رسائل عدة حملها إحياء "جماعة أنصار الله" (الحوثيين)، الذكرى الثالثة لاجتياحها العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، بما مثل ذلك من تحول محوري في مصير الدولة اليمنية والأحداث السياسية في المنطقة ككل. وجاءت الذكرى هذا العام لتعكس الاستنفار الذي تعيشه "الجماعة"، بعد عامين ونصف من حرب "التحالف العربي" بقيادة السعودية، وأزمة الخلافات التي عصفت بتحالفها مع حزب "المؤتمر" برئاسة علي عبدالله صالح.
ووصفت مصادر سياسية يمنية في صنعاء لـ"العربي الجديد"، مرور فعالية الحوثيين بذكرى 21 سبتمبر، من دون مفاجآت "تصعيدية"، أو حوادث توتر أمني، بأنه نجاح من حيث المبدأ، للتفاهمات التي جرت بين شريكي الانقلاب في صنعاء، خلال الأسابيع الماضية، وأثمرت تهدئة جعلت المناسبة تمر بهدوء، على الرغم من استمرار نقاط الاختلاف العميقة. وكان الحوثيون حشدوا أنصارهم يوم الخميس، في مهرجان أقيم بميدان السبعين، أكبر ميادين العاصمة، والذي استضاف قبل أقل من شهر مهرجان حزب صالح، والذي كان أحد أبرز القضايا التي تفجرت حولها الخلافات بين الانقلابيين.
من جانب آخر، جاء المهرجان بالنسبة لـ"الجماعة"، مناسبة للاستعراض الجماهيري الذي يرد ضمنياً على حزب صالح، واختباراً لقدرتها على الحشد وتنظيم الاحتفال، الذي وإن لم يكن الاحتفال الأول من نوعه، إلا أنه أتى هذه المرة ليحمل دلالات متعلقة بالتطورات التي شهدها اليمن أخيراً. وحرصت "الجماعة" من خلال أغلب اللافتات والخطابات المعلنة، على محاولة ترسيخ "21 سبتمبر"، كذكرى لمسمى "ثورة"، إلى جانب المناسبات الرسمية اليمنية (احتفالات ثورة 26 من سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963). وحاول رئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، التابعة لـ"الجماعة"، محمد علي الحوثي، إيصال رسالة في خطابه خلال المهرجان، بأنهم مع "الجمهورية" في محاولة لنفي النظرة التي ترى أنهم "امتداد لنظام الحكم الإمامي الملكي" الذي أطاحته ثورة 26 سبتمبر 1962، على الرغم من أن حديثهم عن "الجمهورية"، قد يخالف احتفالهم بمناسبات كـ"الولاية" مثلاً.
وفي ظل ما تعيشه صنعاء من وضع يتسم بتضييق الخناق على الصحافة والصحافيين، بعد التهديدات والاعتقالات الأخيرة التي طاولت عدداً من الصحافيين، بعضهم من حزب صالح، حاولت الجماعة تحريك المياه الراكدة، من خلال استغلال المناسبة، للإعلان من قبل رئيس ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، صالح الصماد، عن توجيهات للإفراج عن الصحافيين المعتقلين، أو من قال إنهم "تستروا بالعمل الصحافي والإعلامي". وصدرت توجيهات بسرعة استكمال إجراءات "العفو" عن الصحافي يحيى عبدالرقيب الجبيحي، الذي صدر ضده حكم بالإعدام منذ أشهر من محكمة تسيطر عليها "الجماعة"، بالإضافة إلى إطلاق سراح من تم اعتقالهم أخيراً، ومنحهم "فرصة للتأكيد على استقامتهم لمرة واحدة".
وفي السياق ذاته، تعدت رسائل "الجماعة" الحديث عن الداخل، إلى دعوة وجهها الصماد إلى الشعب السعودي للتحرك ضد نظام بلاده. وذكر أنه "كلما طال سكوتكم كلما كانت كلفة رفع الاستبداد عنكم أكثر والفرصة سانحة لتحرككم". وأعلن الاستعداد لدعم النشاط السعودي المعارض. وقال "نحن معكم وإلى جانبكم وسنوفر بيئة آمنة لكل الأحرار من المعارضة السعودية ونستقبلكم بكل حفاوة وتوفير بيئة آمنة وضامنة لتحرككم لإسقاط هذا النظام المتخلف الرجعي"، بحسب تعبيره.
أما على صعيد المفاوضات والسلام، فقد دعا الحوثيون، وعبر كلمة رئيس ما يسمى بـ"المجلس السياسي" في المهرجان، إلى العمل على وقف ما يصفونه بـ"العدوان"، واتهموا السعودية والإمارات بـ"نهب ثروات الشعب اليمني". وقال الصماد إنه "لا يشرف المجتمع الدولي إلا القيام بدوره في وقف العدوان ورفع الحصار والحفاظ على وحدة اليمن وثرواته واستقلاله". وأضاف "لن نتردد في الدخول في أي تفاهمات والتعاطي مع أي مبادرات تفضي إلى وقف العدوان والحصار والجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى تسوية سياسية تحفظ للشعب اليمني تضحياته وكرامته واستقلاله"، وفق تأكيده.
وتعد هذه المرة الثالثة التي يحتفي فيها الحوثيون بذكرى اجتياحهم صنعاء قبل ثلاث سنوات، بعدما كانت سيطرتهم تقتصر على محافظة صعدة شمالي البلاد وتوسعوا عام 2014، ليصلوا إلى صنعاء، في تطور يعتبره الحوثيون "ثورة"، فيما تنظر إليها مختلف القوى اليمنية الأخرى بأنه "ذكرى النكبة"، التي أسقطت الدولة وأدخلت اليمن في أزمة وحرب هي الأكبر في تاريخه، توسعت بعد تدخل "التحالف" بقيادة السعودية.