كل ذلك وسط تصريحات متضاربة خرجت عن اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية في نيويورك، أمس الثلاثاء، الذي انتهى من دون نتائج حاسمة، في انتظار لقاء آخر، حُدّد بعد غد الجمعة. وعلى الرغم من إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، من نيويورك، أن "وقف إطلاق النار في سورية لم يمت"، وقول المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا إن "الاجتماع المقبل سيُعقد الجمعة"، وتشديد وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، على أن "الاتفاق الأميركي الروسي هو الخيار الوحيد لإنهاء العنف"، إلا أن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت بدا متشائماً بقوله "لا أستطيع القول إننا سننقذ اتفاق وقف إطلاق النار". وكان اجتماع المجموعة قد عُقد بعد لقاء ثنائي بين كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
وكانت قوات النظام قد أنهت مفعول الهدنة، التي استمرت سبعة أيام بترتيب روسي أميركي، متهمة المعارضة السورية بعدم الالتزام بوقف إطلاق النار، فيما أكدت المعارضة أنها وثقت 242 خرقاً للهدنة من قبل قوات النظام، تخللها استخدام مادة النابالم الخارقة.
ورفع النظام، بحماية حليفه الروسي، سقف تحديهما للمجتمع الدولي بارتكاب مجزرة في ريف حلب الغربي، عبر استهداف رتل شاحنات تحمل مواد إغاثية، ما أدى إلى مقتل موظفي إغاثة ومدنيين، وأصيبت نحو 18 شاحنة من أصل 31 في قافلة تتبع الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري، كما استهدف أيضاً مخازن تابعة للهلال الأحمر السوري. وكانت القافلة تُسلّم شحنات إلى 78 ألف شخص في بلدة أورم الكبرى، التي يتعذّر الوصول إليها بمحافظة حلب.
في هذا السياق، ادّعت وزارة الدفاع الروسية، أمس الثلاثاء، أن "القوات الجوية الروسية والسورية لم تشترك في الضربات الجوية على قافلة مساعدات إنسانية قرب حلب". وأفاد المتحدث باسم الوزارة إيغور كوناشينكوف في تصريحات لقناة "روسيا 24" الحكومية، أن "كل المعلومات عن مكان القافلة لم تكن متاحة إلا للمتشددين الذين يسيطرون على هذه المناطق". قبل أن تنقل وكالة "إنترفاكس" عنه اعتقاده بأن "حريقاً شبّ في القافلة". ووصل الأمر بكوناشينكوف حدّ اتهام عناصر الدفاع المدني السوري العامل في مناطق سيطرة المعارضة، المعروفين بـ"القبعات البيض"، والمرشحين لنيل جائزة نوبل للسلام، بارتكاب جريمة الهلال الأحمر، عندما قال "فقط ممثلو منظمة (القبعات البيضاء) المقربة من جبهة النصرة، يمكنهم أن يشيروا بدقة إلى الطرف الذي أشعل الحريق وإلى الهدف من ذلك لأنهم دائماً يظهرون صدفة في المكان المطلوب وفي الزمن الضروري ومعهم كاميرات الفيديو".
من جهته أعلن الكرملين، أن "الجيش الروسي يحقق في المعلومات المتعلقة بإصابة القافلة". وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، إن "عسكريينا يحققون في هذه المعلومات". وأضاف أن "الوضع في سورية متوتر، بينما استؤنفت المعارك، غداة إعلان الجيش السوري انتهاء الهدنة".
واعتبر بيسكوف أنه "لا يُمكن إعادة العمل بالهدنة ما لم يوقف الإرهابيون هجماتهم على مواقع الجيش السوري". وقال إن "الشروط بسيطة للغاية: يجب وقف إطلاق النار وأن يتوقف الإرهابيون عن مهاجمة الجيش السوري. وبالتأكيد سيكون من الجيد ألا يستهدف زملاؤنا الأميركيون السوريين بالخطأ مجدداً". واعتبر أن الأمل في تجديد الهدنة ضئيل جداً".
بدورها علّقت الأمم المتحدة قوافل المساعدات في جميع أنحاء سورية، بعد قصف قافلة الإغاثة. وحذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي قالت إنها ستؤجل إرسال قافلة مساعدات كان من المقرر أن تسلم إمدادات لأربع بلدات سورية محاصرة، من عواقب ذلك على ملايين المدنيين المحتاجين.
وقال المتحدث باسم الإغاثة الإنسانية في الأمم المتحدة ينس لايركه في جنيف "كإجراء أمني فوري جرى تعليق تحركات القوافل الأخرى في سورية، في الوقت الراهن في انتظار مزيد من التقييم للوضع الأمني". وتابع "لكننا لا نزال ملتزمين بالبقاء وبتسليم المساعدات لجميع المحتاجين في سورية". وذكر لايركه أن "الأمم المتحدة حصلت على إذن من الحكومة السورية لتسليم المساعدات لكل المناطق المحاصرة في البلاد. وجرى إخطار كل الأطراف بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة بشأن القافلة المتجهة إلى شرق حلب وهي المنطقة التي تخضع لسيطرة المعارضة". بدوره اعتبر منسق شؤون الإغاثة في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، أنه "إذا اتضح أن هذا الهجوم القاسي استهدف موظفي الإغاثة الإنسانية بشكل متعمّد، فسيكون هذا بمثابة جريمة حرب".
من جهته، رأى مدير عمليات الصليب الأحمر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا روبرت مارديني لوكالة "رويترز" في جنيف أن "هذا (قصف الشاحنات) أمر يبعث على القلق للغاية. نرى استئنافاً للعنف وتصعيداً للقتال في العديد من المواقع". وتابع "كانت لدينا خطط في البلدات الأربعة لكن تم تعليقها في الوقت الحالي لإعادة تقييم الأوضاع الأمنية"، في إشارة لبلدتي الفوعة وكفريا في إدلب وبلدة مضايا التي تحاصرها قوات النظام والزبداني القريبة من الحدود اللبنانية. وأشار مارديني إلى أن "مدير الهلال الأحمر السوري في أروم الكبرى عمر بركات كان بين القتلى".
كما واصل النظام قصفه الجوي والبري في مختلف مناطق المعارضة، وقصف ريف حمص الشمالي بصواريخ فراغية محمولة بالمظلات، وقصفت مدفعيته مدينة تلبيسة ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين. وأعاد النظام محاصرة حي الوعر، الذي تسيطر عليه المعارضة، مجدداً. وكشف مركز حمص الإعلامي، أن قوات النظام أغلقت المعابر المؤدية إلى الحي، ومنعت دخول المواد الغذائية، إثر فشل خروج دفعة من المقاتلين والمصابين وعائلاتهم منه إلى شمال سورية، لعدم وجود ضمانات تحمي الخارجين من الحي.
في هذا الصدد، اعتبر محافظ حمص، طلال البرازي، في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، أنه "تمّ تأجيل الإجلاء المقرر أياماً عدة، لأنه من الصعب ضمان خروج هذه الدفعة من المقاتلين والمصابين بشكل آمن". وأضاف أنه "من المتوقع بدء إجلاء نحو 300 مقاتل وعائلاتهم أو نحو ألف شخص في المجمل، في 22 حافلة في غضون يومين أو ثلاثة أيام". وفي معضمية الشام، غرب العاصمة دمشق، فوجئ الأهالي بسرقة قوات النظام لمعظم محتويات سبع شاحنات إغاثة دخلت المدينة، وأنها خلطت المواد الغذائية المتبقية مع بعضها لمنع المحاصرين من الاستفادة منها.
من جهتها، لم تستغرب المعارضة إنهاء النظام لاتفاق الهدنة، معتبرة أنها "لم تكن تعوّل عليه في ردع قوات النظام عن ارتكاب المجازر بحق السوريين، أو لإيصال مساعدات إنسانية لعشرات آلاف المحاصرين في أحياء حلب الشرقية، أو لتمهيد الأرضية للعودة إلى طاولة التفاوض". وأكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، أن "الهدنة لم تبدأ أصلاً حتى تنتهي"، مشيراً في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النظام وحليفه الروسي لم يلتزما بالاتفاق منذ يومه الأول". وذهب رئيس وفد المعارضة المفاوض أسعد الزعبي، أبعد من ذلك، حين اعتبر في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن "الهدنة كانت حيلة روسية بتغطية أميركية، للقضاء على من بقي من مقاتلي المعارضة السورية"، معتبراً أن "أي اتفاق روسي أميركي لن يكون في صالح السوريين".
بدوره، اعتبر عضو الائتلاف الوطني السوري، وأمينه العام السابق يحيى مكتبي، أن "مقدمات اتفاق الهدنة كانت تدل على النتائج"، لافتاً في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن "هذا الاتفاق حمل بذور فشله في داخله، تحديداً لجهة عدم وجود آليات مراقبة ومحاسبة للطرف الذي يخل بالتزاماته تجاهه". وأوضح أن "روسيا كانت الخصم والحكم في هذا الاتفاق".