قائد الجيش والراعي الأول للسلطة في الجزائر، أحمد قايد صالح، قال في خطابه الأخير للجزائريين إن كل مطالبكم تحققت، بقيت فقط الانتخابات الرئاسية التي يجب أن تُنظّم في أقرب وقت ممكن. يمكن الآن إذاً لأي جزائري أن يفتح سلة المكاسب والمنجزات والمطالب التي رُفعت منذ أول تظاهرات الثورة السلمية في 22 فبراير/ شباط الماضي، والتي تحققت، ليبدأ عدها. لم تكن هناك عهدة خامسة فعلاً، والرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة انسحب من المشهد، وكتلة هامة من رموز حكمه ووزرائه وبعض العسكريين في السجن، عتاة النظام وصنّاعه ممن لم يكن أحد يحلم بإمكانية محاسبتهم، كمدير المخابرات السابق محمد مدين، يقبعون في السجن أيضاً، والجيش لم يطلق النار على المتظاهرين، وثمة هيئة حوار ومشروع هيئة مستقلة للانتخابات، فما الذي يريده الجزائريون أكثر من كل هذا؟
إذا كان من الظلم إنكار تحقق هذه المكاسب، فإنه ليس من العدل مطلقاً القول إن مجموع المطالب تحققت وإن الانتخابات هي المتبقي الوحيد في سلة المطالب، ذلك أنه لا معنى لسجن أحمد أويحيى أو محمد مدين أو غيرهم ما دام الفضاء السياسي في الجزائر معتقلاً بيد الإدارة، والناشط السياسي، أياً يكن توجهه، ليس في مقدوره حتى الآن تنظيم ندوة أو فعالية سياسية (وفي إطار القانون) بحرية مطلوبة، وما دامت السلطة تمنح حزبها "جبهة التحرير" قصر المؤتمرات (المفترض أنه مخصص للأنشطة الرسمية) في مقابل أن تمنع رئيس حزب سياسي معتمد، هو رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان، ورئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، من إقامة ندوة نقاش في قاعة بسيطة.
لم تتحقق المطالب بعد ما دام الإعلام الجزائري يعيش الضغوط والإكراهات نفسها وربما بشكل أكبر. سيلاحظ الجزائريون مثلاً أن القنوات المستقلة باتت عاجزة بسبب ذلك عن مسايرة وتغطية تظاهرات الحراك الشعبي لأن الأخيرة تتعرض لقائد الجيش، كما يمكن ملاحظة أن التلفزيون المملوك للدولة بات معسكراً بشكل مبالغ فيه.
لم تتحقق المطالب ما دامت العدالة لم تجد حريتها بعد، ولم تقطع مع الممارسات السابقة التي كانت تخضع فيها لخط الهاتف أكثر من القانون، ويتعرض الناشطون في الحراك للضغوط في مناصب عملهم، ويلاحَق المدونون بسبب كتاباتهم. لم تتحقق المطالب بعد لأن الجزائريين يفقدون يوماً بعد آخر مساحات في الشارع الذي تسترجعه السلطة والشرطة تدريجياً، والتي تغلق في كل أسبوع شارعاً أو ساحة جديدة.
لم تتحقق المطالب ولم يتغير النظام وعقله الباطن بعد، فما زالت السلطة هي السلطة، والسلوك هو السلوك، والعبث السياسي نفسه الذي كان. رئيس الحكومة (كان وزيراً للداخلية) الذي أشرف على تزوير الانتخابات البلدية والنيابية عام 2017 ما زال في منصبه، ويرفض الجيش السماح باستبداله، ورئيس الدولة أيضاً، وإنشاء هيئة الحوار بتلك الطريقة الركيكة (باقتراح من منتدى مدني وكيل للسلطة) هي نفسها التي تشكّلت بها لجنة حوار 1994 وهيئة المشاورات السياسية عام 2012، والسلطة ما زالت تستبعد قوى المعارضة وترفض الإنصات إلى تقديرها للأزمة والحل.
لا يمكن أن تتحقق المطالب فيما المقاولات السياسية (أحزاب الموالاة) التي كانت شريكة لبوتفليقة في سياساته ووفّرت له الحزام السياسي للبقاء رئيساً مدى الحياة وطالب الشعب باستبعادها، عادت بتواطؤ من السلطة لاحتلال الفضاءات السياسية بهدف إعادة هندسة وبناء الخيارات الخاطئة نفسها، وتسميم الفضاء السياسي، ثم لا يمكن أن تتحقق المطالب والجيش يمارس الوصاية نفسها على الدولة ويرغب في تحديد الخيارات والمسارات.
لن ينكر أحد أنه حين قرر الشعب الثورة على نظام بوتفليقة وإنهاء حكمه، كان الجيش يدعو الجزائريين للذهاب إلى صناديق الاقتراع في انتخابات العهدة الخامسة (خطاب قائد الجيش في 6 مارس/ آذار)، ولذلك فالشعب الذي حرر الجيش من المسارات الخاطئة هو وحده من يقرر إن كانت مطالبه تحققت أم ليس بعد.