وقال مسؤول عراقي في بغداد، إن المفاوضات مع أربيل وصلت إلى طريق مسدود بعد رفض حكومة كردستان تسليم المعابر الحدودية مع تركيا وإيران ومسؤولية المطارات لبغداد، مبيناً أن التحرك العسكري كخيار عاد مجدداً إلى الواجهة. يأتي ذلك بالتزامن مع اندلاع تظاهرات واسعة في عدد كبير من مدن الإقليم احتجاجاً على سوء الخدمات وعدم دفع حكومة الإقليم مرتبات الموظفين للشهر الخامس على التوالي. وتخللت التظاهرات، التي تدخل يومها الثالث، أعمال حرق واقتحام لمبان حكومية وحزبية وسجل سقوط نحو 12 جريحاً واعتقال عشرات آخرين من الأمن الكردي (الأسايش) فيما تتحدث مصادر مقربة من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني عن تحريك إيراني للتظاهرات في الإقليم، عبر دعم أطراف كردية مقربة منها للتحريض ضد البارزانيين إعلامياً عبر محطات تلفزيون ومواقع إلكترونية تبث باللغة الكردية داخل الإقليم.
وكشف وزير عراقي بارز، متحدثاً عبر الهاتف من بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن وصول المفاوضات إلى "طريق مسدود مع الأكراد" اعتباراً من يوم الخميس الماضي بعد رفض أربيل نشر القوات الاتحادية في منطقة فيشخابور الحدودية مع تركيا وتسليم إدارة المنافذ الدولية للعراق مع الجارين إيران وتركيا فضلاً عن ملف المطارات في أربيل والسليمانية". ولفت إلى "رئيس الوزراء، حيدر العبادي، رفض مقترحات فرنسية وألمانية بخصوص الأزمة، تتضمن ترك الحال على ما هو عليه بالنسبة للحدود والمطارات والتخلي عن شرط إلغاء الاستفتاء الخاص بالاستفتاء ببيان رسمي كردي.
ويصرّ العبادي على إعلان رسمي بإلغاء الاستفتاء كما تم الإعلان رسمياً عن إجرائه، وكذلك الانصياع للمادة 111 من الدستور التي تنص على أن تكون إدارة المنافذ الحدودية للبلاد البرية والجوية والحدود الدولية بيد السلطة الاتحادية في بغداد حصراً كونها تقع ضمن الأمور السيادية للبلاد"، لافتاً إلى أن "إعلان أربيل احترامها لقرار المحكمة الاتحادية العليا ( والذي اعتبرت فيه استفتاء انفصال الإقليم غير دستوري) غير كاف". وتابع إن "الخيار العسكري عاد مجدداً إلى الواجهة بعد مماطلة وتسويف من أربيل، فضلاً عن أن المفاوضات توقفت، الخميس الماضي، لذلك فإن قيادات كردية تحاول ممارسة ضغط على بغداد من خلال علاقاتها مع دول أوروبية عدة".
وفي السياق قال الرقيب في الجيش العراقي، أحمد فاضل المكصوصي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قوات الجيش ووحدات عمليات خاصة فضلاً عن فصائل من الحشد الشعبي لا تزال متواجدة في مناطق التماس مع البشمركة الكردية بمحوري زمار ومخمور وعلى مشارف منطقة المحمودية وفيشخابور مع ألوية مدرعة وبطرية مدفعية ثقيلة وغطاء جوي من مروحيات قتالية ترابط في معسكر البعاج القريب". ولفت إلى أن "أي أمر لم يصل لاستئناف الهجوم وانتزاع المناطق التي يسيطر عليها الأكراد حتى الآن".
وحول عناصر القوات الكردية وأماكن تواجدهم، قال الرقيب العراقي إنهم "يبعدون عنا نحو 500 متر ويمكن رؤيتهم بسهولة على طول خط تواجد قواتنا، ونعتقد أنهم يملكون أسلحة ثقيلة، لكن إن تم استخدامها ضدنا فإن سلاح الجو العراقي سيتدخل لقصفها".
في غضون ذلك، حذرت حكومة كردستان، في بيان لمجلس أمن الإقليم، وهو أعلى مؤسسة أمنية في الإقليم، مما سمّته "استعدادات من قبل القوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي للهجوم على قوات البشمركة في عدة محاور قرب الإقليم".
ووفقاً لبيان المجلس الصادر، ليلة الإثنين، فإن "المعلومات الاستخباراتية تظهر في الأيام الخمسة الماضية خططاً للجيش العراقي والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية، وقوات الرد السريع لمهاجمة طريق كوير – ديبكه – دبس الذي يربط الموصل بكركوك". وعبّر البيان أيضاً عن قلقه إزاء التحشد العسكري العراقي "الكبير" في محيط مخمور جنوب غرب أربيل استعداداً للهجوم على مواقع البشمركة القريبة.
ومع تصاعد التوتر بين بغداد وأربيل مجدداً، تدخل التظاهرات التي يشهدها عدد من مدن كردستان يومها الثالث مسجلة حالات عنف واعتقال وعمليات حرق وتدمير واقتحام لمباني الحكومة والمؤسسات الخدمية. ويطالب المتظاهرون، الذين ارتفع عددهم إلى الآلاف في مدن عدة بالإقليم أبرزها السليمانية وحلبجة وكفري وراوندوز وكلار ورانية وجمجمال وسيد صادق وتكية وقلعة دزه وكويسنجق التابعة لأربيل ومناطق أخرى قرب دهوك وأربيل، بإقالة الحكومة احتجاجاً على تأخر مرتباتهم لخمسة أشهر وارتفاع البطالة وسوء الخدمات. ويشارك في التظاهرات نشطاء وأعضاء منظمات محلية إلا أن الزخم الأكبر فيها للموظفين الحكوميين، وهو ما قد يجعلها أكثر اتساعاً في حال لم يتم احتواؤها من قبل الحكومة المحلية بالإقليـم وقد تصل الى مركز مدينة أربيل عاصمة الإقليم.
وأحرق المتظاهرون دوائر ومقرات حزبية، أبرزها مقرات حزبي الديموقراطي الكردستاني والتغيير، وكذلك مباني قائمقامية كفري وكويه ومكتباً للبلدية. وأطلقت قوات الأمن (الأسايش) النار في الهواء والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين فيما شوهدت عمليات اعتقال طاولت العشرات من المشاركين والمنظمين لتلك التظاهرات التي اتهمت أوساط مقربة من حزب البارزاني إيران بالوقوف وراءها من دون أن تقدم ما يؤكد تلك الاتهامات.
وقال عضو حزب التغيير، كاميران آسو، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التظاهرات جاءت بالتزامن مع عطل في محطة الكهرباء بالسليمانية أدى إلى قطع الطاقة وكذلك المياه عن المنازل، وخرج بعض الناس معترضين، إلا أنها سرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى تظاهرات وسط شارع سالم بالمدينة ثم انتقلت لمناطق أخرى، ولا وجود لأي مؤامرة أو شيء غير عفوي فيها. ولفت إلى أن "محاولة ربط إيران من قبل الحزب الديمقراطي يأتي لأغراض سياسية ومحاولة إسكات الشارع باعتبار أن ما يجري عبارة عن حراك موجّه من إيران"ـ وفقاً لقوله.
إلا أن قيادي في التحالف الكردستاني، طلب عدم ذكر اسمه، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "توقيت التظاهرات غريب ومثير للريبة والشك، ونعتقد أن بغداد وأطرافاً كردية في السليمانية تقوم بتحريكه وبمباركة إيرانية أيضاً"، محذراً من أي "أي اختلال بأمن الإقليم سيكون كارثياً على الجميع".
بدروه، نبّه السياسي الكردي المستقل، عمر بختيار، من خطورة الانقسامات داخل البيت الكردي التي تسببت بظهور احتجاجات عارمة تسببت بحرق مقرات أحزاب ومراكز أمنية. وأوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن الموجة الحالية للتظاهر قد تختلف عن سابقاتها كونها خرجت بسبب حالة الجوع والفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الشعب الكردي. ولفتوا إلى أن "الأكراد خرجوا هذه المرة من أجل الخبز، ولا أعتقد أنهم سيغادرون ساحات التظاهر ما لم يتم تحقيق جميع مطالبهم، لا سيما تلك المتعلقة بتوفير الرواتب وتحسين الوضع الاقتصادي". كما استبعد أن تتمكن الحوارات الحالية بين الأحزاب الكردية من إنهاء التظاهرات. وشدد على ضرورة الاستجابة لمطالب المتظاهرين الغاضبين من سياسات حكومة إقليم كردستان، محذراً من احتمال دخول قوات عراقية اتحادية إلى محافظات الإقليم في حال استخدمت القوات الكردية العنف ضد المحتجين.
وفي السياق، أعلن المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، العميد يحيى رسول، أن القوات العراقية جاهزة لحماية أبناء الشعب الكردي في حال طلب منها العبادي ذلك. ولفت خلال مقابلة تلفزيونية إلى أن القوات الأمنية تسعى للحفاظ على الدم العراقي. كما أشار إلى أن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لا يزال يدير الأزمة بين بغداد وأربيل بحكمة.
وناشد المحتجون قوات الأمن الكردية الانضمام إلى التظاهرات والتخلي عن دعم المسؤولين الفاسدين في كردستان، رافعين لافتات كُتبت عليها شعارات تطالب بالإصلاح السياسي وتغيير الوجوه الكردية الفاسدة، ضمنها الحكومة الحالية. ووفقاً للمحلل السياسي الكردي، صالح زنكنة، فإن الأزمة الداخلية في إقليم كردستان تتفاقم بشكل سريع، مشدداً على ضرورة قيام حكومة الإقليم بتدارك الموقف والسيطرة على الأحداث قبل امتدادها لتشمل مناطق أخرى في كردستان. ولفت إلى أن "حكومة كردستان لم تعِ لغاية الآن خطورة التظاهرات الحالية، ولم تتخذ أية خطوة بشأن حلّ المشاكل التي جاءت بها"، متوقعاً أن لا تتراجع التظاهرات إلا في حالة قامت حكومة الإقليم بخطوات سريعة من شأنها النهوض بالواقع الاقتصادي في كردستان.