تدل المؤشرات الحالية في تونس على أن حكومة يوسف الشاهد في مأزق حقيقي، وسط تساؤلات من سياسيين ومسؤولين وخبراء ومواطنين، كيف يمكنها أن تتجاوزه بأقل الخسائر الممكنة. وتقف الحكومة اليوم، عشية مناقشة ميزانية العام المقبل في مجلس النواب، في مواجهة الكل تقريباً، من عمال ورجال أعمال وأطياف واسعة من المهن، محامين وأطباء وغيرهم، في حين كان يُفترض أن تجمع حولها أكثر ما يمكن من الأطراف لتمرير الموازنة التي تتضمن إجراءات استثنائية تستهدف الجميع من دون استثناء، وربما تشكّل منعطفاً هاماً في الوضع السياسي التونسي الحالي، وحتى قد تهدد وجود الحكومة، إذ سقطت سابقاً حكومات لأقل من ذلك بكثير.
وأعلنت الحكومة بشكل واضح أنها لن تغيّر شيئاً في ميزانيتها، إذ قالت وزيرة المالية لمياء الزريبي خلال لقاء تلفزيوني، إن الميزانية أصبحت الآن مشروعاً بيد النواب، وإن كل تعديل ينبغي أن يتم هناك. وعلى الرغم من أن هذا التصريح مرّ سريعاً ولم ينتبه إليه كثيرون، إلا أنه عكس حجم إصرار حكومة الشاهد على مشروعها وطريقة معالجتها لوضع اقتصادي واجتماعي لم تكن سبباً فيه بل ورثته عن الحكومات السابقة، وقررت أن تبدأ في مواجهته بقرارات لا شعبية، وإجراءات موجعة.
وعلى الرغم من أن خيار حكومة الشاهد يعكس شجاعة حقيقية، إذ تخلّت عن الإجراءات الترقيعية والحلول المؤقتة، وبدأت تنكّب على أصل الداء في معالجة الملفات الصعبة التي اختار من سبقها تأجيلها حتى هدوء الوضع الاجتماعي المتأزم، فإنها في المقابل أثبتت فشلاً في تسويق مشروعها السياسي في نهاية الأمر.
وللتذكير، فإن تشكيل حكومة الشاهد جاء على أساس البحث عن حكومة وحدة وطنية وسياسية، تجمع حولها أكثر ما يمكن من الأحزاب والمنظمات، لضمان حزام سياسي يدعمها في مواجهة معارضة شرسة، ويحميها من الهزَّات، ويمرر مشاريعها في البرلمان، ويساندها في المناطق وبين الناس بدعم من قواعد هذه الأحزاب في الشوارع، وعدم الاكتفاء بمجرد تصريحات إعلامية وبيانات لا تشكّل فارقاً حقيقياً في الحياة السياسية. وهو ما يعني صراحة تغيير مفهوم الائتلاف الذي رافق حكومة الحبيب الصيد، وأدى إلى إسقاطها على أيدي الائتلاف نفسه، الذي تركها وحيدة في مواجهة الكل، ولم يقدّم لها أي دعم حقيقي وملموس في أغلب الاختبارات التي واجهتها، بل كان أيضاً من منتقديها من موقع المتفرج غير المعني تماماً.
حكومة الشاهد اعترفت أنها وضعت ميزانية تتضمن قرارات صعبة، ولكنها ضرورية، أو لعلها حتمية لإيقاف الانحدار نحو الإفلاس، ودعت إلى ما سمته ضرورة "تقاسم الأعباء". وقد يكون في هذا الخيار الكثير من الوجاهة، فالحكومات لا تتشكّل لمجاراة رغبات الشعوب، وقد تكون مضطرة إلى فرض تقاسم اللحظات الصعبة، وهو ما عاشته وتعيشه دول أغنى من تونس بكثير وأعرق منها في الحياة والتجربة الديمقراطية. ولكن حكومة الشاهد تفشل فشلاً ذريعاً في التسويق لخيارها، الذي يشكّل خياراً تاريخياً في نهاية الأمر وليس مجرد قرارات حكومية ظرفية عابرة.
اقــرأ أيضاً
ولكن المراقب لمسيرة هذه الحكومة التي لم تتجاوز الشهرين بعد، ينتبه إلى أنها فقدت دعم أهم مكوّناتها بسرعة كبيرة، الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة رجال الأعمال، ووحّدت تقريباً كل أحزاب المعارضة في مواجهتها، بالإضافة إلى المحامين والأطباء وفئات مهنية كثيرة أخرى، ولم يخرج سياسيّو الحكومة للدفاع عن مشروعهم بالشكل المنتظر لحكومة وحدة سياسية، فَقَدت وحدتها ولم تُظهر إلى الآن قدرتها السياسية على إقناع كل هؤلاء بصواب الخيارات.
كل هذا ولم يبدأ البرلمان بعد في مناقشة الميزانية، مع بدء ظهور إشارات لإضرابات وشحذ الشارع، فكيف مع اكتشاف بقية جوانب هذه الميزانية التي لم يُعلَن عنها بعد؟ ويبقى السؤال مطروحاً حول قدرة الحكومة على الصمود أمام هذا الاختبار الحاسم، وقدرة الشاهد على تجنيد أحزاب ائتلافه في دعمه، مع معاناة حزبه "نداء تونس" من أزمة حادة لن تجعله قادراً على حشد الشارع لصالحه، بينما يؤكد الحليف الثاني، حركة "النهضة"، أنه سيراقب مدى احترام وثيقة قرطاج، ما يدل على أنه قد لا يكون متحمساً كثيراً أيضاً، في حين أنه أكثر الأحزاب تحركاً في القواعد، وقد يكون الوحيد الذي تجوب قياداته كل المناطق على مدى الأسبوع. وفيما دعم الشاهد في البرلمان قد يكون مضموناً بحكم الأغلبية التي صادقت عليه، ولكنها أغلبية لن تنفعه في مواجهة الاحتجاجات، وهي لم تنفع سلفه الحبيب الصيد.
وبعيداً عن كل هذه الحسابات السياسية التي ستكشف الأيام المقبلة تفاصيلها، يبدو الفشل الأكبر لحكومة الشاهد في صياغة خطاب سياسي يمكن أن يقتنع به التونسيون، ليقبلوا بتقاسم الأعباء وبالقرارات الموجعة، فلم تُروِّج الحكومة ولا سياسيوها إلى أن المستهدف الحقيقي من برنامجهم هو النظام التنموي الفاشل الذي وزع الفقر على الجميع، وتناسى المناطق في الأطراف، وأنه اذا قبل الجميع بعبور هذا العام الحاسم، فقد يشكّل ذلك بداية الخروج من خيارات تاريخية أرهقت التونسيين على مدى عقود، وقد يؤدي إلى تغيير منطق توزيع الثروات إذا عاد الجميع للعمل، واستعادت تونس أرقامها الطبيعية. ولكن الحكومة لم تذكر من ذلك شيئاً، وكانت تدخّلات وزرائها ضعيفة ومتذبذبة، وفي وضعية دفاع عن تفاصيل صغيرة وغير مهمة وتتناسى الخيار السياسي، وتغفل عن الترويج للمستقبل، وهو نفس ما سقطت وتسقط فيه المعارضة، إذ لا يسمع التونسيون عن مشروع يروّج للمستقبل ويبعث الأمل في نفوسهم.
وعلى الرغم من أن خيار حكومة الشاهد يعكس شجاعة حقيقية، إذ تخلّت عن الإجراءات الترقيعية والحلول المؤقتة، وبدأت تنكّب على أصل الداء في معالجة الملفات الصعبة التي اختار من سبقها تأجيلها حتى هدوء الوضع الاجتماعي المتأزم، فإنها في المقابل أثبتت فشلاً في تسويق مشروعها السياسي في نهاية الأمر.
وللتذكير، فإن تشكيل حكومة الشاهد جاء على أساس البحث عن حكومة وحدة وطنية وسياسية، تجمع حولها أكثر ما يمكن من الأحزاب والمنظمات، لضمان حزام سياسي يدعمها في مواجهة معارضة شرسة، ويحميها من الهزَّات، ويمرر مشاريعها في البرلمان، ويساندها في المناطق وبين الناس بدعم من قواعد هذه الأحزاب في الشوارع، وعدم الاكتفاء بمجرد تصريحات إعلامية وبيانات لا تشكّل فارقاً حقيقياً في الحياة السياسية. وهو ما يعني صراحة تغيير مفهوم الائتلاف الذي رافق حكومة الحبيب الصيد، وأدى إلى إسقاطها على أيدي الائتلاف نفسه، الذي تركها وحيدة في مواجهة الكل، ولم يقدّم لها أي دعم حقيقي وملموس في أغلب الاختبارات التي واجهتها، بل كان أيضاً من منتقديها من موقع المتفرج غير المعني تماماً.
حكومة الشاهد اعترفت أنها وضعت ميزانية تتضمن قرارات صعبة، ولكنها ضرورية، أو لعلها حتمية لإيقاف الانحدار نحو الإفلاس، ودعت إلى ما سمته ضرورة "تقاسم الأعباء". وقد يكون في هذا الخيار الكثير من الوجاهة، فالحكومات لا تتشكّل لمجاراة رغبات الشعوب، وقد تكون مضطرة إلى فرض تقاسم اللحظات الصعبة، وهو ما عاشته وتعيشه دول أغنى من تونس بكثير وأعرق منها في الحياة والتجربة الديمقراطية. ولكن حكومة الشاهد تفشل فشلاً ذريعاً في التسويق لخيارها، الذي يشكّل خياراً تاريخياً في نهاية الأمر وليس مجرد قرارات حكومية ظرفية عابرة.
ولكن المراقب لمسيرة هذه الحكومة التي لم تتجاوز الشهرين بعد، ينتبه إلى أنها فقدت دعم أهم مكوّناتها بسرعة كبيرة، الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة رجال الأعمال، ووحّدت تقريباً كل أحزاب المعارضة في مواجهتها، بالإضافة إلى المحامين والأطباء وفئات مهنية كثيرة أخرى، ولم يخرج سياسيّو الحكومة للدفاع عن مشروعهم بالشكل المنتظر لحكومة وحدة سياسية، فَقَدت وحدتها ولم تُظهر إلى الآن قدرتها السياسية على إقناع كل هؤلاء بصواب الخيارات.
كل هذا ولم يبدأ البرلمان بعد في مناقشة الميزانية، مع بدء ظهور إشارات لإضرابات وشحذ الشارع، فكيف مع اكتشاف بقية جوانب هذه الميزانية التي لم يُعلَن عنها بعد؟ ويبقى السؤال مطروحاً حول قدرة الحكومة على الصمود أمام هذا الاختبار الحاسم، وقدرة الشاهد على تجنيد أحزاب ائتلافه في دعمه، مع معاناة حزبه "نداء تونس" من أزمة حادة لن تجعله قادراً على حشد الشارع لصالحه، بينما يؤكد الحليف الثاني، حركة "النهضة"، أنه سيراقب مدى احترام وثيقة قرطاج، ما يدل على أنه قد لا يكون متحمساً كثيراً أيضاً، في حين أنه أكثر الأحزاب تحركاً في القواعد، وقد يكون الوحيد الذي تجوب قياداته كل المناطق على مدى الأسبوع. وفيما دعم الشاهد في البرلمان قد يكون مضموناً بحكم الأغلبية التي صادقت عليه، ولكنها أغلبية لن تنفعه في مواجهة الاحتجاجات، وهي لم تنفع سلفه الحبيب الصيد.