وتراجعت نسبة المشاركة، أيضاً، بالمقارنة مع نتائج الدورة الثانية للانتخابات التشريعية السابقة عام 2012، والتي بلغت 46,42 في المائة، ما يعني أن ما بين 57 و58 في المائة من الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية قاطعوا هذا الاقتراع، ولم يتوجهوا إلى مكاتب التصويت.
وإذا بقي الحال على ما هو عليه عند إغلاق مكاتب التصويت عند الساعة السادسة مساء في المدن والبلدات الصغيرة، وعند الثامنة مساء في كبريات المدن، فستكون نسبة العزوف هذه هي الكبرى في تاريخ الجمهورية الفرنسية منذ بدء العمل بنظام الجمهورية الخامسة عام 1958.
وحسب استطلاع للرأي نُشر مباشرة بعد الإعلان عن أرقام وزارة الداخلية، وأنجزته مؤسسة "إيبسوس" لصالح القنوات التلفزيونية العامة، من المتوقع أن تسجل نسبة العزوف عن التصويت في مجموع فرنسا 58 في المائة بعد إغلاق مكاتب الاقتراع.
وأكدت هذه المشاركة الضعيفة كثيراً من التوقعات التي رجّحت تحطيم رقم قياسي في نسبة المشاركة في اقتراع اليوم، وذلك لعدة أسباب، منها الملل الانتخابي، لكون هذا الاقتراع هو الرابع الذي يُنظّم في ظرف شهرين فقط.
كما أن أعداداً كبيرة من الناخبين تعتبر أن نتائج هذه الانتخابات محسومة سلفاً لصالح الرئيس إيمانويل ماكرون وغالبيته الرئاسية، ولا حاجة إذن للتصويت، وأيضا بسبب أحوال الطقس الحارة، والتي تدفع بالناخبين إلى تفضيل الاستجمام على الذهاب إلى مكاتب الاقتراع.
وهوت نسبة المشاركة في بعض المناطق إلى نِسب مخيفة لم يشهد لها تاريخ الانتخابات مثيلاً، مثل منطقة باريس وضواحيها، والتي لم تتجاوز نسبة 10 في المائة.
كذلك بدت مكاتب التصويت شبه مهجورة في المدن الساحلية، سواء على ضفاف البحر الأطلسي في مدن الشمال، أو المدن المتوسطية، مثل مارسيليا ونيس.
وكان الناخبون قد بدأوا منذ صباح اليوم الأحد عند الثامنة بالتوقيت الفرنسي، بالإدلاء بأصواتهم وسط توقعات قوية بفوز حزب الرئيس ماكرون "الجمهورية إلى الأمام"، وحليفه الحزب الوسطي "موديم" بغالبية ساحقة.
ودُعي أكثر من 47 مليون ناخب للتصويت في الاقتراع من أجل انتخاب 573 نائباً من بين 1147 مرشحاً من مختلف الأطياف السياسية، من بينهم 40 في المائة من النساء لولاية تشريعية تدوم خمس سنوات.
وبحسب آخر التقديرات، فإن نواب حزب "الجمهورية إلى الأمام" وحليفها الوسطي اليميني حزب "موديم" سيحصلون على ما بين 400 إلى 455 مقعدًا، من مجموع 577 مقعدًا يتألف منها البرلمان.
وإذا صحت التقديرات، فإن هذه النتيجة ستعزز موقع ماكرون، والذي صار موعودا بولاية رئاسية من خمس سنوات، يحكم فيها من موقع قوة مطلقة، وبإمكانه تطبيق مجمل إصلاحاته، حتى تلك الأكثر إثارة للجدل، في مختلف المجالات، من دون أية عرقلة برلمانية، بعد أن يصير ممسكا بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية.
أما تحالف اليمين الذي يضم حزبي "الجمهوريون" و"اتحاد الديمقراطيين والمستقلين" فترجح التقديرات حصوله على ما بين 50 و110 مقاعد في البرلمان المقبل من مجموع 577. وكيفما كان عدد المقاعد التي سيتمكن اليمين من انتزاعها، فلن يتمتع أبدًا بالثقل الذي كان يشكله في البرلمان السابق، حين كان يشكّل معارضة تزن 226 مقعدًا.
وبالنسبة للحزب الاشتراكي، والذي كان يتوفر على نصف مقاعد البرلمان السابق، فلا تمنحه التقديرات سوى ما بين 15 إلى 40 مقعدًا، وهو ما قد يمكنه من تشكيل فريق نيابي إن هو حصل على 15 مقعدًا على الأقل. ويشهد الاشتراكي أزمة خانقة هي الأكبر في تاريخه تهدد باختفائه الوشيك من الساحة السياسية الفرنسية.
ويخوض حزب "فرنسا غير الخاضعة" وزعيمه جان لوك ميلانشون هذه الدورة الثانية بمعنويات مرتفعة، وبإمكانه حسب التقديرات أن يحصل على ما بين 10 إلى 23 مقعدًا، مع احتساب نواب الحزب الشيوعي، ما يؤهله لتشكيل فريق نيابي ولعب دور المعارضة اليسارية ضد الغالبية الرئاسية بعد الاندحار الكبير الذي عرفه الحزب الاشتراكي.
في المقابل، تبدو حظوظ حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف ضعيفة في الوصول إلى سقف 15 مقعدا لتشكيل فريق برلماني، رغم أن زعيمته لوبان تتوفر على حظوظ كبيرة بالفوز اليوم في دائرة هينان بومون. وتشير التوقعات إلى أن حزب لوبان لن يكون بمقدوره أن يحصل على أكثر من أربعة مقاعد.
ويتوقع كذلك أن يحدث تجديد غير مسبوق في طبيعة البرلمان المقبل، بفضل موجة التغيير التي أحدثها ماكرون في المشهد السياسي الفرنسي، والتي فتحت الأبواب أمام مئات النواب الجدد، غالبيتهم حديثو العهد في السياسة.
ويخوض اقتراع اليوم 39 مرشحا من أصول مغاربية، غالبتهم نساء، وهو حدث غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الفرنسية.
وفي الانتخابات التشريعية السابقة، تمخضت النتائج عن فوز مرشحيْن فقط من الحزب الاشتراكي من أصول جزائرية هما مالك بوتيح ورازي حمادي.
ومن المتوقع أن يفوز نصف هؤلاء على الأقل بمقاعد في البرلمان المقبل لتصدرهم نتائج الدورة الأولى الأحد الماضي.
وعدا الوزيرتين السابقيتين في الحكومة الاشتراكية، مريم الخمري ونجاة بلقاسم، اللتين من المتوقع ألا تتمكنان من الفوز، فالبقية أسماء مجهولة تنحدر من منظمات المجتمع المدني، ولم يسبق لها أن مارست العمل السياسي.
ومن المفترض أن يدشن البرلمان أعماله في 27 يونيو/ حزيران بتشكيل مكتبه وانتخاب رئيسه، وبعد ذلك سيُدعى النواب إلى التصويت على منح الثقة للحكومة المنبثقة عن الانتخابات، والتي قد تكون الحكومة نفسها التي يقودها حالياً إدوار فيليب، أو حكومة معدلة بشكل طفيف.