"المطالب" الخليجية... قطر ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة

25 يونيو 2017
وزير الخارجية التركي مولود جاووش-أوغلو زار الدوحة أخيراً(سيم أوزدل/الأناضول)
+ الخط -
سلمت دول محور الرياض - أبوظبي أخيراً، وبعد مماطلة طويلة، قائمةً بمطالبها تجاه قطر شملت 13 مطلباً قالت عنها وزارة الخارجية القطرية إنها غير واقعية وتعدّ تدخلاً في أعمالها السيادية، لكنها سترد عليها احتراماً للوسيط الكويتي. وفشلت القائمة التي قدمتها دول التصعيد في تقديم أي دليل أو مبرر لحصار قطر، وإنما ظهرت كأنها إملاءات يمليها طرف منتصر على طرف مهزوم في حرب بربرية، مع أن قطر دولة ذات سيادة وقانون ولها الحق في التعامل بأي طريقة شاءت في سياستها الخارجية أو الداخلية بما لا يخالف القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة.

وعانت دول خليجية مشابهة لقطر في المساحة الجغرافية من محاولات لدول كبيرة فرض وصاية عليها في سياستها الداخلية والخارجية. وحصل ذلك حين ضغطت السعودية على الكويت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لقطع الدعم عن المنظمات الفلسطينية المقاومة لإسرائيل والعاملة في الأردن ولبنان آنذاك. وأُجبر العشرات من الكتاب والرسامين العرب وأبرزهم الشاعر العراقي، أحمد مطر، والرسام ناجي العلي، على مغادرة الكويت، في تلك الفترة، بطلب من دول وقوى إقليمية. كما أن السعودية مارست ضغوطاً على البحرين في بداية الألفية، في محاولة منها لعرقلة عملية المصالحة الوطنية آنذاك بين القوى البحرينية المختلفة.

لكن القطريين هذه المرة يعلمون جيداً أن تكرار أخطاء الدول الأخرى في التعاطي مع مسألة التدخلات الخليجية في تسيير شؤون الدولة والتهاون في تفريط السيادة الوطنية على القرارات الداخلية والخارجية يعني أن الدولة قد تفقد سيادتها على سياستها وعلى مواطنيها وهو أمر أسوأ بكثير من الاستعمار الذي كان يعطي قيادة البلد السياسية مساحة إضافية تتحرك فيها. وشملت المطالب الثلاثة عشر إغلاق وسائل إعلام تدعمها دولة قطر، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وإغلاق القاعدة العسكرية التركية وقطع العلاقات مع تركيا، وقطع علاقات قطر مع جماعة "الإخوان المسلمين" ومنع تجنيس أي شخص من الدول الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) بالإضافة إلى مصر، وطرد مواطنيهم من أراضيها وتسليم كافة المطلوبين على قائمة الإرهاب التي أصدرتها هذه الدول، على الرغم من عدم اعتراف مجلس الأمن الدولي بها.


لكن هذه المطالب التعجيزية تجاهلت أن الإمارات هي الدولة الخليجية الأكثر تعاوناً من الناحية التجارية مع إيران، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات 16 مليار دولار عام 2016 لتكون الشريك التجاري الثاني عالمياً مع إيران من بعد الصين. وتمتلك الإمارات أيضاً عدة اتفاقيات عسكرية مع دول غربية أبرزها فرنسا، بالإضافة إلى أن الإمارات قامت بتجنيس الآلاف من مواطني السعودية واليمن والبحرين، وكذلك فعلت البحرين مع الآلاف من المقيمين الباكستانيين والهنود.

كما أن قائمة المطالب تجاهلت أن كثيراً من الخليجيين، وتحديداً أبناء القبائل الخليجية، هم متنقلون بين أراضي قبائلهم التي تمتد من قطر حتى الكويت مروراً بالسعودية، ما يعني أن كثيراً منهم يمتلك جذوراً مشتركة في هذه الدول الثلاث وتعد مسألة ازدواجية الجنسية أمراً شائعاً في الخليج، بسبب انقسام القبائل بين الأراضي الخليجية وتنقلها المستمر سابقاً، بحثاً عن الكلأ والزاد. ولا تقتصر هذه المطالب على دولة قطر بل تعد رسالة لدول خليجية أخرى أبرزها الكويت. فالأخيرة تشبه قطر، لناحية أنها بلد صغير الحجم وغني بالنفط ويمتلك برلماناً ووسائل إعلام شعبية ولديها قاعدة أميركية. ووقعت اتفاقاً مطلع هذا العام يقضي بفتح مكتب لحلف "شمال الأطلسي" في البلاد، بالإضافة إلى أكثر من خمس اتفاقيات عسكرية وقعها وزير الدفاع، الشيخ محمد الخالد الصباح، مع رئيس الأركان التركي، خلوصي أكار، قبل عدة أشهر للتعاون في المجالات الأمنية والاستخباراتية.

لكن أخطر ما في هذه المطالب وقد يمس الكويت ويدخلها في معمعة الصراع هو مسألة تقديم الموجودين على لائحة الإرهاب المزعومة التي أصدرتها هذه الدول إلى السعودية والإمارات لمحاكمتهم. وتشتمل هذه القائمة على ثلاثة مواطنين كويتيين يعتبرون من الأوساط السياسية والفكرية في الكويت، وهم حجاج العجمي، وحاكم المطيري، وحامد العلي، وسبق لأحدهم أن قاد حزباً سياسياً يمتلك تأثيراً في البرلمان الكويتي. وتجاهلت الكويت وجود قائمة الإرهاب ولم تصدر بيان تأييد لها أو استنكار، في محاولة منها لعدم الدخول في مشاكل مع الدول المصدرة للقائمة. وتمتلك الكويت، شأنها شأن سلطنة عُمان، علاقات جيدة مع إيران في كافة المجالات السياسية والاقتصادية. وسبق لأمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أن زار طهران والتقى بمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي. وكان وسيطاً لحل الخلافات الخليجية الإيرانية، كما أن سلطنة عُمان قامت بقيادة المفاوضات السرية بين الدول الغربية وإيران في إطار المباحثات التي أوصلت إلى الاتفاق النووي عام 2015، من دون علم الدول الخليجية.

لكن عُمان، على عكس الكويت وقطر، لا تبدو خاضعة للابتزاز بقائمة المطالب تلك بسبب وضعها الجغرافي المنفصل عن الخليج وتنوعها المذهبي المختلف وسياستها القديمة في الحياد ورفضها الدخول في الوحدة الخليجية منذ أن طرح فكرتها العاهل السعودي الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، في أعقاب الربيع العربي.

وفي هذا الصدد، قال الأكاديمي والباحث الكويتي، الدكتور عبدالرحمن المطيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن قطر ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي يجري التخطيط لفرض الوصاية عليها في الخليج بدعوى "المجال الحيوي" وبذريعة أنها يجب أن تكون تابعة للدول الأكبر منها. وأضاف قائلاً: "مع احترامي للسياسات السعودية والإماراتية، لكن مسألة قياس الاستقلالية في القرار الوطني تبعاً لحجم الدولة لن يكون في صالح كلا الدولتين أمام إيران أو أميركا أو بريطانيا، وهو يمثل استخفافاً بحق أي دولة في سنّ ما تريده من قوانين ومن منع ما تريده من قوانين وفي انتهاج أي سياسة تريدها، ما دامت لا تضر أي أحد من جيرانها"، وفق تعبيره.

وأضحت منظومة دول مجلس التعاون الخليجي مفككة في ظل صمت الأمين العام للمجلس عبد اللطيف بن راشد الزياني، ورفضه القيام بدوره في التصريح والوساطة حول "حصار قطر"، وتطوع أمير الكويت كبديل عنه لحل الأزمة، فيما يبدو أن قائمة المطالب الـ13 أمست الخنجر الأخير في حلم الوحدة الخليجية، في ظل محاولة قوى خليجية فرض سيادتها على الدول الأخرى تحت دعوى الحجم الجغرافي.

وكان أمير الكويت قد قال لصحيفة "الجريدة" الكويتية، في أعقاب قرار دول محور الرياض-أبوظبي فرض حصار على قطر، إنه أصبح حزيناً وهو يشاهد الحلم الخليجي الذي ساهم في بنائه في ثمانينيات القرن الماضي يتهاوى.