ورأت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، اليوم الأربعاء، أنه من الصعب استذكار مبادرة دبلوماسية أميركية لاقت تهكماً وسخرية بالقدر الذي تلاقيه ورشة صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، بعنوان "السلام من أجل الازدهار"، والتي تعقد في العاصمة البحرينية، المنامة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الورشة، المقامة على مدى يومين، والتي يضع من خلالها كوشنر حجر الأساس لـ"الصفقة النهائية" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يراها قسم كبير من الخبراء الأميركيين، والفلسطينيين، والاسرائيليين، تمثل كل ما هو خطأ في مقاربة البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط.
وكتبت الصحيفة أنه "على الورق، فإن رؤية كوشنر لجمع 50 مليار دولار كاستثمارات في المنطقة" تبدو غير قابلة للاعتراض عليها. لكن "مصدر هذه الأموال يبقى غامضاً، ومن غير المرجح أن يجرى حسمه" هذا الأسبوع. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدداً مهماً من الاقتراحات المفصلة في 96 صفحة أصدرها البيت الأبيض الأسبوع الماضي، هي في الواقع "إعادة صياغة وتنظيم لخطط قديمة، لطالما حلمت بها حكومات أجنبية، والبنك الدولي، وغيرها من المؤسسات الدولية"، مذكرة بأن هذه الجهود السابقة "فشلت جميعها، بغياب اتفاق سياسي يرضي الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني".
Twitter Post
|
ورأت "واشنطن بوست" أن غياب الحل السياسي "يبقى صارخاً اليوم" أكثر من أي وقت مضى. ففي وثيقة رؤية البيت الأبيض الاقتصادية "لا ذكر لدولة فلسطينية، أو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهما مطلبان أساسيان كانا على الأقل معترف بهما من قبل الإدارات الأميركية السابقة لحوالي ثلاثة عقود، ويبدو أنه لا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ولا ترامب ولا مبعوثوه مهتمون بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة"، كما أن السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال ديفيد فريدمان "بدا أخيراً داعماً لضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية".
ورأت الصحيفة أنه "حان الوقت لرؤية التحديات والفرص في الشرق الأوسط بعين مختلفة، والعمل سوية على خطة حقيقية لإنجازها"، وليس غريباً اختيار المسؤولين الفلسطينيين لمقاطعة ورشة المنامة، ورفض أي حديث عن مساعدات اقتصادية من دون حل سياسي ذي معنى.
وسلطت الصحيفة الضوء على قيام مسؤولين أميركيين كبار بشكل روتيني باستخدام "تويتر" لتوبيخ المفاوضين الفلسطينيين، من دون أن يعارضوا يوماً نظراءهم الإسرائيليين.
Twitter Post
|
وكتبت الصحيفة أنه بسبب المقاطعة الفلسطينية لورشة المنامة، فإن السلطات الإسرائيلية لم ترسل بدورها وفداً رسمياً، ناقلة عن دبلوماسي غربي في البحرين استشهاده بالمثل القائل "نحتاج شخصين لرقصة التانغو"، مضيفاً "فكيف إذا كان الشخصان غير موجودين".
كذلك، استشهدت "واشنطن بوست" برأي جيرالد فيرشتاين، وهو دبلوماسي أميركي سابق ونائب رئيس "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن، الذي رأى أن "أولئك الذين يحضرون في المنامة يقومون بذلك لأسباب مشكوك فيها. إدارة ترامب تقع تحت الضغط لإضهار بعض النتائج لأكثر من سنتين من العمل استثمر فيها كوشنر وفريقه بما يسمى صفقة القرن". وأضاف أنه "على الإرجح، فإنه بعد يومين في المنامة، سيعود المشاركون إلى حياتهم الطبيعية، وستذهب هذه التجربة إلى مزبلة التاريخ".
Twitter Post
|
"ذا غارديان": مسرحية
ونقلت الصحيفة الأميركية رأي العديد من المحللين الذين يتوقعون أن إدارة أميركية متحالفة جداً مع معسكر نتنياهو اليميني لن تقدم أبداً أي شيء يتطلب تنازلات جدية من قبل الإسرائيليين، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بإنهاء الاحتلال بشكل رسمي.
من جهته، كتب مارتن شولوف، في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أنه "لم يكن في تاريخ خطط السلام للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يستحق الرثاء، خطة تحمل هذا القدر الضئيل من الأمل بنجاحها"، في إشارة إلى التوقعات المنخفضة بقدرة كوشنر على تمرير خطته. ورأت الصحيفة أنه "بينما يعتلي كوشنر المنصة في البحرين لطي صفحة، في الحقيقة، لعقود من عقيدة البحث عن حل للصراع، يبدو الحل اليوم بعيداً أكثر من أي وقت مضى".
وأضافت "ذا غارديان" أن "اقتراحات كوشنر وضعها متشددون أزاحوا كتاب القوانين، وكتبوا وصفتهم الخاصة التي تخدم مصالح الجناح اليميني المتشدد في إسرائيل".
وكانت صحيفة "ذا غارديان" قد وجهت، أمس، انتقادات لمدى جدية خطة الإدارة الأميركية الحالية ونجاعتها، في مقال رأي خاص بإدارة تحرير الصحيفة. ورأت الصحيفة أن هذا الأداء السياسي "يهدف إلى طمس القضية الأساسية، بدلاً من تسليط الضوء عليها. كما وصفت حديث إدارة ترامب عن "صفقة القرن" في الشرق الأوسط بأنها "سخيفة ومثيرة للشفقة"، في شقّها الاقتصادي على الأقل.
وتطرقت الصحيفة إلى ورشة المنامة بالقول إنها "مسرحية يغيب عنها نجومها الرئيسيون، بينما اقتصرت المشاركة العربية على وفود منخفضة المستوى. بل إن مدير هذه الأوركسترا، جاريد كوشنر، وصفها بورشة العمل بدلاً من المؤتمر، كدليل على أنها مجرد رؤية أكثر من كونها خطة".
Twitter Post
|
وشددت "ذا غارديان" على أن "المبادرات التي تعتمد الخط الاقتصادي قد فشلت سابقاً في خلق خارطة طريق حقيقية، ما يعكس الهوة بين تصورات كوشنر وواقع النزاع ذي العقود السبعة. فمن الواضح أن إدارة ترامب ترغب في استبدال الحقوق الأساسية بحوافز اقتصادية. وحتى إن قبل الفلسطينيون بهذا العرض، فإن هذه الحوافز أقرب إلى المتخيلة".
وفي السياق، رأت الصحيفة أن واشنطن "مخطئة في تفسير حماسة بعض دول الخليج لتطوير علاقاتها مع إسرائيل بأنها رغبة بدعم هذه المبادرة ودفع فاتورتها. كما أن عدداً من المبادرات قد تم طرحها من قبل وفشلت في ظل الظروف الراهنة. لكن التقرير (الأميركي) يتقدم بهذه المبادرات رغماً عن ذلك، لأنه يرفض الإقرار بأن المشكلة الرئيسية أمام التنمية الاقتصادية هي احتلال الضفة الغربية وحصار غزة".
ورأت "ذا غارديان" أنه "من غير المؤكد تبلور الشق السياسي من هذه الخطة، على الأقل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. لكن سجل هذه الإدارة يمكن أن يشير إلى ما يمكن توقعه. حب غير مشروط لبنيامين نتنياهو، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إغلاق البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، الاعتراف بضم اسرائيل للجولان السوري، كل ذلك دمر ما تبقى من مصداقية الولايات المتحدة كوسيط. بينما كان كوشنر قد شكك في قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم، وقال السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان إن لإسرائيل الحق في ضم الضفة الغربية".
ذا تايمز: سلب أحلام الفلسطينيين
أما صحيفة "ذا تايمز"، فرأت أن خطة كوشنر تسلب الفلسطينيين أحلامهم. وبالرغم من أن الصحيفة ترى بعض المنطق في توفير الحوافر الاقتصادية للفلسطينيين مقابل السلام، إلا أن ذلك يكون مشروطاً في ألا تتحول هذه الحوافز إلى رشى يتلقاها كبار القادة في السلطة الفلسطينية للتخلي عن الحلم بالسيادة على الأرض الفلسطينية. إلا أن إصرار كوشنر على وفاة مبادرة السلام العربية يؤكد هذه المخاوف.
وكتبت الصحيفة أن "إسرائيل ذهبت خطوة أبعد من ذلك، عندما تساءل السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون في مقال في نيويورك عما هو الخطأ في الاستسلام الفلسطيني؟"، كما قالت الصحيفة البريطانية. ورأت أن "الآمال المعلقة على المؤتمر منخفضة، وهي أدنى من ذلك عند الحديث عن صفقة كبرى سياسية". وكما اعتبرت "ذا غارديان"، فإن هذه الخطوة "متعمدة، فلا بد أن إدارة ترامب تدرك الرفض الفلسطيني".
ورأت الصحيفة أن الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة والتي حضرت المؤتمر، مثل السعودية ومصر والإمارات والأردن، "تستطيع التعاون من دون الحاجة للاعتراف الرسمي، ويبدو أن هذه هي الخطة. التعاون الأمني وجبهة دبلوماسية ضد إيران، والتي هي النوايا السعودية الإماراتية للتعاون مع إسرائيل. يعتقدون أن الوقت قد حان للمضي قدماً، وأن على القادة الفلسطينيين الإذعان أو البقاء خلف الركب. ولكن يبقى هناك ستة ملايين فلسطيني في فلسطين التاريخية لا يمكن تجاهلهم، وسيكون قرارهم في الشارع".
فاينانشال تايمز: حصار غزة
من جهتها، سلطت صحيفة "فاينانشال تايمز" الضوء على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، كسبب وراء الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الأراضي الفلسطينية، وهو ما تجاهله كوشنر في كلمته أمام المؤتمر المقام في البحرين، بحسب رأيها.
فبينما دعا كوشنر الفلسطينيين إلى التخلي عن الماضي وتبني الخطة الأميركية كـ"فرصة القرن" التي ستخلق نحو مليون فرصة عمل، فشل كوشنر في التعامل مع الدور الإسرائيلي في تدمير الاقتصاد الفلسطيني، وفقاً للصحيفة.
وذكرت الصحيفة بـ"الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ 13 عاماً على غزة، ومنعها حرية حركة العمال والبضائع في الضفة الغربية". وكتبت "يعيش مليونا فلسطيني في قطاع غزة الذي دمرت إسرائيل اقتصاده كلياً في ثلاثة حروب شنتها ضد حركة حماس منذ عام 2006. بينما انضمت مصر إلى الجهود الإسرائيلية في حصار غزة منذ انقلاب (عبد الفتاح) السيسي عام 2013. بل إن إسرائيل قامت قبيل كلمة كوشنر بقطع إمدادات الوقود القطرية لمحطة الطاقة الوحيدة في القطاع بحجة استخدامها في البالونات الحارقة".
وأضافت أنه "بينما كان كوشنر يتحدث عن التنمية، كانت غزة تغرق في الظلام مع نفاد الوقود. أما السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فهي على وشك الانهيار الاقتصادي، بعد رفضها لاقتطاع الإسرائيليين لملايين الدولارات من عوائد الضرائب الفلسطينية كعقاب على الدعم المالي الذي توفره السلطة لعوائل الأسرى في سجون الاحتلال. كما تعجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها منذ شهور بعد رفضها تلقي عوائد الضرائب ناقصة".
"ذي إندبندنت": كوشنر يغيّب الأساس
أما صحيفة "ذي إندبندنت"، فرأت مفارقة في حديث كوشنر عن ضرورة التعامل مع القضايا السياسية لاحقاً، أثناء عرضه "لأكثر خطة اقتصادية شمولاً على الإطلاق"، وفي ظل غياب التمثيل الفلسطيني والإسرائيلي. وتذرع كوشنر بضرورة الابتعاد عن "الحكمة التقليدية" و"النقاط المستهلكة" و"أسطوانة السلبية"، لعدم التطرق إلى ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومسألة الدولة الفلسطينية وقضية اللاجئين.
وعلى الرغم من تخفيض مستوى المؤتمر إلى مجرد ورشة عمل اقتصادية لإطلاق خطة كوشنر، وبالرغم من عدم اتضاح مصدر هذه الأموال، إلا أن كوشنر أصر على أنها ستخفض البطالة الفلسطينية إلى النصف وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني.
وسلطت الصحيفة البريطانية الضوء على الرد الفلسطيني، والذي تراوح بين المقاطعة الرسمية، والرد الشعبي الذي تنوع بين التظاهر والإضراب. فقد شهدت مدن الضفة تظاهرات حاشدة تنديداً بمؤتمر البحرين ورفضاً لبيع فلسطين، بينما سادت دعوات لإضراب عام في قطاع غزة.