قطعت إسرائيل، خلال العقد الأخير، شوطاً كبيراً في تطوير قدرات سلاح البحرية وتعزيزه، حتى أصبح ينافس سلاح الطيران في الاستحواذ على أكبر قدر من الموارد المخصصة للجيش، وذلك ضمن تصور إستراتيجي شامل يؤدي فيه هذا السلاح دور "رأس الحربة" في مواجهة التحديات المفروضة على الكيان الصهيوني.
ومما يبرر حجم الاستثمار الهائل في تعزيز قدرات سلاح البحرية، حقيقة أن هذا السلاح يحتكر وحده تنفيذ 50 في المئة من العمليات الميدانية السرية والعلنية، التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي سنوياً، كما كشفت عن ذلك صحيفة "جيروزالم بوست" في عددها الصادر بتاريخ الثالث عشر من شهر أغسطس/آب الماضي.
ويبدو أن أكثر ما يدلّ على حجم الاستثمار في بناء القدرات البحرية للكيان الصهيوني، حقيقة أن إسرائيل أصبحت قوة عالمية في ما يتعلق بسلاح الغواصات الإستراتيجية القادرة على حمل رؤوس نووية.
إذ بلغ عدد الغواصات الإستراتيجية بحوزة سلاح البحرية الإسرائيلي من طراز "دولفين" الألمانية، الأكثر تطوراً في العالم، أربع غواصات، وسيصبح ست غواصات في نهاية العقد الجاري.
وإلى جانب الاستثمار في شراء الغواصات الاستراتيجية، فإن إسرائيل ضاعفت من عدد سفن الصواريخ التي تمتلكها، إضافة إلى استثمار مخصصات ضخمة في تطوير وإنتاج صواريخ بحر ـ أرض، متوسطة وطويلة المدى.
ما دفع إسرائيل إلى تعزيز سلاح البحرية على هذا النحو، أنها تفترض أن التحولات التي تعصف بالعالم العربي يمكن أن تفضي إلى تهديد تجارتها الخارجية، التي يمر 90 في المئة منها عبر البحار. ويشير مدير "مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية" البروفسور إفرايم عنبار، إلى أن "حقيقة تحكم العالمين العربي والإسلامي في أهمّ المعابر البحرية العالمية، يفرض مضاعفة الاستثمار في مجال تأمين التجارة الخارجية الإسرائيلية بواسطة تأمين السفن التجارية بقطع بحرية عسكرية".
وفي دراسة صدرت أخيراً عن المركز، حذّر عنبار من أن جماعات إسلامية بإمكانها استهداف السفن التجارية الإسرائيلية في هذه الممرات.
ومما لا شك فيه أن أهم دور إستراتيجي يفترض أن يقوم به سلاح البحرية، يتمثل في تمكين إسرائيل من توجيه الضربة النووية الثانية، في حال تعرضت لهجوم نووي من دولة ما.
وحسب المعلق العسكري لموقع "وللا" الإخباري عمير بوحبوط، فإن إسرائيل تعتبر أن سلاح البحرية فقط هو الذي يوفر الرد الإستراتيجي على أي هجوم نووي يمكن أن تتعرض له، على اعتبار أن وجود الغواصات المزودة بالرؤوس النووية في عرض البحر، يمكّن من إبقاء هامش المناورة العملياتي على الصعيد النووي مفتوح وواسع. ووفق هذا التصور، فإن فاعلية سلاح الغواصات لا تتأثر سلباً نتيجة أي هجوم نووي تتعرض له إسرائيل، إذ بإمكانها التواجد بالقرب من شواطئ الدولة المستهدفة.
ويؤدي سلاح البحرية دوراً مركزياً في ما تعتبره إسرائيل "إحباط عمليات تهريب السلاح والوسائل القتالية" لكل من المقاومة الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني.
وفي الوقت ذاته، يسهم سلاح البحرية في تأمين حقول الغاز التي اكتُشفت قبالة سواحل فلسطين المحتلة. وتخشى إسرائيل أن تقدم أطراف "معادية" على مهاجمة هذه الحقول، التي باتت ذخراً إستراتيجياً للكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي جعل سلاح البحرية يخصص تشكيلاً عسكرياً بحرياً مهمته الوحيدة تأمين هذه الحقول.
ومن اللافت أن سلاح البحرية بات يزاحم أذرع الجيش الأخرى في تنفيذ المهام الحربية التقليدية. إذ ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في عددها الصادر في 20 أغسطس/آب الماضي، أن عشرات المنازل الفلسطينية قد دُمّرت خلال الحرب الأخيرة على غزة، بواسطة صواريخ أُطلقت من سفن حربية إسرائيلية كانت تتمركز قبالة سواحل القطاع.
ويبدو أن سلاح البحرية بات السلاح الوحيد تقريباً الذي يكمل جميع أذرع جيش الاحتلال الأخرى.
ويقول القائد السابق لسلاح البحرية الجنرال إليعازر مروم، إنه "نظراً لقدرة الغواصات على البقاء فترة طويلة تحت الماء، فإنها تُستخدم من قبل الوحدات الخاصة، في تنفيذ عمليات سريّة تنفّذ على بعد آلاف الأميال من إسرائيل".
وكشف تحقيق نشره موقع "وللا" الإخباري عن أن إسرائيل توظف الغواصات في تنفيذ هجمات إلكترونية ضد أطراف عدة. ولا خلاف في تل أبيب على أن سلاح البحرية منح إسرائيل قدرة ردعية كبيرة، إذ إن إدراك "الأعداء" لطابع وحجم القدرات البحرية لدولة الاحتلال، على المستوى الاستراتيجي، سيقلص من رغبتهم بمهاجمتها.