تستعدّ "حركة النهضة" التونسية لمؤتمرها العاشر، المقرّر أن ينطلق غداً الجمعة على أن يستمر حتى يوم الأحد المقبل، ليكون موعداً حاسماً وتاريخياً في مسار الحركة، لأسباب عديدة، أهمّها تحوّل الحزب من حركة دينية واجتماعية وسياسية، إلى حزب سياسي صرف، متخصص فقط في العمل السياسي، تاركاً بقية المجالات للمجتمع المدني، مع قطيعة تنظيمية كاملة بين المسارين.
ويُشدّد على أنه "كان هناك جزء من التنظيم يُعنى بمسألة العمل الدعوي، ليس عبر الدعوة إلى الإسلام في بلد غير مسلم، بل عبر التثقيف الديني في المساجد وتحفيظ القرآن والحلقات، بالإضافة إلى العمل الاجتماعي والإغاثي، كالزيجات الجماعية، أو تقديم المساعدات للعائلات الفقيرة، في المناسبات الاجتماعية والدينية والأعياد والمعونات المدرسية".
كما يلفت زيتون إلى أنه "مع الثورة (2010) ودخول النهضة للحكم، بدأت الحركة تسعى إلى التفرّغ للعمل السياسي، وكانت كل مؤسساتها القيادية تُعنى بالكامل تقريباً بالعمل السياسي، ولم يكن العمل الاجتماعي إلا هامشياً وفي المناسبات".
ويضيف "بالتالي انخرطت الحركة في تجربة الحكم والانتخابات وإدارة شؤون الدولة، وحتى الزعامات الدينية المعروفة في النهضة، انخرطت بدورها في العمل السياسي وترشحت للمجلس التأسيسي وتقلّدت مسؤوليات شتى". ويؤكد زيتون أن "المؤتمر سيضع الأسس الفكرية والسياسية لهذا التخصص، أما بقية الأنشطة الأخرى، الاجتماعية والدينية، فستؤول إلى عمل الجمعيات بما يسمح به القانون".
مع العلم أنه جاء في الوثيقة المخصصة للمناقشة في المؤتمر ما يلي: "بناء على أن المشروع الذي نشأت حركة النهضة عليه تاريخياً، هو مشروع حضاري متعدد الأبعاد، فإن المطلوب من معالجة المشروع ليس مجرد التخفيف (بمعنى ترك الأمر للمجهول أو التخلي أو التنازل) عن الشأن الثقافي المجتمعي الذي لم يعد من اختصاص الحزب، بل المطلوب من المعالجة أن تعيد ترتيب العلاقة بين البعدين السياسي والمجتمعي".
وتعتبر الوثيقة أن "الحوار الداخلي أدى إلى التوافق العام، توقياً من مساوئ الازدواجية التي لم يعد مسموحاً بها قانونياً، ولا واقعياً من جهة، وضماناً لفاعلية ونجاعة كل من العمل الحزبي والمجتمعي من جهة أخرى". غير أن جملة من الأسئلة رافقت بداية النقاشات حول هذا الفصل بين الدعوي والسياسي، وأهمها الخسارة الممكنة التي ستتكبّدها الحركة على المستوى الشعبي، لأهمية العمل الاجتماعي المباشر في نجاح بعض الأحزاب في المناطق الفقيرة، التي غالباً ما تربط بين المنفعة المباشرة وطريقة تصويتها للأحزاب.
لكن زيتون لا يوافق على أن ما يجلب الجمهور هو العمل الاجتماعي أو المساعدات، برأيه فإن "سبب وشروط نجاح الأحزاب السياسية مرتبط ببرامجها ومقترحاتها لحلّ المشاكل التي تطرحها الحياة الاجتماعية، من أزمات بطالة ووضعيات اقتصادية صعبة وتحقيق رفاه عام. أما من يستغلّ الانتخابات أو المناسبات لتقديم مساعدات بغية الحصول على أصوات، فهو يعتمد مقاربة قديمة لم تعد تجدي نفعاً، وتُعدّ مجرّد مسكّنات. وهو من ناحية أخرى لا يقدّر درجة النضج التي وصلها الشعب".
وفيما إذا كانت هناك معارضة من قواعد "النهضة" لهذا التوجه، يؤكد زيتون أن "الحوارات الواسعة التي شهدتها المؤتمرات المحلية والجهوية والمركزية ونقاشات النخب، صنعت رأياً عاماً غالباً لعملية الإصلاح التي يقودها رئيس الحركة راشد الغنوشي".
وعلى الرغم من أن خطاب النهضة في هذا الاتجاه واضح، إلا أن الاتهامات لا تزال تُوجّه إليها من خصومها، من أنها مجرد واجهة، وأنه لا يمكن أن تتخلّى أبداً عن الفضاءات والأنشطة التي صنعت نجاحها، خصوصاً أن تجارب عربية أخرى فصلت بين النشاطين تنظيمياً، ولكنها تُخضعهما للتنسيق والإدارة الواحدة.
ويلفت زيتون إلى أن "بعض التجارب العربية الأخرى فصلت فقط بين النشاطين الاجتماعي والديني من ناحية والعمل السياسي من ناحية أخرى، ولكن بقي هناك تنسيق بين الجانبين. أما النهضة فستتخصص فقط في العمل السياسي، وستترك بقية النشاطات لما يتيحه وضع الحريات في تونس". ويضيف أنهم "سيشجعون أبناء الحركة على الانخراط في العمل المدني بكل أنواعه".
ويردف أن "الديمقراطية تدفع الأحزاب غالباً إلى الوسط وإلى التخلّص من العبء الأيديولوجي، والتركيز على حاجات الناس، والقيام بمبادرات تشريعية لتحسين ظروف حياة الناس والاستعداد لإدارة الشأن العام وإدارة الحكم".
ويعزو زيتون هذا التحوّل السريع في الحركة إلى "تجربتها التاريخية الطويلة ومستوى وعي نخبتها، لأن رئيس الحركة ليس مجرد قائد سياسي، ولكنه أيضاً مفكّر كبير من مفكري مدرسة الإسلام السياسي، وقوة مطوِّرة في هذا الفكر. إن الغنوشي أول الدعاة للديمقراطية والاندماج في اللعبة السياسية والاعتراف بالآخر وقيام البرلمانات، في سياق موقع تونس وخصوصية الشخصية التونسية المتفتحة والقادرة على التأقلم والتفاعل مع الظروف، فضلاً عن الدعم الخارجي الذي تلقاه التجربة التونسية".
وتُشدّد الوثيقة التي ستعرض على المؤتمر، على أن "الغرض ليس توفير حزام من الجمعيات الموالية والمساندة للحزب من طرف خفي، بل تحرير العمل الثقافي المجتمعي من التحزب السياسي". وتذهب الوثيقة إلى حدّ توضيح أن "بعض القطاعات المجتمعية يتعين استقلالها عن الحزب، مثل التعليم والإمامة المسجدية، لأنها تخضع إلى إشراف مؤسسات حكومية".