رغم الارتياح الذي نقلته وسائل إعلام ألمانية عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في ما خص اتفاق "الالتزام الطوعي" في سياسة الهجرة الأوروبية، التي تم التوصل إليها خلال القمة الأوروبية يومي الخميس والجمعة الماضيين، ورغم تأجيل أو وقف ولاية بافاريا الألمانية إنذارها بإغلاق الحدود صباح غد الإثنين، إلا أن الاتفاق الأوروبي يتعرض منذ أمس السبت لكثير من الشكوك والانتقادات. وسواء حصلت ميركل، وفقاً لصحيفة "دي فيلت" أمس، على تعهّد 14 دولة لاستقبال سريع للمبعدين من طالبي اللجوء، أو اقتصار الوعود على هلسنكي ومدريد وباريس وأثينا، إلا أن أزمة الهجرة نحو أوروبا لا يبدو أنها في طور النهاية.
تشاؤم طبع تعاطي الصحافة الأوروبية الشمالية والألمانية، مع نتائج القمة، ومن بينها "دي فيلت"، إذ وضعت عنواناً وشريطاً يصوّر حالة ميركل بأنها "وقعت بين يدي رئيس وزراء فنلندا" يوها سيبيلا، حول "غياب آليات تنفيذ التوافق الأوروبي"، وهو ما لم يختلف كثيراً عن موقف منظمة العفو الدولية، "أمنستي".
الاتفاق الذي جاء غير ملزم بعد قمة بروكسل يومي الخميس والجمعة، رأت فيه "أمنستي"، "تراجعاً حقيقياً في الالتزام بحقوق الإنسان". وذهبت المستشارة السياسية في المنظمة، أنيتا ستوبكيير، إلى اعتبار الإجراءات الأوروبية "بعيدة تماماً عن الإصلاح الذي ناشدنا لتغييره في سياسة تقاسم (محاصصة) عادلة بين دول الاتحاد، وعوضاً عن ذلك حصلنا على ورقة تركز على كيفية جعل أوروبا مغلقة تماماً بوجه اللاجئين، وليس التعامل مع الحقوق والاحتياجات والأسباب". ورغم ذلك، رأت ستوبكيير أن "عنصراً إيجابياً احتوته الورقة السياسية في ما يتعلق بتخفيف عبء إيطاليا، رغم أن أحداً لا يعرف كيف سيتم تنفيذ اتفاق يقوم على الطواعية". وأسفت "أمنستي" لرؤية أن "سياسات أوروبا تقوم اليوم على رمي المسؤولية وليس تحمّلها حين يتعلق الأمر بالبشر".
انتقادات "أمنستي" وجّهتها أيضاً منظمات غير حكومية أخرى، وحزب "دي لينكه" اليساري الألماني وبعض أحزاب يسار الشمال، حول غياب سياسة التضامن التي عُرفت بها أوروبا، في ظل تراجع يسار الوسط وقبوله أكثر بأطروحة اليمين المتشدد لإغلاق أبواب أوروبا تماماً بوجه المحتاجين للمساعدة والحماية.
وفي سياق التشاؤم من تنفيذ البنود الأوروبية، وتركيز القادة على نجاح توافقهم لتعزيز وتقوية وكالة حماية حدود أوروبا "فرونتيكس" خلال العامين المقبلين، والعمل الوقائي الذي يصل إلى حدود منطقة الساحل في أفريقيا، يزداد الشك بجدوى وتنفيذ إنشاء معسكرات خارج حدود الاتحاد الأوروبي لدراسة طلبات اللاجئين. وتنتقد الأصوات الحقوقية "فوضى التنفيذ" في ما خص "التعاون مع ليبيا" لاستقبال المرحّلين أو لاجئي القوارب. فإصرار إيطاليا على ما يشبه "التعاون الثنائي مع ليبيا"، يراه هؤلاء "مكلفاً إنسانياً، ويركز فقط على إرسال إشارة بأنه لن ينفع الإبحار عبر المتوسط"، فيما مبرّرو الخطوة يرونها "ضرورية لوقف عملية تهريب البشر والمخاطرة بحياتهم".
اقــرأ أيضاً
ولم تتردد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، في رسالة وجّهتها للقمة الأوروبية، لوضع شروط كثيرة لتعاونها في مسألة تلك المعسكرات خارج أوروبا، وخصوصاً "أن تلتزم الدول التي سيجري إنشاء المعسكرات فيها بالتزامات تنصّ عليها حقوق الإنسان"، وهو ما يجعل ليبيا كمكان مقترح "بعيد التطبيق، إلا إذا تولى الاتحاد الأوروبي المسؤولية الأكبر"، وفقاً للمسؤول الإعلامي في المنظمة الدولية، شارلي ياكسلي، حول مجمل سياسات الهجرة واللجوء. ولفت ياكسلي في حديث لصحيفة "بوليتكن" الدنماركية، إلى أن "85 في المائة من لاجئي العالم يأتون من دول نامية، وما نحتاجه هو المزيد من السياسات التضامنية من الشمال إلى الجنوب، وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن الاتحاد الأوروبي يؤوي عدداً قليلاً نسبياً من لاجئي العالم، فلن نستطيع دعم التوجّه الراغب بدفع المسؤولية بعيداً عن حدود القارة".
المشكلة الأخرى، في اتفاق "طواعية التنفيذ"، في ما يخص تحديد الحركة الثانوية لطالبي اللجوء بين دول الاتحاد بإنشاء "معسكرات مغلقة"، أو مسيطر عليها في أوروبا، تتعلق أيضاً بغياب صيغة ملزمة لتوزيع طالبي اللجوء بين الدول. فما يسميه السياسيون في بروكسل "إنجازاً"، يراه خبراء في الشأن الأوروبي "أقل بكثير"، كما تذهب الخبيرة الإيطالية-الألمانية يانا بوجيليرين من "مؤسسة الفكر الألمانية للسياسات الخارجية"، قائلة "لم أرَ ذلك التقدّم الكبير الذي تحدثوا عنه. الكل متفق على تقوية حدود أوروبا فقط".
أما تهكّم بعض الصحف، ومنها ألمانية، على صورة المستشارة الألمانية، وهي تضع رأسها على صدر رئيس وزراء فنلندا، فيُقرأ من زاوية أن هلسنكي ومدريد وباريس وأثينا "قدّمت ما يشبه طوق نجاة لمستقبلها السياسي، في ظل أزمة لن تنتهي قريباً مع حزبها الشقيق الاتحاد الاجتماعي المسيحي، قبل يوم الإثنين كحد أقصى وضعه وزير الداخلية هورست زيهوفر".
وفي الاتجاه نفسه، ترى الخبيرة في السياسات الأوروبية، يانا بوجيليرين، في حديث لصحيفة "إنفارماسيون" الدنماركية أمس، أنه "من غير الواضح كيف سيتم بناء مخيمات في شمال أفريقيا، ومعسكرات دراسة طلبات وترحيل على أراضٍ أوروبية، وسيكون من الصعب جداً أن تجد من يقبل ذلك بعنوان التعاون الطوعي، وسنستمر في مشكلة التوزيع، فمن يقبل أسس لجوئهم؟ نحن أمام كلمات كبيرة يخرج بها الاتحاد الأوروبي بأفعال لا نتيجة لها".
ما يثير قلق بعض معسكر السياسة في أوروبا، وخصوصاً في اليسار وجماعات حقوقية ومؤيدة لمزيد من استقبال اللاجئين، أن "القارة بدأت تركع أمام اكتساح الفكر الشعبوي، لخلق قلعة أوروبية مغلقة"، بحسب ما يقول عضو قيادة حزب "اللائحة الموحدة" اليساري في الدنمارك، هانس يورغن، لـ"العربي الجديد". ويبدو أن هذا التحوّل، في ما يطلق عليه المنتقدون "غياب روح التضامن"، لم يؤثر فيه كثيراً غرق آلاف البشر في محاولة الهرب إلى القارة. ويرى هؤلاء المنتقدون أن "تدفق اللاجئين مستمر طالما بقيت أوضاع الجيران في الجنوب متفجرة وعلى ما هي عليه كما كانت من دون تدخّل أوروبي حقيقي لوضع حد للمآسي المستمرة، وأسباب سعي البعض للهجرة".
من الواضح لهؤلاء المراقبين القلقين من تطورات تحرك القارة باتجاه اليمين المتشدد، أن المنتصر، بفرض صيغة "التزام طوعي"، هي الدول والقوى الرافضة لاستقبال لاجئين. في المقدمة يأتي نهج رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ومعه بقية معسكر المتشدد، في شرق ووسط وشمال أوروبا، وأحزاب وقوى في غربها. فاليوم تبدو سياسات الاتحاد أقرب بكثير إلى سياسات المجر وبولندا، مع استمرار رفض إيطاليا المطلق للعودة إلى وضع كان قائماً قبل مجيء الحكم الشعبوي. فسفن الإنقاذ، التابعة لمنظمات غير حكومية في المتوسط، وبتوافق أوروبي، لن يُسمح لها بالعمل، وبأوامر إيطالية. وهو ما برز في غرق نحو مائة مهاجر أمام السواحل الليبية، الجمعة، وقول سفينة إنقاذ إسبانية إن السلطات الإيطالية طلبت منها الابتعاد وأن "خفر السواحل الليبية يقوم بالمهمة".
إذاً، بعد نحو 24 ساعة من اختتام قمتهم، لا يبدو أن "تسوية" القادة الأوروبيين سائرة باتجاه "حسم قضية الهجرة" كما أمل كثيرون. فرغم أنها قضية احتلت مساحة الورقة الختامية للقمة، ووضعت القضايا الكبرى، من الحرب التجارية والأمن والدفاع والموازنات إلى خروج بريطانيا، على هامشها، إلا أن التوجس والشكوك بقدرة أوروبا على حل أزمة بهذا الحجم عبر التركيز على اتفاقيات ثنائية، ووعود بدعم لهذه الدولة وتلك في أفريقيا، لا يبدو سوى تأجيل للمأزق المستمر. صحيح أنه اتفاق منح ميركل ورقة تعود بها إلى برلين، لكن "في ظل صعوبة تطبيق هذه الإجراءات، وخصوصاً في غياب سياسة تقاسم الأعباء، سيظل الخطر يلاحق حتى ميركل، عدا عن المشروع الأوروبي"، بحسب وصف ماريا دو سومر، كبيرة باحثي مركز السياسات الأوروبية.
اقــرأ أيضاً
تشاؤم طبع تعاطي الصحافة الأوروبية الشمالية والألمانية، مع نتائج القمة، ومن بينها "دي فيلت"، إذ وضعت عنواناً وشريطاً يصوّر حالة ميركل بأنها "وقعت بين يدي رئيس وزراء فنلندا" يوها سيبيلا، حول "غياب آليات تنفيذ التوافق الأوروبي"، وهو ما لم يختلف كثيراً عن موقف منظمة العفو الدولية، "أمنستي".
انتقادات "أمنستي" وجّهتها أيضاً منظمات غير حكومية أخرى، وحزب "دي لينكه" اليساري الألماني وبعض أحزاب يسار الشمال، حول غياب سياسة التضامن التي عُرفت بها أوروبا، في ظل تراجع يسار الوسط وقبوله أكثر بأطروحة اليمين المتشدد لإغلاق أبواب أوروبا تماماً بوجه المحتاجين للمساعدة والحماية.
وفي سياق التشاؤم من تنفيذ البنود الأوروبية، وتركيز القادة على نجاح توافقهم لتعزيز وتقوية وكالة حماية حدود أوروبا "فرونتيكس" خلال العامين المقبلين، والعمل الوقائي الذي يصل إلى حدود منطقة الساحل في أفريقيا، يزداد الشك بجدوى وتنفيذ إنشاء معسكرات خارج حدود الاتحاد الأوروبي لدراسة طلبات اللاجئين. وتنتقد الأصوات الحقوقية "فوضى التنفيذ" في ما خص "التعاون مع ليبيا" لاستقبال المرحّلين أو لاجئي القوارب. فإصرار إيطاليا على ما يشبه "التعاون الثنائي مع ليبيا"، يراه هؤلاء "مكلفاً إنسانياً، ويركز فقط على إرسال إشارة بأنه لن ينفع الإبحار عبر المتوسط"، فيما مبرّرو الخطوة يرونها "ضرورية لوقف عملية تهريب البشر والمخاطرة بحياتهم".
ولم تتردد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، في رسالة وجّهتها للقمة الأوروبية، لوضع شروط كثيرة لتعاونها في مسألة تلك المعسكرات خارج أوروبا، وخصوصاً "أن تلتزم الدول التي سيجري إنشاء المعسكرات فيها بالتزامات تنصّ عليها حقوق الإنسان"، وهو ما يجعل ليبيا كمكان مقترح "بعيد التطبيق، إلا إذا تولى الاتحاد الأوروبي المسؤولية الأكبر"، وفقاً للمسؤول الإعلامي في المنظمة الدولية، شارلي ياكسلي، حول مجمل سياسات الهجرة واللجوء. ولفت ياكسلي في حديث لصحيفة "بوليتكن" الدنماركية، إلى أن "85 في المائة من لاجئي العالم يأتون من دول نامية، وما نحتاجه هو المزيد من السياسات التضامنية من الشمال إلى الجنوب، وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن الاتحاد الأوروبي يؤوي عدداً قليلاً نسبياً من لاجئي العالم، فلن نستطيع دعم التوجّه الراغب بدفع المسؤولية بعيداً عن حدود القارة".
المشكلة الأخرى، في اتفاق "طواعية التنفيذ"، في ما يخص تحديد الحركة الثانوية لطالبي اللجوء بين دول الاتحاد بإنشاء "معسكرات مغلقة"، أو مسيطر عليها في أوروبا، تتعلق أيضاً بغياب صيغة ملزمة لتوزيع طالبي اللجوء بين الدول. فما يسميه السياسيون في بروكسل "إنجازاً"، يراه خبراء في الشأن الأوروبي "أقل بكثير"، كما تذهب الخبيرة الإيطالية-الألمانية يانا بوجيليرين من "مؤسسة الفكر الألمانية للسياسات الخارجية"، قائلة "لم أرَ ذلك التقدّم الكبير الذي تحدثوا عنه. الكل متفق على تقوية حدود أوروبا فقط".
أما تهكّم بعض الصحف، ومنها ألمانية، على صورة المستشارة الألمانية، وهي تضع رأسها على صدر رئيس وزراء فنلندا، فيُقرأ من زاوية أن هلسنكي ومدريد وباريس وأثينا "قدّمت ما يشبه طوق نجاة لمستقبلها السياسي، في ظل أزمة لن تنتهي قريباً مع حزبها الشقيق الاتحاد الاجتماعي المسيحي، قبل يوم الإثنين كحد أقصى وضعه وزير الداخلية هورست زيهوفر".
وفي الاتجاه نفسه، ترى الخبيرة في السياسات الأوروبية، يانا بوجيليرين، في حديث لصحيفة "إنفارماسيون" الدنماركية أمس، أنه "من غير الواضح كيف سيتم بناء مخيمات في شمال أفريقيا، ومعسكرات دراسة طلبات وترحيل على أراضٍ أوروبية، وسيكون من الصعب جداً أن تجد من يقبل ذلك بعنوان التعاون الطوعي، وسنستمر في مشكلة التوزيع، فمن يقبل أسس لجوئهم؟ نحن أمام كلمات كبيرة يخرج بها الاتحاد الأوروبي بأفعال لا نتيجة لها".
من الواضح لهؤلاء المراقبين القلقين من تطورات تحرك القارة باتجاه اليمين المتشدد، أن المنتصر، بفرض صيغة "التزام طوعي"، هي الدول والقوى الرافضة لاستقبال لاجئين. في المقدمة يأتي نهج رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ومعه بقية معسكر المتشدد، في شرق ووسط وشمال أوروبا، وأحزاب وقوى في غربها. فاليوم تبدو سياسات الاتحاد أقرب بكثير إلى سياسات المجر وبولندا، مع استمرار رفض إيطاليا المطلق للعودة إلى وضع كان قائماً قبل مجيء الحكم الشعبوي. فسفن الإنقاذ، التابعة لمنظمات غير حكومية في المتوسط، وبتوافق أوروبي، لن يُسمح لها بالعمل، وبأوامر إيطالية. وهو ما برز في غرق نحو مائة مهاجر أمام السواحل الليبية، الجمعة، وقول سفينة إنقاذ إسبانية إن السلطات الإيطالية طلبت منها الابتعاد وأن "خفر السواحل الليبية يقوم بالمهمة".
إذاً، بعد نحو 24 ساعة من اختتام قمتهم، لا يبدو أن "تسوية" القادة الأوروبيين سائرة باتجاه "حسم قضية الهجرة" كما أمل كثيرون. فرغم أنها قضية احتلت مساحة الورقة الختامية للقمة، ووضعت القضايا الكبرى، من الحرب التجارية والأمن والدفاع والموازنات إلى خروج بريطانيا، على هامشها، إلا أن التوجس والشكوك بقدرة أوروبا على حل أزمة بهذا الحجم عبر التركيز على اتفاقيات ثنائية، ووعود بدعم لهذه الدولة وتلك في أفريقيا، لا يبدو سوى تأجيل للمأزق المستمر. صحيح أنه اتفاق منح ميركل ورقة تعود بها إلى برلين، لكن "في ظل صعوبة تطبيق هذه الإجراءات، وخصوصاً في غياب سياسة تقاسم الأعباء، سيظل الخطر يلاحق حتى ميركل، عدا عن المشروع الأوروبي"، بحسب وصف ماريا دو سومر، كبيرة باحثي مركز السياسات الأوروبية.