أكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، مارتن كوبلر، أن حل الأزمة الليبية سيكون سياسياً فقط، مستبعداً أي تدخل عسكري على غرار ما حدث في عام 2011 على يد قوات حلف شمال الأطلسي. وأوضح كوبلر، في مقابلة مع "العربي الجديد" في القاهرة، أن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، وأن المجتمع الدولي والأمم المتحدة يدعوان إلى حل سلمي وسياسي فقط، بعيداً عن "العسكرة" أو "التدخلات الخارجية". وأعلن أنه يتواصل مع قائد القوات التابعة لمجلس النواب في طبرق، الجنرال خليفة حفتر، لأنه طرف أساسي في المشهد الليبي ولا يمكن تجاوزه، وأنه يتواصل معه مثلما يتواصل مع غيره من الأطراف بهدف إيجاد حل سلمي. واعتبر أن 2017 سيكون عام القرارات الحاسمة والشجاعة من قبل الأطراف الليبية الفاعلة لإنهاء معاناة الشعب الليبي والوصول إلى دولة مستقرة وآمنة.
*ماذا تقول عن عام 2016 في ليبيا؟
لقد شهد عام 2016 بعض الأحداث الإيجابية، إذ انتقل المجلس الرئاسي إلى طرابلس وبدأ العمل من هناك، وتمت هزيمة مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مدينة سرت الساحلية، كما تم تحقيق تقدم كبير ضد الجماعات الإرهابية في بنغازي. واقتصادياً، ارتفع إنتاج النفط من 200 ألف برميل يومياً إلى 685 ألف برميل يومياً، وهذه خطوة جيدة لإنعاش الاقتصاد الليبي. لكن، رغم كل هذا لا يزال أمامنا الكثير من العمل. وبخصوص استقبالنا عام 2017، فأؤكد لك أنه سيكون عام الأفعال والقرارات الحاسمة والشجاعة من قبل الأطراف الليبية الفاعلة، لإنهاء معاناة الشعب الليبي وحلحلة الملفات العالقة والوصول إلى حلول عملية لإنقاذ البلاد.
*هل يمكن أن تحدد لنا بشكل دقيق الأطراف والجهات التي تتواصلون وتتعاملون معها في ليبيا؟
المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني هما السلطة التنفيذية الشرعية الوحيدة في ليبيا، كما هو منصوص عليه في الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر/كانون الأول 2015، ومن ثم فهي (حكومة الوفاق ومقرها العاصمة طرابلس) الجهة الرسمية والأساسية في التواصل والتنسيق. لكن دورنا كبعثة أممية لليبيا هو التواصل والتباحث مع جميع الأطراف في البلد، طبعاً باستثناء الجماعات الإرهابية.
*ماذا تقصد بالجماعات الإرهابية، ومن هي تحديداً؟
الجماعات الإرهابية عندنا هي المجموعات المسلحة التي عرّفتها قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأنها جماعات إرهابية، وكل مجموعة ورد اسمها في هذه القرارات لا نتعامل معها، ونعتبرها "إرهابية" كما نصت القرارات.
* بخصوص الاتفاق السياسي. صرحت من قبل بأن مدته القانونية انتهت، ثم تراجعت عن ذلك، وقلت إن المدة تبدأ بعد اعتماد البرلمان للاتفاق. ما سبب التراجع؟
الاتفاق السياسي الليبي واضح جداً، إذ تنتهي مدته بعد اعتماد دستور وإجراء انتخابات واستلام حكومة جديدة منتخبة مهامها. إن الاتفاق السياسي هو إطار العمل الوحيد للأزمة في ليبيا، وهو يشكل إطاراً جيداً للعملية الانتقالية فيها، لأنه تمت صياغته والاتفاق عليه من قبل الليبيين أنفسهم.
* لكن البرلمان يشترط تعديله قبل اعتماده. هل ستقبلون ذلك؟
الأمر يعود إلى الليبيين أنفسهم لاتخاذ قرار بشأن هذه التعديلات، ومدى قبول كافة الأطراف لها. الاتفاق بحد ذاته يحتوي في صلبه على آليات تسمح بإجراء تعديلات عليه. وبخصوص التعديلات المقترحة ستتم مناقشة النقاط الخلافية ضمن الأطر والآليات التي نص عليها الاتفاق السياسي.
*رحبت بخطوة إنشاء حكومة الوفاق لمؤسسة أمنية تحت مسمى "الحرس الرئاسي"، وطالبت بدعمه. كيف سيكون الدعم؟
الحقيقة، إن تشكيل وإنشاء الحرس الرئاسي من قبل حكومة الوفاق الشرعية يعد خطوة هامة نحو توفير الأمن لمؤسسات الدولة. لكن دعني أكون واضحاً، هذا الحرس الرئاسي لا يجب أن يكون بديلا للجيش أو الشرطة، لذلك، فإنه يتحتّم بناء مؤسسات أمنية فعالة ومهنية.
*الجنرال خليفة حفتر خرج من المشهد السياسي بنص المادة الثامنة من الاتفاق. كيف تتواصلون معه وتلتقون به رسمياً؟
خليفة حفتر طرف أساسي في المشهد الليبي، وهو أحد الفاعلين على الأرض. واتفاق الصخيرات ينص على أن القيادة العليا للجيش الليبي بيد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، لكن ما دون ذلك وما يخص سلسلة القيادة يجب أن يناقشه الليبيون. وأنا بصفتي المبعوث الأممي إلى ليبيا أمدّ يدي للجميع، من كل الانتماءات، بغية إيجاد أرضية مشتركة وتقريب وجهات النظر. كما أنني أقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الليبية. وشاغلنا الرئيسي هو إيجاد حل سياسي شامل لأزمة ليبيا.
*لكن حفتر نفسه يرفض اتفاق الصخيرات ومخرجاته؟
نحن كممثلين للأمم المتحدة ندفع باتجاه اعتراف الجميع في ليبيا بالاتفاق السياسي. ورغم عدم قبول حفتر، ومعه رئيس البرلمان، عقيلة صالح، بجميع مضامين اتفاق الصخيرات، إلا أنهما يقرّان بأنه الإطار لحل الأزمة القائمة.
*صدرت أخيراً تصريحات من واشنطن عن ضرورة إخراج المجموعات المسلحة من طرابلس. هل تتوقع عمليات أميركية ضد المسلحين في العاصمة على غرار سرت؟
كل المجتمع الدولي وجميع الليبيين يريدون رؤية العاصمة وليبيا بأكملها خالية من الجماعات المسلحة والمليشيات غير الشرعية، وأنا دائما أقول إنه يجب على المليشيات إفساح المجال لأجهزة أمنية موحدة تحت قيادة مدنية، غير أن هذا يجب أن يتم بشكل سلمي ومن خلال الحوار. وللعلم فإن الاتفاق السياسي الليبي يحتوي على ترتيبات أمنية مؤقتة، وهي توفر حلاً لهذه المسألة.
* كيف ترى مستقبل قوات "البنيان المرصوص" بعد تحرير مدينة سرت، وما الدور الذي يمكن أن تقوم به؟
قدمت قوات "البنيان المرصوص"، التابعة إلى حكومة الوفاق الوطني الليبي، تضحيات كبيرة في سرت لتحرير المدينة من آفة "داعش"، ولهم كل التحية على ذلك. أما بخصوص مستقبل هذه القوات، وأي قوات أخرى، فهو في يد الليبيين أنفسهم، والأمر يعود إلى الليبيين للاتفاق على مؤسسات أمنية موحدة وبنائها.
*ما تعليقك على الصدام الذي حدث أخيراً بين أعضاء في المجلس الرئاسي الليبي، وإصدار قرارات وإلغائها في الوقت ذاته؟
الحقيقة، هنا أقول، أنني كمبعوث أممي أؤيد تأييداً تاماً رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، وأعضاء المجلس الرئاسي. وأشجع جميع أعضاء المجلس الرئاسي على العمل سوية وبانسجام، من أجل ليبيا وشعبها.
*هل تتوقع تدخلا عسكرياً في ليبيا على غرار تدخل حلف شمال الأطلسي في 2011؟
لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري في ليبيا، ولن تتكرر عملية 2011، فالحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، والمجتمع الدولي والأمم المتحدة يدعوان إلى حل سلمي وسياسي. فقط من خلال الحوار والوحدة يمكن لليبيين إعادة الاستقرار والأمن والازدهار إلى بلدهم.