وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على نصب رافعة عملاقة على أنقاض حي المجاهدين في ساحة البراق التي تشكل امتداداً للمسجد الأقصى، تمهيداً للشروع ببناء مجمع سياحي توراتي في المكان، فوجئ المقدسيون، صباح اليوم الخميس، بإنشاء منصة المراقبة، التي تضاف إلى عشرات كاميرات المراقبة في محيط ساحة باب العامود، والتي يطلق عليها المقدسيون ساحة الشهداء، نسبة إلى عدد من شهداء هبة القدس والأقصى الأخيرة.
وبدا مشهد هذه المنصة التي اعتلاها جنود من حرس الحدود الإسرائيلي، مفزعاً للمقدسيين، الذين اعتبروا ما قامت به سلطات الاحتلال اعتداءً على الطابع التاريخي للبلدة القديمة وأسوارها، وطمساً لمعالمها وهويتها العربية، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد"، الناشط الإعلامي أحمد البخاري، واصفاً المشهد الجديد بأنه "غاية في البشاعة".
Twitter Post
|
وكتب البخاري، في وقت سابق، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن "باب العامود أصبح ثكنة عسكرية ويشوه الوجه الجميل للمدينة. إنه منظر شنيع وبشع يسيء لتاريخ وحضارة وآثار المدينة المقدسة".
وتساءل: "أين اليونسكو والمهتمون بعروبة القدس عن هذا المنظر الشنيع"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "باب العامود المستهدف بالتهويد اليوم، يقع في منتصف الحائط الشمالي لسور القدس، ويعود تاريخه إلى عهد السلطان سليمان القانوني العثماني، وتعلو هذا الباب قوس مستديرة قائمة بين برجين. وكان أقيم فوق أنقاض باب يعود إلى العهد الصليبي، ويسمى أيضاً باب دمشق، لأنه كان مخرج القوافل إليها".
وبينما استوقفت المنصة الكثير من المارة العابرين إلى البلدة القديمة، كان جنود الاحتلال يؤدون وظيفتهم اليومية في إذلال فتية قاصرين، جراء احتجازهم وتفتيشهم، بما في ذلك فتاة محجبة ترتدي جلباباً، إذ استوقفتها مجندة إسرائيلية وشرعت بالتدقيق في بطاقتها الشخصية والتفتيش في حقيبتها، ما أثار غضب أحد التجار هناك، ويدعى خميس الأقطش، الذي اعترض على طريقة التفتيش، وسط احتجاج مواطنين لم يخفوا غضبهم أيضاً من تلك المنصة الجديدة التي ستزيد من معاناة الداخلين إلى البلدة القديمة، سواء تلاميذ المدارس أو حتى المتسوقين.
وبدا واضحاً انزعاج المقدسيين من إجراءات الاحتلال، إذ قال تاجر آخر يدعى ناصر جبر، إن "انتكاسة كبيرة" لحقت به وبزملائه التجار على مدى العامين الماضيين بسبب إجراءات الاحتلال على بوابات البلدة القديمة، وتردد قدوم فئات من المواطنين إلى أسواق البلدة القديمة خشية إخضاعهم للتفتيشات والاستجواب.
ولم تخف المرجعيات الوطنية والدينية في القدس المحتلة هي الأخرى سخطها من خطوة الاحتلال، ووصفها القيادي في حركة "فتح"، حاتم عبدالقادر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً "ما رأيناه كان بشعاً وشنيعاً. الاحتلال ماض في إجراءاته وممارساته لطمس هوية المدينة المقدسة من خلال هذه الشبكة الواسعة والمعقدة من إجراءاته الأمنية والتي لن تمنع المقدسيين من مقاومته والتصدي لها، كما كان عليه الحال حين أحبطوا وضع بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى".
ويقول مراقبون في القدس المحتلة، وناشطون إعلاميون وسياسيون، إن "ما جرى فجر اليوم، يترجم على الأرض ما أقره رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في جلسة خاصة عقدتها حكومته في السابع عشر من يوليو/تموز من العام 2017 المنصرم، بهدف السيطرة على الأوضاع الأمنية المنفلتة في حينه بعد سلسلة هجمات ناجحة نفذها مقاومون فلسطينيون واستهدفت جنوداً ومستوطنين، إذ أوعز لأجهزة أمنه باعتبار منطقة باب العامود منطقة أمنية مغلقة، بحيث يمنع دخولها إلا بعد تفتيش دقيق".
وتنفيذاً لتعليمات نتنياهو تلك، أعد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد أردان، في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ما سماه بـ"خطة أمنية" لمنع ما وصف بـ"الهجمات الفلسطينية" في البلدة القديمة بالقدس المحتلة.
وهدفت خطة أردان إلى تشديد الحزام الأمني في منطقة باب العامود والبلدة القديمة، عبر إقامة مراكز ونقاط تفتيش تشبه النقاط العسكرية، وتم لاحقاً نشر نقاط تفتيش عسكرية ثابتة عند مدخله وفي محيطه، تم تعزيزها بقوات "حرس الحدود" المشهورة بخشونتها ووحشيتها في التعامل مع الفلسطينيين.
كما قامت سلطات الاحتلال، وعلى مدى الأشهر الماضية، بنشر أكثر من 40 كاميراً مراقبة أمنية ذكية لتمكين قواتها من مراقبة ما يحدث في المنطقة، إضافة إلى نصب مجسّات تنصت صوتية تسجل حديث المارة هناك.
وفي إطار هذه الخطة التي وضعها أردان، تقرر أيضاً إقامة 15 مركزاً جديداً لها في مدينة القدس، وإضافة المئات من رجال الشرطة الإسرائيلية إلى القوات العاملة في المدينة.
كما أعلن، في وقت سابق، عن إنشاء وحدة شرطية خاصة في المسجد الأقصى مكونة من مائة شرطي، باتت تعمل هناك، أخيراً، ويتسم عناصرها بالفظاظة وسوء معاملة المصلين بمن فيهم حراس الأقصى.