يبدأ حزب الشعب الجمهوري الكمالي (أكبر أحزاب المعارضة التركية)، اليوم السبت، مؤتمره العام السادس والثلاثين، من دون توقّع أي تغيرات جوهرية على مستوى قيادة الحزب أو سياساته، في الوقت الذي تبدو فيه المعارضة التركية في أسوأ حالاتها ربما، بينما تُنذر عملية "غصن الزيتون"، التي تشنها الحكومة التركية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) في عفرين، في حال نجاحها بتحقيق الأهداف المعلنة لها، بإنهاء آخر آمال "الشعب الجمهوري" بالحفاظ على كتلة 49 في المائة من الأصوات التي عارضت التعديلات الدستورية في إبريل/ نيسان الماضي.
ومنذ تأسيسه، بشكل رسمي، على يد مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، في سبتمبر/ أيلول 1923، أجرى الحزب 35 مؤتمراً اعتيادياً و18 مؤتمراً طارئاً، بينما ترأس الحزب، منذ أتاتورك وحتى الرئيس الحالي، كمال كلجدار أوغلو، سبعة رؤساء. ويستمر المؤتمر، تحت شعار "العدالة والشجاعة"، لمدة يومين في العاصمة أنقرة، بحضور 1266 مندوباً، وسيشهد انتخاب كل من رئيس الحزب، ومجلس الحزب المكون من 60 عضواً، وكذلك أعضاء اللجنة التأديبية. وتم الانتهاء من تحضير القاعة، وتعليق صور أتاتورك إضافة إلى لافتات كتب عليها "نحن متحدون، نحن شخص واحد، نحن محبون لوطننا"، و"معاً سنقيم السلام"، إلى غيرها من اللافتات التي تطعن باستقلالية القضاء التركي.
ومن غير المنتظر أن يشهد المؤتمر أي مفاجآت، لناحية الرئيس المقبل، الذي غالباً ما سيكون الرئيس الحالي، كمال كلجدار أوغلو، الذي تولّى منصبه منذ عام 2010 وحافظ عليه، على الرغم من أنه لم يتمكن من تحقيق أي انتصار في ثلاثة انتخابات برلمانية ودورة انتخابات رئاسية واحدة في عام 2014 ومثلها دورة انتخابات بلدية واحدة، وفي استفتاءين لتعديل الدستور. كذلك فشل في رفع نسبة التصويت للحزب التي بقيت في حدودها الدنيا، بين 23 و25 في المائة، باستثناء الاستفتاء الأخير على الدستور، الذي تمكن خلاله، بالتعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي (ذي الغالبية القومية الكردية) والأحزاب اليسارية التركية، من تحقيق نجاح، سرعان ما انهار أمام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مرة أخرى.
وينافس كلجدار أوغلو عدداً من المرشحين المحتملين، الذين تبدو حظوظهم ضعيفة في تشكيل أي خطر عليه، ومنهم النائب عن ولاية يلوا شمال غرب تركيا، محرم إنجة، الذي خسر في المؤتمر الأخير في عام 2014 أمام كلجدار أوغلو بفارق كبير، وكذلك الرئيس السابق لنقابة المحامين في إسطنبول، أوميد كوجاكاسال، والرئيس السابق لاتحاد المدعين وقضاة التمييز، عمر فاروق أمين أوغلو، ورئيس فرع الحزب في منطقة عمرانية في إسطنبول، ألب أرسلان جابوك. ويأتي هذا المؤتمر في الوقت الذي تعيش فيه المعارضة التركية تشتتاً وضعفاً كبيرين. وبينما بات حزب الحركة القومية (يميني قومي متطرف) حليفاً لحزب العدالة والتنمية، تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي مهدّد بعدم الدخول إلى البرلمان، لعدم قدرته على تجاوز عتبة العشرة في المائة البرلمانية، بينما ما زالت أصوات حزب الشعب الجمهوري تراوح مكانها.
وتشهد البلاد عموماً اشتداد قبضة الحكومة التركية والقصر الرئاسي على جميع المستويات، سواء في البرلمان أو الإعلام، أو إصدار المراسيم التشريعية، في ظل حالة الطوارئ المعلنة في البلاد، بعد المحاولة الانقلابية في منتصف يوليو/ تموز 2016، بينما ساهمت النتائج المحققة في الحرب على حزب العمال الكردستاني داخل البلاد، وعملية "غصن الزيتون"، في رفع نسب تأييد المواطنين الأتراك لأردوغان وحزب العدالة والتنمية، التي ترافقت مع عودة النمو للاقتصاد التركي وانخفاض نسب البطالة. وعلى الرغم من قربه الواضح من حزب الشعوب الديمقراطي، أخيراً في مواجهة تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، إلا أنه لا يبدو أن "الشعب الجمهوري" قادر على تجاوز معضلته والأخذ بزمام المبادرة وبلورة سياسات مقنعة للمواطنين الأتراك وقادرة على قلب الطاولة، بل اضطر أخيراً إلى اتخاذ موقف لا يبدو مقنعاً لكثير من الأتراك اتجاه عملية "غصن الزيتون"، تمثل في دعم العملية، ولكن مع مهاجمة حليف الجيش التركي فيها، أي فصائل المعارضة السورية ووصفها بالمتطرفة، لترد الحكومة التركية بحملة كبيرة ضد "الشعب الجمهوري"، لم تتردد خلالها في النيل من القنصل التركي السابق في الموصل ونائب زعيم حزب الشعب الجمهوري، يلماز أوزتورك، بعرض لقاءات مع أحد القيادات الأمنية في القنصلية أثناء اجتياح تنظيم "داعش" للموصل، أكد خلالها أن أوزتورك أخفى هويته كقنصل، وتخلى عن مهامه وادعى أنه محاسب في القنصلية، خوفاً من "داعش".
في غضون ذلك، يستمر حزب العدالة والتنمية بالتعاون مع الحركة القومية بالعمل على إجراء تغييرات جوهرية في البنية الداخلية للسياسة التركية، قد تدفع باتجاه التحول إلى سياسة الكتل البرلمانية وليس سياسة الأحزاب، وذلك في ظل المعلومات التي تتحدث عن أن الجانبين يضعان اللمسات الأخيرة على تحالفهما في الانتخابات المقبلة، عبر إجراء تغييرات في القانون الانتخابي، يتيح صياغة جديدة للتحالفات، تتضمن نوعاً من الاستقلالية للأحزاب في إدارة حملاتها وبرامجها، بينما تضع عتبة برلمانية للتحالف، تراوح التقديرات حولها بين 12 و 15 في المائة من عموم الأصوات، الأمر الذي سينقذ الحركة القومية من خطر الخروج من البرلمان، وكذلك سيفتح المجال أمام الأحزاب الصغيرة لتكوين تحالفاتها أملاً في دخول البرلمان. وفي حال تم تمرير هذه التعديلات في البرلمان، فإنها ستضع "الشعب الجمهوري" في مأزق كبير، إذ إنه سيجد نفسه في مواجهة كتلة يمينية واسعة، تحت اسم "التحالف القومي"، المكون من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية. وترك الرئيس التركي أبواب هذا التحالف مشرعة أمام بقية الأحزاب الصغيرة، خلال لقائه، الأربعاء الماضي، مع عدد من نواب حزبه، أملاً في جذب كل من حزب السعادة وحزب الاتحاد الكبير. وعلى الرغم من حديث كلجدار أوغلو المتكرر عن المحافظة على كتلة 49 في المائة التي عارضت التحول إلى النظام الرئاسي، لا يبدو الأخير أنه يمتلك الشخصية الكاريزماتية القادرة على ذلك، وكذلك لا يبدو أن حزب الشعب الجمهوري استطاع حتى الآن على بلورة سياسات قادرة على مواجهة الكتلة اليمينية، في ظل ضعف أحزاب اليسار التركي عموماً، والهواجس والعوائق التي قد تقف في وجه تحالف بين "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، بعد فشل الأخير في الإفلات من قبضة حزب العمال الكردستاني والاستمرار في عملية تتريك القضية الكردية.