يعتبر الغابون، إلى جانب تشاد حالياً، من أكثر البلدان الأفريقية قرباً من فرنسا، وما يجمع ليبرفيل بباريس يجعل من المستحيل تصوّر الغابون خارج الهيمنة الفرنسية في أي وقت من الأوقات. ويشهد على هذا التعلق الفرنسي بهذا البلد، الذي عاش فترات استقرار طويلة خلافاً لكثير من البلدان الأفريقية الأخرى وخدم فيها مصالح فرنسا في إطار سياسة "فرنسا ـ أفريقيا"، دورُ فرنسا في دعم الرئيس الراحل عمر بونغو و"وريثه" نجله علي، في وجه معارضيه والاعتراف بانتخابه، على الرغم من الاعتراض المتزايد، من المعارضة ومن الشعب، على هذه الجمهورية "الوراثية". مع العلم أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي جرت في أغسطس/آب 2016، تمّت في وضعية صعبة، دانت خلالها المعارضة لجوء النظام للتزوير من أجل فرض علي بونغو.
وبرز الملف الغابوني مجدداً، بفعل المحاولة الانقلابية التي جرت ليل الأحد ـ الاثنين، في ليبرفيل، والتي قامت بها مجموعة من الضباط. فشلت المحاولة، التي لم تجد صدى داخلياً ولا خارجياً. ولم يدم "الانقلاب" سوى بضع ساعات، قبل إعلان الحكومة استعادتها السيطرة، واعتقال أربعة من الانقلابيين الخمسة. وكان بيان الانقلابيين، الذي تزعمه كيلي أوندو أوبيانغ، من الحرس الجمهوري، قد انتقد "المحافظين المتشبثين بالسلطة الذين يصادرونها"، معلناً عن ظهور "الحركة الوطنية لقوات الدفاع والأمن في الغابون". ووعد بـ"تأسيس مجلس وطني لإعادة الديمقراطية، من أجل تأمين استمرارية الدولة وتأمين انتقال ديمقراطي للشعب الغابوني". غير أنه وبعد اعتقاله قال إن "ضباط الجيش حاولوا الانقلاب لاستعادة الديمقراطية". وقال المتحدث باسم الحكومة غي-برتران مابانغو إن "اثنين من مدبري الانقلاب قُتلا وإن ثمانية آخرين اعتقلوا". قبل تفقّد محطة الاذاعة الحكومية أمس الثلاثاء، وعودة الحياة إلى العاصمة ليبرفيل.
في العلاقة الفرنسية ـ الغابونية، دور مغربي تعتمد عليه فرنسا، لارتباطه الوثيق بالغابون، المؤيد لموقف الرباط من أزمة الصحراء، وصلت إلى درجة انتشار قوات مغربية خاصة لحماية القصر الرئاسي، أيام الأب وأيام الابن، الذي يتعافى من مرضه في مستشفيات المغرب، بعد مغادرته البلاد أولاً إلى السعودية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتجمع علي بونغو علاقات شخصية قوية مع الملك المغربي محمد السادس، منذ أيام ما قبل وجودهما في السلطة.
وعلى الرغم من الفترة الطويلة التي غاب فيها الرئيس علي بونغو عن بلده، إلا أن رجال الرئيس المدعومين من فرنسا، لا يزالون يسيطرون على الأوضاع في البلاد. وهو ما جعل هذه المحاولة الانتخابية تبوء بالفشل، رغم شعاراتها الحماسية، والتي قد تغوي الكثير من المواطنين، الذين تعبوا من تسلط أسرة بونغو على مقدرات البلاد.
وما يغيب عن كثيرين هو الحضور العسكري الفرنسي في هذا البلد، منذ استقلاله عن فرنسا سنة 1960. وتنشر فرنسا قواتها انسجاماً مع اتفاقيات أغسطس/آب 1960. والغرض المعلن من الطرفين، هو تأمين مصالح فرنسا وحماية رعاياها، وأيضا دعم الانتشار العملياتي في المنطقة، إضافة إلى المشاركة في التعاون الإقليمي. ولا يمكن إغفال تنفيذ اتفاقيات التعاون العسكري الثنائي، في إطار معاهدة التعاون في ميدان الدفاع، الموقعة مع الغابون عام 2011. وأيضاً لدعم الدول الأفريقية في تعزيز أمنها الجماعي.
وإذا كانت العملية الانقلابية قد فشلت، فإن كثر لم يكونوا يتصوّرون نجاحها بسبب حاجة فرنسا إلى هذا البلد، خصوصاً في حربها الطويلة المنهكة من أجل استئصال الإرهاب. ولكن حالة الرئيس الغابوني، علي بونغو الصحية المقلقة، لن تساهم في إعادة الأمور إلى نصابها، وسط وجود كثيرين من القادة الطامحين في خلافته.
حالياً، لا يعرف الشعب الغابوني شيئاً عن حالة رئيسه الصحية، ما إذا كان الأمر متعلقاً بـ"حالة إرهاق شديد"، أم أن الوضع أخطر، خصوصاً أن علي بونغو أصيب بجلطة دماغية، منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وانعدام الشفافية في الموضوع، ساهم في رفع منسوب الغموض وبالتالي إمكانية حصول بعض التحركات، كما هو الحال في ممارسة السلطة لدى الدول الحزب الواحد أو الحكم الواحد. ولم يعلم الغابونيون عن وصول رئيسهم المريض إلى المغرب لمواصلة العلاج في مستشفياتها، يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلاّ من صفحة زوجة الرئيس، سيلفيا بونغو، على موقع "فيسبوك".
واستؤنفت حركة السير أمس على الطريق البحرية وعلى جادة تريومفال في العاصمة ليبرفيل. كذلك أعيد فتح معظم المتاجر والمطاعم المقفلة. ولوحظ أيضاً انتشار كثيف لقوى الأمن في العاصمة، وقد جالت دوريات من المدرعات العسكرية هناك. وفي حوالى منتصف الليل، سمعت طلقات نارية متفرقة في حي ريو الشعبي في ليبرفيل، وفق مصادر متطابقة. وإذا كانت شبكة "غابون الأولى" الوطنية للتلفزيون استأنفت برامجها مساء الاثنين، فان شبكة "غابون 24" الرسمية للاعلام المتواصل ما زالت متوقفة صباح أمس الثلاثاء.