هي الخاسر الأكبر منها قد كانت في محلها، وإن اتخذت التطورات بعداً مختلفاً، خصوصاً بعدما جاء الإعلان الأميركي مفاجئاً بأن واشنطن لن تضع ثقلاً عسكرياً في جنوب سورية، في حال نشوب المعارك بين المعارضة والنظام، ليظهر فشل المفاوضات التي كانت تجري بين الروس والأميركيين بشأن الجنوب السوري، وأن ما جرى عملياً هو تخلٍ أميركي وروسي عن اتفاق خفض التصعيد في هذه المنطقة الذي تم بموجبه وقف إطلاق النار. وبات من الواضح أن واشنطن تراجعت خطوات واسعة عن استراتيجية اتبعتها في الجنوب السوري، وكانت قائمة على منع قوات النظام من استعادة السيطرة على هذا الجنوب المتاخم للأردن وفلسطين المحتلة.

ومن المتوقع أن تلقي تطورات الجنوب السوري بظلالها على الملف السياسي، خصوصاً لجهة اللجنة الدستورية التي تحاول الأمم المتحدة تشكيلها، فيشير في هذا الصدد، المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية يحيى العريضي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "كل الاحتمالات مفتوحة، بما فيها عدم الانخراط في اللجنة رداً على تطورات الجنوب"، مضيفاً بأن "هناك ألف سؤال يحيط بما يجري في الجنوب السوري".

وأبلغت واشنطن، مساء السبت، فصائل المعارضة السورية الرئيسية: "ضرورة ألا تتوقع حصولها على دعم عسكري لمساعدتها على التصدي لهجوم ضخم، تشنه قوات النظام لاستعادة مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة جنوب سورية". وكشفت نسخة من رسالة أرسلتها واشنطن إلى قادة جماعات "الجيش السوري الحر" واطلعت وكالة "رويترز" عليها، أن "الحكومة الأميركية تريد توضيح ضرورة ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقع قيامنا بتدخل عسكري".



وأضافت الرسالة الأميركية أيضاً أن "الأمر يعود إليهم فقط في اتخاذ القرار السليم بشأن كيفية مواجهة الحملة العسكرية التي يشنها الجيش السوري بناء على ما يرون أنه الأفضل بالنسبة لهم ولشعبهم". وذكرت "إننا في حكومة الولايات المتحدة ندرك الظروف الصعبة التي تواجهونها، وما زلنا ننصح الروس والنظام السوري بعدم الإقدام على إجراء عسكري يمثل خرقاً للمنطقة".

ودعمت واشنطن الجيش السوري الحر بالسلاح والمرتبات خلال الحرب الدائرة منذ سبع سنوات، بموجب برنامج للمساعدات العسكرية بإدارة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وكانت آمال المعارضة قد زادت بعد أن حذرت واشنطن رئيس النظام السوري بشار الأسد وحلفاءه الروس من أن "خرق هذه المنطقة ستكون له عواقب وخيمة"، وتعهدها بـ"اتخاذ إجراءات حازمة وملائمة"، ولكن سقف هذه الآمال انخفض الى حد بعيد بعد الرسالة الأميركية.

وانتقدت المعارضة السورية بشدة الموقف الأميركي المستجد، متهمة واشنطن بـ"التلاعب بمصير المدنيين في جنوب سورية". وقال القيادي في الجيش السوري الحر، العميد إبراهيم الجباوي لـ "العربي الجديد"، إن "الموقف الأميركي موقف تخاذل وبيع ومساومة ومتاجرة بالشعوب"، مضيفاً أنه "يشكّل انتكاسة لأميركا ويثبت عدوانها على الحريات وحقوق الإنسان والطفولة، وعداوتها للشعوب عامة". وتابع الجباوي بالقول إن "الولايات المتحدة همها مصالحها، وتنكث كافة العهود. لم تعد دولة ذات مصداقية".



وأشار الجباوي إلى أن "واشنطن هي من أوصلت الجنوب إلى هذه المرحلة"، واتهمها بأنها "تلاعبت بمصير وأرواح الناس هناك. تقع عليها مسؤوليات تاريخية وأخلاقية. هي من تقتل الجنوب اليوم وليس روسيا". وأكد أن "فصائل المعارضة السورية اختارت المواجهة العسكرية بدعم من الحاضنة"، مضيفاً "موت أو نصر ولا ثالث لهما، على الأقل الآن".

وبدأت الطائرات الروسية، فجر أمس الأحد، حملة واسعة النطاق، بريف درعا، فشنّت عشرات الغارات الجوية على مدنٍ وبلدات عدة، خصوصاً شمال شرقي المحافظة، في محور بصر الحرير ومسيكة، وذلك للمرة الأولى منذ توقيع اتفاق خفض التصعيد منتصف العام الماضي.

وقال ناشطون إن "الطيران الروسي شنّ أكثر من 25 غارة روسية على الأحياء السكنية في بلدة بصر الحرير بريف درعا الشرقي"، مشيرين إلى "مقتل شخص على الأقلّ وإصابة آخرين، رغم أن معظم سكان البلدة نزحوا إلى الحدود السورية الأردنية تفادياً للقصف الجوي".

كذلك تعرضت قرى وبلدات منطقة اللجاة شمال درعا لحملة قصف وُصفت بـ"القوية" بالتزامن مع اشتباكات عنيفة دارت على محاور قرى الشومرة والداما والشياح والبستان، حيث أعلنت المعارضة عن صد هجوم لقوات النظام على محور الدلافة وحران بالريف الشرقي، وقتل عدد من عناصر قوات النظام.

من جهتها، تحدثت مصادر النظام أمس عن أن "وحدات من الجيش حققت تقدماً في بلدة بصر الحرير"، مشيرة إلى أن "قوات النظام سيطرت خلال الساعات الـ48 الماضية على قرى وبلدات دير داما (المياس) والبستان وسياح شرقي والشومرية وبرغوشة والمدورة والعلالي الواقعة في الجزء الشرقي من منطقة اللجاة بريف درعا".

ومن المتوقع ألا تكون معركة الجنوب السوري مثل غيرها من المعارك في باقي أنحاء سورية، إذ تخوض فصائل المعارضة "معركة وجود وليس معركة حدود". وتؤكد مصادر محلية مطلعة لـ "العربي الجديد" أن "الجيش السوري الحر قوة ضاربة في المنطقة"، مشيرة إلى أن "هذا الجيش لديه آلاف المقاتلين المحترفين، الذين اكتسبوا خبرة قتالية خلال نحو سبع سنوات من محاربة قوات النظام ومليشيات إيران".



وأوضحت أن "هناك العديد من الفصائل المقاتلة، التب تتمركز في ريف درعا الشرقي، إضافة إلى فصائل أخرى"، مشيرة إلى أن "محافظة درعا كبيرة نسبياً، وهناك جبهتا قتال، الأولى تمتد نحو 100 كيلومتر من الشمال للجنوب، ونحو 55 كيلومتراً من الشرق للغرب، إضافة إلى منطقة اللجاة ذات الطبيعة الجغرافية الصعبة".

وأكدت المصادر أن "المعارك بين قوات النظام والجيش السوري الحر لن تنتهي خلال وقت قصير"، مشيرة إلى أن "الجيش السوري الحر قادر على الصمود ومقاومة قوات النظام لفترة طويلة، وأن الصراع لن ينتهي في جنوب سورية إلا باتفاق يرضي المعارضة السورية".

ومن الواضح أن قوات النظام تحاول استنساخ سيناريو تقطيع الأوصال الذي اتبعته في حلب وغوطة دمشق الشرقية في الجنوب السوري، مع حشدها قوات كبيرة لهذه الغاية. وفي المقابل، كانت قد أعلنت منذ أيام مجموعة من غرف العمليات العسكرية في الجنوب السوري اندماجها ضمن "غرفة عمليات مركزيّة"، مكوّنة من غرف عمليات "البنيان المرصوص" و"رصّ الصفوف" و"صدّ البغاة" و"توحيد الصفوف" و"مثلث الموت" و"النصر المبين" و"صدّ الغزاة"، وذلك بهدف تنظيم وتخطيط وقيادة الأعمال العسكرية في الجنوب السوري، في تأكيد على أن المعارضة اختارت المواجهة العسكرية الطويلة.

وقد يعمد النظام، وفق تحليلاتٍ لعسكريين، إلى فتح جبهات متزامنة، إذ تُعتبر الجبهة الأكثر سخونة الآن في الريف الشمالي الشرقي لدرعا، حيث يعمل النظام هناك على التقدم من غرب السويداء، نحو بلدة بصر الحرير، بهدف فصل كامل منطقة اللجاة، عن بقية مناطق سيطرة المعارضة السورية، الأمر الذي يُسهل على النظام بسط نفوذه على المنطقة، إن كان بالقتال أو باتفاق.

كذلك رجّحت التحليلات أن النظام إذا اتبع أسلوب فتح الجبهات المتعددة فإن أبرز الجبهات المتوقع أن تشهد تسخيناً هي جبهات مثلث الموت (التقاء أرياف دمشق بدرعا والقنيطرة)، إضافة لجبهة مدينة درعا نفسها، التي يتقاسم النظام السيطرة عليها مع فصائل المعارضة السورية.



في غضون ذلك تصاعدت مخاوف الأردن من تدهور الأوضاع في الجنوب السوري. وبحسب ما كشفه مصدر مطلع لـ"العربي الجديد"، فقد "زادت مخاوف الأردن بعدما شنّت المقاتلات الروسية يومي السبت والأحد عشرات الغارات الجوية على محافظة درعا جنوبي سورية، وذلك للمرة الأولى منذ توقيع اتفاق خفض التصعيد منتصف العام الماضي، إضافة إلى تصاعد المواجهات بين قوات النظام والمعارضة في الجنوب السوري".
وكان وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، قد قال أخيراً إن "الأردن يجري اتصالات مكثفة مع شريكيه في اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري، الولايات المتحدة وروسيا، بهدف الحفاظ على الاتفاق ووقف إطلاق النار". وأضاف أن "الأردن يتابع التطورات الميدانية ونؤكد ضرورة احترام الاتفاق ونعمل للحؤول دون تفجر العنف"، مشيراً إلى أن "حدود الأردن ومصالحه محمية".

وقال الخبير والمحلل الاستراتيجي الجنرال المتقاعد فايز الدويري لـ"العربي الجديد" إن "تصاعد الموقف في الجنوب السوري وخرق اتفاق خفض التصعيد ينذران بكارثة انسانية في مناطق درعا والسويداء وكافة مناطق الجنوب السوري، ما يدفع إلى نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين باتجاه الأردن الذي يخشى الوصول إلى هذا الوضع حالياً".

وأضاف أنه "يبدو أنه تم التوافق على سيناريو معين يقوم على أساس شن قوات النظام السوري عمليات عسكرية في المناطق الشرقية من الجنوب السوري، فيتم تطهيره من قوات المعارضة والقوات المسلحة، بما يمكن النظام من استعادة السيطرة على مركز حدود نصيب مع الأردن".

وقال الدويري إن "عمليات عسكرية شاملة ربما لن تحدث حالياً في الجنوب السوري، لكن روسيا معنية بتمكين النظام من مساحات واسعة من مناطق الجنوب التي تسيطر المعارضة على نحو 70 في المائة من أراضيه حالياً، فيما الولايات المتحدة تصرّ على تحقيق طلب إسرائيل إبعاد المليشيات الإيرانية والأخرى التابعة لحزب الله عن حدودها، وعلى مسافة لا تقلّ عن 80 كيلومتراً، في الوقت الذي لا تمانع فيه دولة الاحتلال من وجود قوات سورية نظامية على حدودها". ولفت إلى أن "الأردن يعمل جاهداً أيضاً على إبعاد المليشيات الشيعية عن حدوده ولمسافة لا تقل عن 40 كيلومتراً، إضافة إلى ضمانات بعدم تدفق مزيد من اللاجئين السوريين إلى أراضيه".