مرة جديدة، يعلن مجلسا الدولة والنواب في ليبيا عن اتفاق حول إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتقليص أعضائه، في وقت يعتبر فيه مراقبون أن التقارب الجديد والمفاجئ بين المجلسين يأتي استباقاً لنتائج مؤتمر باليرمو المرتقب عقده في إيطاليا الأسبوع بعد المقبل، في محاولة للبقاء في المشهد، وسط تساؤلات حول ضبابية موقف البعثة الأممية من الأمر، والتي اكتفت بالإعلان عن تسلّمها وثيقة الاتفاق.
وأعلنت البعثة الأممية إلى ليبيا استلامها وثيقة اتفاق بين مجلسي الدولة والنواب حول إعادة هيكلة المجلس الرئاسي، مشيرة إلى أن رئيس البعثة، غسان سلامة، استمع إلى "إيجاز حول التقدم المحرَز في المحادثات السياسية بين المجلسين".
وجاء إعلان البعثة بعد بيان صحافي مشترك، أمس الأربعاء، لرئيسي لجنتي الحوار في المجلسين، أعلنا خلاله التوصل إلى توافق لجنتي الحوار حول إعادة هيكلة السلطة التنفيذية إلى مجلس رئاسي مكون من رئيس ونائبين ورئيس وزراء منفصل يشكل حكومة وحدة وطنية.
وأشار بيان اللجنتين إلى أن الاتفاق جاء "استكمالاً للقاءات لجنتي الحوار في المجلسين، بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن إعادة هيكلة السلطة التنفيذية وتوحيد مؤسسات الدولة".
وأوضح البيان أن "مهمة السلطة الجديدة هي توحيد مؤسسات الدولة والتهيئة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية"، داعياً أعضاء المجلسين إلى "تغليب مصلحة الوطن، والعمل بكل جد من أجل اختيار مجلس رئاسي يستطيع أن يقود هذه المرحلة الصعبة بعيداً عن الحسابات الجهوية والفكرية والشخصية الضيقة".
كما دعا البيان، حكومتي طرابلس المدعومة دولياً، وحكومة البيضاء المنبثقة عن مجلس النواب، إلى "النظر إلى مصلحة الوطن العليا والانخراط بروح وطنية في هذا المشروع الوطني لتذليل كل العقبات أمامه".
وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها أعضاء المجلسين عن اتفاق حول إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتقليص أعضائه، في وقت يعتبر فيه مراقبون أن التقارب الجديد والمفاجئ بين المجلسين يأتي استباقاً لنتائج مؤتمر باليرمو المرتقب عقده في إيطاليا الأسبوع بعد المقبل، في محاولة للبقاء في المشهد.
ومن المرجح أن ينتج عن مؤتمر باليرمو توافق دولي بدعم أممي على الإطاحة بالأجسام السياسية الحالية، خصوصاً مجلس النواب الذي يشهد خلافات مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما يشير إلى موافقة النواب على إعادة النظر في المادة الثامنة التي طالما تمسّكوا بضرورة حذفها.
وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن عبد السلام نصية، عضو مجلس النواب الليبي رئيس لجنة الحوار في المجلس، عن اتفاق بين أعضاء المجلسين على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية. وفي منتصف الشهر ذاته، أعلن المجلس الأعلى للدولة الموافقة على مقترح مجلس النواب الذي يقضي بتشكيل ثلاث غرف انتخابية ممثلة للأقاليم لانتخاب ثلاثة أعضاء جدد للمجلس الرئاسي الجديد.
وإثر خلافات داخل مجلس النواب بشأن مطالب مجلس الدولة الإبقاء على المادة الثامنة من الاتفاق السياسي وعدم حذفها، وهي مادة تتعلق بشاغلي المناصب العسكرية والأمنية، ومن بينهم حفتر، الذي عيّنه مجلس النواب قائداً عاماً للجيش، وافق مجلس النواب بعد ثلاثة أيام على مطالب مجلس الدولة، لكنه أشار إلى توافق أعضاء المجلس على إرجاء مناقشة المادة الثامنة إلى حين توافق ضباط الجيش المجتمعين وقتها في القاهرة على توحيد المؤسسة العسكرية.
لكن جلسات القاهرة بين الضباط لم تفضِ إلى توافق، ما عرقل التقارب الجاري بين المجلسين، ليعلن نصية، الإثنين الماضي، عن استئناف الجهود مجدداً وقرب التوصل إلى اتفاق، يبدو أنه ما تم الإعلان عنه، أمس، في بيان مشترك بين رئيسي لجنتي الحوار.
لكن فحوى الإعلانات المتتالية لا تبدي أن هناك جديدا في شكل الاتفاق، فكلها اقتصرت على الإعلان عن تقليص أعضاء المجلس الرئاسي إلى ثلاثة أعضاء بدلاً من تسعة، بالإضافة إلى تشكيل حكومة منفصلة، وسط موقف غائم للبعثة الأممية، التي كانت قد أعلنت في مناسبات سابقة عن فشل جلسات لجنتي تعديل الاتفاق السياسي، خصوصاً البند المتعلق بإعادة هيكلة السلطة التنفيذية، التي كانت البعثة ترعاها في تونس، خلال شهري أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي.
ورغم إعلان سلامة عن دعمه لجهود التقارب بين المجلسين إثر لقائه بنائب رئيس المجلس الأعلى للدولة، فوزي العقاب، ورئيس لجنة الحوار عن مجلس النواب، عبد السلام نصية، إلا أنه علّق، في اليوم التالي للقاء، قائلاً إن البعثة "لا ترغب في الرجوع إلى دوامة تونس".
ويلاحظ على البعثة عدم مواكبتها للإعلانات السابقة للمجلسين، بالإضافة إلى عدم مشاركتها فيها. ويبدو أن احتجاج نصية، السبت الماضي، الذي اتهم فيه البعثة بـ"تجاهل التقدم الحاصل بين مجلس النواب ومجلس الدولة" حدا إلى الإعلان عن تسلّم البعثة الأممية وثيقة الاتفاق، من دون الإشارة إلى ترحيبها بالتقارب والتوافق الجديد.