ترغب السلطة اللبنانية بأن تصور الانتخابات النيابية التي تجري اليوم الأحد في السادس من مايو/أيار 2018، للمرة الأولى منذ تسع سنوات، على أنها "عرس ديمقراطي". مصطلح كرسته هذه السلطة وأجهزتها الإعلامية والعسكرية على نحو رسمي في الترويج للاستحقاق وفي محاولة التباهي بأنه في لبنان "لا تزال هناك انتخابات"، من دون أن يسمح الغرور اللبناني بالاعتراف بأنه صار في بلدان عربية أخرى، انتخابات حقيقية بكل المعايير، أفضل وأكثر نزاهة وأكثر تمثيلاً مما يجري في لبنان، مثلما يحصل في تونس، التي تعيش، وللصدفة، اليوم أيضاً، انتخابات لكن بلدية.
تتبع تفاصيل الانتخابات اللبنانية، بقانونها الذي زُين بديكور نسبي بينما ظل أكثرياً في العمق بفضل بدعة "الصوت التفضيلي"، وبتحالفاتها غير السياسية بل الانتخابية القائمة حصراً على همّ حصد أكبر عدد من المقاعد الـ128 للبرلمان اللبناني، وبغياب المشاريع السياسية (في السياسة الداخلية والخارجية) عن حملاتها الطائفية غالباً، وبالإنفاق المالي عليها والذي كان يفترض ألا يتجاوز الـ700 مليون دولار، فتم تجاوز هذا الرقم، وبغياب الرقابة الحقيقية عليها، وبهيمنة رجال الأعمال عليها (حوالي 50 رجل أعمال ثرياً جداً يشاركون فيها) والإقطاع السياسي (حوالي 50 وريثاً سياسياً تقريباً يترشحون فيها أيضاً)، وبهيمنة الخطاب الطائفي عليها... كل ذلك وغيره يجعلها تبدو انتخابات بلدية لا تشريعية، وكل ذلك جعل أحد أعرق السياسيين في لبنان، توفيق سلطان، الذي عاد عن اعتزاله أخيراً وترشح في طرابلس على لائحة رئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، جعله يصف انتخابات لبنان 2018 بأنها "الانتخابات الأسوأ".
تتبع تفاصيل الانتخابات اللبنانية، بقانونها الذي زُين بديكور نسبي بينما ظل أكثرياً في العمق بفضل بدعة "الصوت التفضيلي"، وبتحالفاتها غير السياسية بل الانتخابية القائمة حصراً على همّ حصد أكبر عدد من المقاعد الـ128 للبرلمان اللبناني، وبغياب المشاريع السياسية (في السياسة الداخلية والخارجية) عن حملاتها الطائفية غالباً، وبالإنفاق المالي عليها والذي كان يفترض ألا يتجاوز الـ700 مليون دولار، فتم تجاوز هذا الرقم، وبغياب الرقابة الحقيقية عليها، وبهيمنة رجال الأعمال عليها (حوالي 50 رجل أعمال ثرياً جداً يشاركون فيها) والإقطاع السياسي (حوالي 50 وريثاً سياسياً تقريباً يترشحون فيها أيضاً)، وبهيمنة الخطاب الطائفي عليها... كل ذلك وغيره يجعلها تبدو انتخابات بلدية لا تشريعية، وكل ذلك جعل أحد أعرق السياسيين في لبنان، توفيق سلطان، الذي عاد عن اعتزاله أخيراً وترشح في طرابلس على لائحة رئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، جعله يصف انتخابات لبنان 2018 بأنها "الانتخابات الأسوأ".
لكن لطالما عرف لبنان انتخابات تنظمها قوانين غريبة عجيبة ولا تؤمن التمثيل السليم لا بالنظام الأكثري ولا بالدوائر الانتخابية التي تتغير الأقضية الإدارية التي تتألف منها بحسب رغبة واضعي القانون في تكوين السلطة في نظام برلماني. لكن رغم ذلك، لم تغب السياسة يوماً عن الانتخابات اللبنانية مثلما تغيب في هذه الدورة مع استثناءات ضئيلة حيث الخطابات والبرامج والمشاريع ظلت سياسية بامتياز، تطرح رؤية سياسية واقتصادية داخلية وتقترح سياسة خارجية واضحة. وربما يكون غياب السياسة عن الانتخابات اللبنانية بنسخة عام 2018، ناتجاً عما تمكن حزب الله وحلفاؤه من فرضه منذ عام 2008 (تاريخ الغزو العسكري لحزب الله لبيروت، في حرب أهلية دامت 3 أيام) ثم منذ 2016 (تاريخ إيصال حزب الله ميشال عون رئيساً للجمهورية بأصوات خصوم عون وحزب الله بعدما فرض حزب الله وتيار عون فراغاً رئاسياً لعامين ونصف العام على قاعدة ميشال عون أو الفراغ، وهكذا كان). وما فرضه حزب الله وحلفاؤه على السياسة اللبنانية منذ هيمنتهم الكاملة على مؤسسات هذا البلد، هو تحييد موضوع السلاح عن أي نقاش أو استحقاق، ووضع بقاء سلاح الحزب التابع لإيران كمسلّمة لا نقاش حولها لا تنفع معها كل الأحاديث عن حصر قرار السلم والحرب بالدولة وحصر السلاح بالجيش اللبناني، وعدم تهديد السياسة والسياسيين بسلاح حزب متهم من قبل كثيرين بارتكاب اغتيالات وتصفيات منذ ثمانينيات القرن الماضي، ثم في موجة اغتيالات عام 2005 وما تلاها. هكذا، زال انقسام 8 آذار (المعسكر الموالي للنظام السوري ولإيران، بقيادة حزب الله وحركة نبيه بري، "أمل"، وتيار ميشال عون) و14 آذار (المعسكر الذي يسمي نفسه سيادياً بقيادة تيار رئيس الحكومة سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط)، منذ أوصلت أصوات 14 آذار ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، مقابل قبول المعسكر الآخر بسعد الحريري في رئاسة الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2016. ومع هذا الزوال، غاب حديث مشاركة حزب الله في الحرب السورية عن البرامج الانتخابية. كذلك غابت التبعية للمحور الإيراني عن الخطابات التي صار نجمها تحريض مشترك ضد اللاجئين السوريين الذي تسميهم السلطة اللبنانية "نازحين" لا لاجئين، للتهرب من إعطائهم حقوقهم بموجب كونهم لاجئين فعلاً. ومنذ ذلك التاريخ، أي 2016 ووصول عون إلى الرئاسة، لم يبق إلا معسكر سياسي واحد عملياً في لبنان، مدعوم بقوة السلاح، هو معسكر حلفاء إيران والنظام السوري، ممثلاً بما كان يسمى 8 آذار، ويتألف من تيار رئيس الجمهورية وحزب الله وحركة رئيس البرلمان، "أمل"، وحلفاء كثيرين لهم من مختلف الطوائف. وبناءً على موت السياسة بهذه الطريقة، بات عادياً أن يتحالف تيار سعد الحريري مع تيار ميشال عون وصهره، رئيس حزبه، جبران باسيل، مثلاً، وأن يندر التحالف بين من كانوا معاً في صفوف 14 آذار. وكأنه صار طبيعياً أن يتحالف تيار عون ذاك مع الإخوان المسلمين بفرعهم اللبناني (الجماعة الإسلامية) في صيدا (جنوب) وعكار (أقصى الشمال)، علماً أن أعلى نسبة عداء لكل ما يتعلق بالاخوان المسلمين عموماً، سُجلت باسم التيار الوطني الحر منذ ثورات الربيع العربي، أو "الخريف العربي" بمصطلحات التيار الطائفي المذكور.
لقد بنى اليسار الشيوعي اللبناني تاريخاً من الأدبيات القائمة على عبارة "يعيش النظام اللبناني ذروة أزماته". لكن ما يكشفه عمر هذا النظام اللبناني، منذ الاستقلال (1943) على الأقل حتى اليوم، يفيد بأنه شديد الذكاء في المحافظة على مكاسب أطرافه في السلطة والمصالح والتوازنات. اليوم، في يوم الانتخابات، يعيد أرباب النظام الطائفي أحياء نظامهم بانتخابات لن تفني أي طرف، ولن تفرز معارضة ولا موالاة، وتمت هندستها من خلال القانون والتحالفات بشكل يحافظ أطراف السلطة على تسوياتهم القائمة التي يترجمونها بقانون على عكس ما يفترض علم السياسة أن يحصل، أي أنه في كل مكان، تفرز الانتخابات خريطة السلطة، إلا في لبنان، حيث الانتخابات تكون نتيجة تسويات مسبقة. ستظهر نتائج الانتخابات مساء اليوم أو فجر الغد، وسيتم إدخال جميع الأطراف الخاسرة والرابحة في الحكومة، ولن تظهر معارضة مثلما يحصل في كل مكان إلا هنا، باستثناء بعض الأصوات النادرة والمعزولة.
هي عيّنة مما يمكن أن تكتب حوله مؤلفات كثيرة لتفسير كلام توفيق سلطان عن لماذا هي الانتخابات الأسوأ في تاريخ لبنان.