وتأتي تصريح السراج لقناة "ليبيا" الرسمية، أمس الأحد، في ظل حالة غموض تكتنف مصير العاصمة طرابلس، بعدما باتت، منذ أكثر من أسبوعين، تستقر فيها حكومتان، كل منهما تنفي الشرعية عن الأخرى.
وشدد السراج، في حديثه تلفزيوني، على أنه "حتى الآن نترك الأمر للعقلاء، لإنهاء الأمور سلميا، لكن في لحظة ما يمكن أن تقع المواجهة لإنهاء هذا العبث"، في إشارة إلى إمكانية التدخل العسكري لإخلاء مقرات قصور الضيافة.
وتضمنت تصريحات السراج، لأول مرة، إشارة إلى علاقة الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، بوجود الغويل في طرابلس، وتساءل مستغربا: "كيف سيشكل خليفة والغويل حكومة وحدة وطنية مع عبدالله الثني، بعد عامين من التطرف والتحريض والحرب؟"، مضيفا: "أتعجب كيف أصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم".
يذكر أنه في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، اقتحمت "حكومة الإنقاذ"، التابعة للمؤتمر الوطني، بمساعدة عناصر جهاز الأمن الرئاسي، مقرات قصور الضيافة التي يتخذها "المجلس الأعلى للدولة" مقرا له، ودعت رئيس حكومة برلمان طبرق، عبد الله الثني، بالبدء في تشكيل حكومة وحدة وطنية، بناء على الحوار الليبي- الليبي الموازي للحوار السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، وأفرز "اتفاق الصخيرات" في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ولم تنتظر دعوة الغويل لتشكيل حكومة وحدة مع حكومة برلمان طبرق طويلا، إذ بادر الثني إلى الترحيب بها، معلنا، في تصريح صحفي بعد ساعات، أنه "ينتظر موافقة البرلمان لتشكيل لجان للعمل عليها"، فيما اعتبر المتحدث باسم حكومة البرلمان، عبد الحكيم معتوق، أن فشل المجلس الرئاسي في قيادة البلاد دفع بهم للتعامل مع دعوة الغويل، مؤكدا وجود لقاءات بينهما.
وطيلة الوقت الماضي، لم يصدر عن البرلمان أي رد فعل رسمي حتى خروج رئيسه، عقيلة صالح، أمس، في حفل لتكريم شيخ قبيلة المغاربة، صالح الأطيوش، الحليف الجديد الذي مكّن لحفتر من السيطرة على الهلال النفطي، ليعلن بصراحة أن البرلمان "لن يمنح الثقة لأي حكومة، وأن مشاورات حالية تدرس إمكانية الإعلان عن حكومة وحدة وطنية دون السراج"، وهو انعكاس واضح لحراك يجري في الخفاء للتعاطي مع دعوة الغويل.
كما أن الهدوء المسيطر على ساحات المعارك في بنغازي بين قوات حفتر، الموالية للبرلمان، ومقاتلي مجلس شورى بنغازي، الموالي للمؤتمر، ربما يكون تحت تأثير إعلان الغويل أن "أول اتفاق سينتج عن التواصل مع الثني والبرلمان هو وقف الحرب في بنغازي".
مقابل هذا التوتر السياسي المتصاعد، تعيش طرابلس حالة ترقب على المستوى العسكري، وسط غموض على صعيد آخر متعلق بولاءات المجموعات المسلحة المنتشرة بالعاصمة.
فبعدما أعلن جهاز الأمن الرئاسي انشقاقه عن المجلس الرئاسي، إثر تمكينه الغويل وأعضاء المؤتمر من دخول قصور الضيافة، أعلن "المجلس الأعلى لثوار ليبيا"، المؤلف في أغلبه من مجموعات مسلحة إسلامية منتشرة في طرابلس والزاوية وغريان ومصراته، تأييده عودة حكومة الغويل، التي وصفوها بـ"الشرعية"، مؤكدة أنه على استعداد لــ"خوض المعارك إذا فرضت عليه".
وبعد إعلان قيادة عملية "البنيان المرصوص"، المكلفة من المجلس الرئاسي بتحرير مدينة سرت، رفضها دخول حكومة المؤتمر لطرابلس، ذكرت قيادات أخرى في العملية رفضها للبيان، ليترجم الرفض بظهور عسكري حاشد في محيط قصور الضيافة، بحيث قالت كتيبتا "المرسى" و"315"، المنتميتان لمصراته، وهما من أقوى فصائل "البنيان المرصوص"، عن استعدادهما لحماية حكومة المؤتمر.
وفي خطوة تنبىء بقرب الصدام المسلح، الذي أشار إليه السراج بالقول إنه "لن ينتظر طويلا"، شارك وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق، المهدي البرغثي، المنافس لحفتر، في استعراض عسكري ضخم بمقر "اللواء الثالث" بمنطقة عين زارة بالعاصمة، معلنا عن تشكيل "غرفة تأمين وحماية طرابلس" من ضباط بالجيش وعدد من الكتائب المسلحة بطرابلس، التي استعرضت قوتها العسكرية بمئات السيارات المسلحة والمقاتلين الذين يحملون شعار المجلس الرئاسي، فيما كانت طائرات مروحية ومقاتلة تشارك في الاستعراض في السماء.